لا زالت التغييرات التي قام بها الرئيس الجزائري على قيادة وهياكل جهاز المخابرات، تثير الجدل في الأوساط السياسية والاعلامية في البلاد.
هل فعلا تخلص بوتفليقة من قبضة العسكر؟
لم يتضح بعد للمتابعين للشأن الجزائري إن كانت التغييرات التي أجراها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، هي مجرد حركة على جهاز المخابرات، كما هو معمول به في مختلف دول العالم ووفق ما يخول له الدستور بتعديل أو تغيير المؤسسات التي تخضع لوصايته، أم أنها جولة حاسمة كسبها الرئيس لصالحه في سياق صراع بين المؤسستين على النفوذ والصلاحيات .
وقد ألقت هذه التغييرات التي مست جهازا بالغ الحساسية في تركيبة النظام الجزائري، بظلها على النقاش السياسي الدائر في الجزائر قبيل أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل القادم.
ورأى مراقبون أن هذه التغييرات تأتي على خلفية محاولة جهاز الاستخبارات قطع الطريق أمام رغبة الرئيس بوتفليقة تمديد ولايته الحالية التي تنتهي دستوريا في أبريل المقبل، أو إعادة ترشيح نفسه لولاية رئاسية رابعة.
وعللوا ذلك بأن شكل ومضمون الدستور القادم، وإمكانية تمديد بوتفليقة لولايته الحالية بسنتين أو الترشح لولاية رئاسية رابعة، بحسب أحد السيناريوهات المطروحة في الساحة المحلية، هو الذي يؤكد حينها أن حركة بوتفليقة على جهاز المخابرات، تندرج في إطار إزاحة آخر العوائق في طريق البسط الشامل لسلطاته على مفاصل الدولة.
وكان بوتفليقة قد وعد في مطلع حكمه في أحد التجمعات الشعبية الدعائية بالقول «حاسبوني على الجنرالات»، في إشارة إلى قادة الجهاز، كما انتقد اقتصاد البلاد في تجمع آخر بالقول: «سأطارد القطط السمان»، في إشارة أيضا إلى بعض القوى السياسية والمالية المستندة لسلطة متنفذة في الادارة والعسكر.
ويضيف المتتبعون أن هذه التعديلات تكرس امتداد ولاية بوتفليقة، والتي كانت شملت مواقع حكومية ومراكز أمنية وعلى مستوى الجيش، بعد استكمال مخطط إحكام القبضة على كل مفاصل الدولة، الذي بدأ بتزكية عمار سعداني أمينا عاما لجبهة التحرير الجزائرية وانتهى بتعيين مراد مدلسي رئيسا للمجلس الدستوري، مرورا بالتعديل الحكومي وأخيرا التغييرات في الاستخبارات .
وإن كان المتعارف عليه لدى المتتبعين للشأن الجزائري، بأن قادة جهاز المخابرات هم الذين شكلوا منذ مطلع التسعينيات، السلطة الخفية والقوية في إدارة شؤون البلاد، بما فيها القرارات الحاسمة وتعيين رؤساء البلاد، فإن خضوع مؤسسة بهذه القوة والنفوذ لسلطة رجل استقدمته في بداية الأمر، ثم تحول إلى خصمها اللدود بكل هذه السلاسة والسهولة، هو مصدر للجدل والاستغراب.
وقد توقع البعض ردود فعل «انتقامية» في شكل إشعال احتجاجات ومظاهرات مفتعلة لكسر شوكة بوتفليقة، على شاكلة أحداث حركة «العروش» البربرية التي اندلعت العام 2003 في منطقة القبائل، وأدت إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى أنذاك.
ويتعزز هذا الطرح بإعلان «حركة البطالين» في الجنوب عن توسيع احتجاجاتها إلى مختلف الولايات الأخرى، وكذلك الشروع في التحضير لما أسمته بـ»مسيرة الغضب» بالعاصمة نهاية الشهر الجاري. وهي الحركة التي تقول الحكومة إنها «مخترقة» من عدة دوائر محلية وأجنبية تسعى لإشعال «فتيل» الفوضى في البلاد، عبر بوابة المطالب الاجتماعية. وتقول دوائر ضيقة إن «انتقام» ضحايا بوتفليقة في جهاز الاستعلامات، سيبدأ من توظيف حركة البطالين لذراع السلطة المدنية.
في المقابل تؤكد مصادر مقربة من السلطات الجزائرية أن مسائل الاستقرار صارت محل اجماع بين مختلف دوائر القرار والطبقة السياسية، في خضم المخاطر التي تهدد البلاد من جميع حدودها البرية الممتدة على حوالي ستة آلاف كلم. مع وجود نوايا إقليمية لهز استقرار البلاد تحت ذرائع التغيير والإصلاح السياسي والديمقراطية، في إطار موجة «الربيع العربي».
كما ربطت المصادر التغييرات أيضا بالشأن الأمني في الجزائر لمواجهة التهديدات الأمنية التي تحيط بها في الحدود الجنوبية مع مالي والشرقية مع تونس.
وأكدت أنه في ظل التجاذبات الداخلية والصراعات الخفية بين الدوائر النافذة، يكاد يجمع الرأي العام في الجزائر بأن أي انزلاق نحو العنف سيجر البلاد إلى مستنقع لا نهاية له، ولذلك تبدي مختلف الأطراف رغبة في «التنازل» أو الجنوح إلى إرادة القوى، مقابل ضمان الحد الأدنى والبقاء في الواجهة.
ويُستدل على الاستقرار اللقاء الذي جمع مؤخرا بين بوتفليقة والجنرال محمد مدين توفيق، الذي قام على إثره بتغيير على مستوى مديري الأمن الداخلي والأمن الخارجي، اللذين كان يشرف عليهما اللواءين، عثمان طرطاق، وعطافي المعروف بـ»الفيلسوف». وتم تسليمهما إلى كل من عبدالحميد بن داود، الذي كان يشغل منصب مدير التعاون الدولي، في جهاز الاستعلام، ومحمد بوزيت المدعو يوسف، الذي كان يشغل منصب المفتش العام للجهاز.
ويلخص هذا أن ما يجري في المؤسسة يتم باتفاق بين الطرفين ويأتي ذلك ليكمل ما انطلق فيه بوتفليقة فعلا أو لإبداء حالة من التكامل بين رجال السلطة، والتي قد تكون أجندة لا تظهر، وأن التغييرات التي أجراها الرئيس بوتفليقة في جهاز الأمن، لم تكن محل خلافات بينه وبين قائد جهاز المخابرات الجنرال محمد مدين، مثلما يتداول في الأوساط السياسية.