عام 1972 بعد عقد من النفور، بدأت الصين والولايات المتحدة مصالحة غيرت من مجريات الامور في العالم ... هل يمكن القول ان واشنطن وطهران على نفس الطريق؟
نشرت مجلة "تايم" الاميركية مقالا تحليليا عن العلاقات الأمريكية الايرانية في ضؤ تجدد الاتصالات مع الرئيس الايراني الجديد بعد عقود من العداء . جاء في التحليل ان واشنطن ستبذل كل جهد ممكن لايجاد فسحة جديدة في المحادثات النووية مع ايران. واشارت الى اهمية المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس الاميركي باراك اوباما من ناحية والرئيس الايراني حسن روحاني، متساءلة هل اننا سنشهد تكرارا لتطورات العام 1972؟. وهذا نص المقال الذي كتبه المحلل السياسي فريد زكريا المختص بالشؤون الايرانية:
الذي يتابع التراقص الدبلوماسي بين ايران والولايات المتحدة الذي أدى الى مكالمة هاتفية غير مسبوقة من الرئيس اوباما الى الرئيس حسن روحاني، يدفع المرء الى استذكار احداث العام 1972. ففي ذلك العام وبعد عقد من النفور، بدأت الصين والولايات المتحدة مصالحة غيرت من مجريات الامور في العالم. اذن هل يمكن القول ان واشنطن وطهران، وقد كبلتهما حالة العداء التي امتدت لعقود، على شفا تغيير مماثل في المشاعر؟
وبكلمة واحدة نقول لا، الامر ليس كذلك. فما دفع الولايات المتحدة والصين للتقارب كان القوة الاكثر شدة في العلاقات الدولية – وهي قوة العدو المشترك. ففي اواخر الستينات من القرن الماضي، بدأت الصين تنظر الى الاتحاد السوفياتي باعتبار انه يمثل مشكلة الامن الوطني الرئيسية، واخذت الولايات المتحدة تتطلع الى فرصة لوجود قضية مشتركة مع بيكين. وليس هناك عدو مشترك يدفع واشنطن وطهران الى لم صفوفهما.
ومع ذلك فان هناك وجها للمقاربة. ففي اوائل السبعينات كانت الصين في ادنى درجاتها اقتصاديا. وفي ايران انهار الاقتصاد نتيجة العقوبات التي تساندها الولايات المتحدة، وبسببب اعباء توفير السلاح والمال لنظام سوري لا يحظى بالشعبية ويواجه ثورة ضده. واضافة الى ذلك فان الملالي في طهران يدركون ان فقاقيع السخط بدأت تطفو على السطح على شكل حركة خضراء تدعو للاصلاح قبل اربع سنوات فقط، لكنها لا تزال تغلي داخل صفوف مجتمعهم.
وندرك الان ان التغيير في العلاقات الاميركية الصينية في العام 1972 كانت وسيلة لان تصبح الصين لا محالة القوة الاقتصادية التي هي عليها اليوم – ثرية، تقوم على اساس السوق والانفتاح على العالم. غير ان ذلك المسار لم يكن جليا قبل 40 سنة، وعلى الاخص في الصين. بل انه حتى بعد العام 1972 ظل النظام في حكم ماوتسي تونغ شيوعيا حتى النخاع ومعاديا الى حد كبير للغرب. وبعد وفاة ماو جاءت اعوام النضال الداخلي والفوضى، وبعد ذلك على غير انتظار النهوض نحو سلطة الحضارة الصينية الحقيقية، بقيادة دينغ شيبونغ الذي اطلق لبلاده العنان نحو التغيير العظيم. والمقارنة تبين ان المرشد الاعلى الايراني اية الله علي خامنئي، صنو لماو وليس لدينغ. وايا كانت الافكار التي يحملها روحاني فانه لا يستطيع تغيير طبيعة النظام.
وافضل الصور التي يمكن مشاهدة العلاقات الاميركية الصينية من خلالها، هو الاجتماع الاخر الذي عقد في العام 1972 بين (الرئيس الاميركي السابق) ريتشارد نيكسون والزعيم السسوفياتي ليونيد بريجينيف في موسكو. وكانت تلك هي المرة الاولى التي يقوم فيها رئيس اميركي بزيارة رسمية الى الاتحاد السوفياتي، وما نتج عنها من بداية للاسترخاء – سلسلة من الخطوات لتخفيف الحرب الباردة والسماح باتصالات افضل. وقد يكون هذا بالنسبة للوضع الراهن افضل ما يمكن ان يتوقعه المرء في العلاقات بين الولايات المتحدة وايران.
على ان التخفيف مع ايران ممكن ويستحق المثابرة. وخطوطه العريضة يمكن ان تبدو كما يلي: توافق ايران على ان يسمح لها بتخصيب اليورانيوم حتى 5 في المائة، وسيكون صعبا على هذا المستوى التحرك في برنامجها النووي من الاغراض السلمية الى المرحلة العسكرية، ويحتاج الى وقت طويل. فقد قامت ايران بتخصيب بعض كميات اليورانيوم الى نسبة 20 في المائة، ما يجعل بامكان تحويلها الى وقود للسلاح بسهولة وبسرعة. ولا بد لهذه الكمية من شحنها الى خارج البلاد. لكن ايران رفضت هذه الفكرة. وان قبلت في العام 2010 بصفقة مماثلة. وقد تتصرف بالطريقة ذاتها مرة اخرى، اذا سمح لها بالاحتفاظ باليورانيوم الذي تريده للاغراض الطبية.
ثم ان هناك منشأتين نوويتين – احداهما على مقربة من قـم، والاخرى في آراك – ما يقلق الخبراء. الاولى تحت سطح الارض ويمكن ان تنجو من القصف الجوي. اما الثانية فانها مفاعل للماء الثقيل ينتج بلوتونيوم بعد اكتماله، وهو مسرب اخر للقنبلة النووية. وترغب اسرائيل في ان يتم اغلاق المفاعلين. وهو ما لا ترى ايران انه يصلح مقدمة للمحادثات. فهي تصر على ان كليهما يعملان لاغراض مدنية. وقد يكمن الحل في عملية تفتيش متشددة.
غير ان هذا ليس مأمونا تماما. اذ علينا ان نعترف ان بامكان اي دولة لديها مؤسسة علمية صحيحة، ولدى ايران ذلك، تحويل اي برنامج نووي الى برنامج عسكري. وتعرف ايران ذلك، وهو السبب في انها ترعى الخبرة الفنية الواسعة والعميقة في هذا الميدان ويستحيل تغيير ذلك الاتجاه الان، حتى وان بدا ممكنا في اي وقت. ويجب ان يركز هدف المجتمع الدولي على حرمان البرنامج الايراني من هذا الانفلات. ويمكن للرقابة الشديدة ان تسهم في ضمان الكشف عن اي تغيير مشتبه به. ويجب ان يظل الامل معقود على ان ايران لديها ما يكفي من الذكاء للعمل على سياسة النفوذ والتأمين التي توفرها هذه الصفقة بما لا يمكن لمتابعة السلاح النووي ان يفعله، ما يحولها الى دولة مارقة مثل كوريا الشمالية وربما تتسبب في اتخاذ اجراء عسكري ضدها.
والى جانب الصفقة النووية، فان ايران حضارة عظيمة وامة كبيرة. ومن الكوارث ان تظل معزولة خارج النظام العالمي. ويُنسب ذلك الى حد كبير الى افعالها هي. لكن على واشنطن ان تنتهز كل فرصة وتبذل كل جهد لمعرفة ما اذا كانت الاحاديث النووية تستطيع ان تفتح النافذة. فهناك امكانية بسيطة ان نشهد ذات يوم في العام 2013 ان ذلك هو العام الذي عادت فيه ايران الدفء.