في ظل ما تواجهه عديد التنظيمات الإخوانية من أزمات، اجتمع التنظيم الدولي للإخوان مرة أخرى في لاهور وتزامن هذا اللقاء مع آخر عقد في إسطنبول.
باكستان تستقبل رموز الإخوان لبحث الخروج من المازق
أثرنا سابقا في هذه الصفحة مسألة انعقاد اجتماع التنظيم الدولي للإخوان في إسطنبول في 11 يوليو الماضي، والذي بحث تداعيات سقوط حكم الإخوان ومحمد مرسي في مصر. لكن الجديد أن التنظيم الدولي للإخوان عاد إلى الاجتماع مرة أخرى، الخميس الماضي، في مكانين مختلفين؛ الأول في إسطنبول والثاني في لاهور. وما يهمنا هنا هو لقاء لاهور لأسباب متعددة متعلقة بالمواضيع المطروحة على لائحة المناقشات، وبحجم الحضور والأسماء، وأيضا بمكان الاجتماع.
تعددت الاجتماعات والتنظيم واحد
للوهلة الأولى قد يتبادر للذهن سؤال متعلق بسبب تعمد التنظيم العالمي للإخوان المسلمين تنظيم اجتماعين في مكانين مختلفين وفي الفترة نفسها، والإجابة هنا تسربت من فحوى المداولات التي دارت هنا وهناك، فاجتماع إسطنبول وحسب تأكيد موقع «24» الإخباري تكمنُ في أنه خُصّصَ لبحث القضايا النظرية المرتبطة بالتحديات التي تواجه التنظيم العالمي للإخوان بعد سقوط حكمهم في مصر، وكيفية تعبئة منظمات المجتمع المدني والقوى الغربية لدعم عودتهم للحكم على أساس أنهم «اختيار شعبي حر»، وحسب جدول الأعمال والأوراق التحضيرية لمؤتمر إسطنبول، فإنه يبحث «الموقف الدولي من التحولات الديمقراطية في دول الربيع العربي والخطاب السياسي الإسلامي المستقبلي، ومستقبل العلاقات مع النظام الدولي والغربي والإقليمي تجاه الديمقراطية والحريات في المنطقة».
أما اجتماع لاهور فقد ركّز على بحث الخطوات العملية للتحرك خاصة في مصر، لإسقاط السلطة الانتقالية التي تولت بعد عزل محمد مرسي إثر احتجاجات شعبية.
الخطوات العملية
في سياق الحديث عن الخطوات العملية للتحرك على الأرض، نشيرُ إلى أن اجتماع لاهور قام على محاور ثلاثة وهي؛ «الإنقاذ» ويرتبط ببحث سبل وإمكانات إنقاذ حكم الإخوان في مصر، أي استرجاع السلطة التي افتكت من إخوان مصر بمقتضى التحركات الشعبية الهادرة ابتداء من تمرد 30 يونيو. المستوى الثاني للخطوات العملية هو «تفادي سقوط بقية التنظيمات» وهو تخطيط من قبيل الإجراء الوقائي ويخصّ أساسا إخوان تونس في ظلّ الحراك الشعبي والسياسي الذي لم يتوقف منذ اغتيال القيادي محمد البراهمي في 25 يوليو الماضي، وينسحبُ أيضا على تفادي وقوع حركة حماس في نفي المطبّ خاصة في ظلّ تنامي الدعوات على بدء النظير الفلسطيني من حملة تمرد المصرية.
المستوى الثالث، يقوم على عدم تعزيز بقية التنظيمات الإخوانية في السودان وأيضا في الخليج؛ فالسودان يشهد مؤخرا تحركات شعبية قد تعصف بحكم عمر البشير، أما إخوان الخليج فإنهم يشهدون عزلة شعبية ورسمية منذ تكشفت خططهم ودسائسهم خاصة في الإمارات.
استنفر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين للقاء لاهور أغلب ممثلي التنظيمات الإخوانية حول العالم، حيث واكب الاجتماع القيادات المركزية في التنظيم الدولي على غرار المصري ابراهيم منير مصطفى (الأمين العام للتنظيم الدولي)، ومحمود أحمد الإبياري (الأمين العام المساعد للتنظيم)، والأردني عبد المجيد ذنيبات (عضو مكتب الإرشاد العالمي).
إضافة إلى ممثلي التنظيمات الإخوانية في العالم العربي والإسلامي، مثل؛ همام سعيد (المراقب العام لإخوان الأردن) واليمني عبدالعزيز منصور، والمغربي محمد الحمداوي، وممثل حركة حماس محمد نزال والصومالي محمد حسين عيسى، والسوري محمد رياض الشقفة (المراقب العام للإخوان في سوريا)، والموريتاني محمد الحسن ولد الددو، والجزائري أحمد الدان (العضو المؤسس لحركة الدعوة والتغيير في الجزائر)، والتونسي عبدالفتاح مورو (نائب رئيس حركة النهضة التونسية)، والسوداني علي جاويش (المراقب العام للإخوان المسلمين في السودان) والماليزي عبد الهادي أوانج (رئيس الحزب الإسلامي الماليزي) وبشير الكبتي (إخوان ليبيا) ومحمد فرج أحمد (ممثل كردستان العراق). إضافة إلى الجهة المستضيفة للقاء وهي الجماعة الإسلامية في باكستان (التابعة بدورها للتنظيم الدولي للإخوان) ويتزعمها سيّد منور حسن.
تداعي «التنظيم» بالسهر والحمى
الثابت أن تعدد اجتماعات التنظيم الدولي للإخوان في الفترة الأخيرة (اجتماع 11 يوليو ثم اجتماع اسطنبول المتزامن مع لقاء لاهور) يعكسُ حالة «الفزع» التي أصابت التنظيمات الإخوانية، ويترجمُ أيضا نزوعا نحو إعادة هيكلة التنظيم الدولي ومن وراءه بقية التنظيمات في الأقطار العربية الإسلامية، وملائمتها مع المستجدات الأخيرة، مثلما أشرنا إلى ذلك وفق «الإنقاذ» والتفادي والدعم والتعزيز، مع ملاحظة جرعة البراغماتية التي يتحلّى بها التنظيم، ويتجلى ذلك في التطرق إلى بروز نوايا جدية في إعادة تركيبة التنظيم العالمي وإعادة النظر في أساليب العمل خاصة في ظل محاكمة الجماعة الأم في مصر وصدور قرار حظرها.
أما اختيار مدينة لاهور لاحتضان هذا الاجتماع العالمي، فيمثل أولا سعيا واضحا للابتعاد عن مراكز الثقل المعتادة مثل القاهرة أو لندن (مركز إقامة عديد القيادات العالمية مثل الأمين العام للتنظيم ابراهيم منير)، وهو ما يجنب القيادات العالمية التركز الإعلامي والسياسي، الذي قد يفرض ضغطا إعلاميا يشتت تركيز الاجتماع او ينجح في تسريب ما تسعى القيادات لإخفائه من وثائق وبرامج. يضافُ إلى ذلك أن باكستان وبقية بلدان جنوب شرق آسيا تتوفر على أرضية إخوانية صلبة، بالنظر لأن المنطقة عرفت العمل الإسلامي الإخواني منذ عقود، بل قدمت أولى الإسهامات الإيديولوجية الفكرية والتنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين وكان ذلك منذ زمن أبو الأعلى المودودي (1903- 1979).
لاشكّ أن اجتماع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في لاهور، طرحَ إشكالية مستقبل التنظيمات الإخوانية في العالم، وسبل إنقاذها ودعمها ورفدها سياسيا وماليا وإعلاميا، لكن السؤال الذي طرحه أغلب المتابعين تمحور حول إمكانية «تجاسر» التنظيم وقياداته على إقامة نقد ذاتي معمق لأخطاء الجماعات الإخوانية؟ وهو أمر استبعدته أغلب القراءات.