منظومة اصدقاء سورية افلست.. و”جنيف 2″ تمهيدا لـ”جنيف 3″.. وعودة “داعش” القوية تخلط الاوراق
عبد الباري عطوان
نجزم بأن منظومة “اصدقاء” سورية التي اختتمت اجتماعها الاثنين في باريس بحضور 11 وزير خارجية بزعامة الولايات المتحدة الامريكية ووزير خارجيتها جون كيري قد افلست، ولم يعد لديها اي جديد يمكن ان تقوله او تفعله غير التكرار الممل لمواقفها وبياناتها ومؤتمراتها الصحافية السابقة.
فكيف يمكن ان نفسر الفقرة التي وردت في بيانها الختامي وتؤكد “على ضرورة مشاركة المعارضة السورية في مؤتمر “جنيف2″ الذي سيعقد في الثاني والعشرين من الشهر الحالي”، فاي معارضة التي يتحدثون عنها، ومن اي فصائل تتكون، ومن هو رئيسها، ومن تمثل على الارض؟
ولعل ابرز التناقضات التي وردت في هذا الاجتماع وبيانه الختامي، ان السيد احمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني “يتدلل” ويملي شروطه، ودون ان يقرر ما اذا كان ائتلافه “المهلهل” سيشارك في مؤتمر جنيف ام لا، وكأن الائتلاف دولة عظمى مستقله في قراراتها وتحظى بتمثيل جميع فصائل المعارضة وتحمل تفويضا مفتوحا منها ومن الشعب السوري بحيث تكون مؤهلة وقادرة على املاء شروطها وفرضها على الآخرين.
تناقض آخر لا يقل استعصاءا على الفهم من الاول، وهو اقتراح امريكي لقي استحسانا روسيا جرت مناقشته في اللقاء الاهم بين كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف على هامش مؤتمر “الاصدقاء” وينص على وقف لاطلاق النار في سورية، وتبادل السجناء بين حكومة الرئيس بشار الاسد والمعارضة، على ان تكون البداية في منطقة حلب.
حكومة الرئيس بشار الاسد يمكن ان تلتزم، وتلزم، مقاتليها بوقف اطلاق النار، ولكن هل يستطيع كيري ووزراء الخارجية العرب الذين ينضوون تحت عباءته ان يفعلوا الشيء نفسه، اي ان يلزموا فصائل المعارضة المسلحة بهدنة وتبادل الاسرى؟
***
الاجابة قطعا بالنفي، فهل تقبل كتائب النصرة مثلا وقف اطلاق النار نتيجة اتفاق توصلت اليه الادارة الامريكية “المشركة” مع الحكومة الروسية “الملحدة”؟ واذا افترضنا ان “النصرة” التي باتت “اكثر اعتدالا” في نظر العرب، قبلت الاتفاق، وهو ما نشك فيه، فهل تقبله الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” واميرها ابو بكر البغدادي؟
نحن لم نتحدث عن الجماعات المسلحة الاخرى مثل الجبهة الاسلامية وثوار الشام وجيش المجاهدين والجيش الحر على افتراض ان الدولتين العربيتين اللتين توفران المال والسلاح لدعمها، اي المملكة العربية السعودية وقطر، قادرتان على فرض اي اتفاق يتم التوافق عليه بين امريكا وروسيا، والزام هذه الجبهات فيه ايضا.
الدولة الاسلامية “داعش” التي تفائل الكثيرون، ونحن لسنا من بينهم، بقرب نهايتها بعد نجاح الهجوم الموحد لجبهات المعارضة المدعومة سعوديا وقطريا في الاستيلاء على معظم مواقعها في حلب وادلب والرقة، قلبت الموازين كلها، واستطاعت استعادة معظم ما خسرته من مواقع في هذه المدن في اقل من ثلاثة ايام والحقت هزائم كبيرة بجيوش خصومها، وهي بالتالي مستعدة لتخريب اي اتفاق لوقف اطلاق النار لانها غير ملزمة به ومن وقعه، وستستمر في مقاتلة النظام ومن يريدون اجتثاثها معا.
نقطة اخرى لا نستيطع الا التوقف عندها وردت في المؤتمر الصحافي الذي عقده السيد الجربا في باريس الاثنين، واكد فيه انه لا مكان للرئيس بشار الاسد وعائلته في مستقبل سورية، ولا دور له في المرحلة الانتقالية، فاذا كان الحال كذلك، فهذا يعني ان نتائج مؤتمر جنيف باتت محسومة مسبقا قبل ان يعقد، فلماذا يشارك فيه وفد السلطة برئاسة السيد وليد المعلم وزير الخارجية، من اجل تسليم السلطة على طبق من الخزف السويسري للسيد الجربا وائتلافه؟ ولماذا ينعقد المؤتمر في الاساس؟
مؤتمر جنيف الاول انعقد بدون حضور اي ممثل للنظام السوري، ولا للسلطات الايرانية الداعمة له، واصدر قرارات اكد فيها على نفي اي دور للنظام في المرحلة الانتقالية، فماذا تغير؟ واي من هذه القرارات حظي بالتطبيق العملي؟ ثم كيف يفرضون هذه القرارات الاحادية الجانب على اطراف لم تصادق عليها ولم تحضر المؤتمر الاول كشرط لمشاركتها في المؤتمر الثاني اي ايران؟
النظام السوري لم يسقط مثلما كان يأمل المشاركون في مؤتمر جنيف الاول، وبالسرعة التي تمنوها، كما ان الفصائل الجهادية “التهمت” الجيش الحر او معظمه الذي كانت تعول عليه امريكا وتركيا وحلفاؤها العرب وباتت القوة الاخطر، والمجلس الوطني السوري الذي كان بمثابة الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري تحول الى فريق هامشي في الائتلاف الوطني بعد تراجع دور قطر، وتقدم الدور السعودي في الازمة السورية المتغيرة.
اتفاق وقف اطلاق النار الذي توافق عليه وزيرا خارجية امريكا وروسيا هو “التطور” الاهم في نظرنا، والمؤشر لمرحلة جديدة لطبيعة الحلول السياسية المنتظرة للازمة السورية، اي الاعتراف الضمني ببقاء النظام لفترة متفق عليها، وتحويل طبيعة الازمة من عسكرية الى قضية انسانية بحته، اي توفير مواد الاغاثة الاساسية للشعب السوري، وتبادل المعتقلين، بحيث تظل سورية مجزأة ومفتتة في ظل حكومة مركزية لا تسيطر على اطرافها، اي تثبيت الوضع الحالي، وفرص فشل هذا التوجه الجديد اكبر من فرص نجاحه.
***
اصدقاء سورية اتفقوا على عقد مؤتمر “جنيف2″ في موعده، وعدم تأجيله، ولكنه من المرجح ان يأتي حضورا هزيلا، ومن الدول نفسها التي حضرت المؤتمر الاول، ومن اجل ذر الرماد في العيون، انتظارا او تمهيدا لعقد مؤتمر “جنيف3″ و”جنيف4″ وهكذا دواليك.
باختصار شديد، نقولها بكل ثقة، لن يتم التوصل لحل سياسي للازمة السورية الا بعد وصول جميع الاطراف المتقاتلة الى مرحلة الانهاك التام، والشعب السوري في معظمه وصل الى مرحلة اليأس والرغبة في الخلاص من الحرب والقتل والتشرد والجوع وجميع من اوصلوه الى هذا المستنقع الدموي دون استثناء، ونجاح مخطط القضاء على جميع الجماعات الاسلامية الجهادية، معتدلة كانت ام متطرفة.
حتى الآن لم تتوفر اي من هذه العناصر، ولذلك ستستمر الحلقة الدموية وتتصاعد، قد تتغير بعض الوجوه، وتظهر قوى جديدة باسماء جديدة، وتحالفات جديدة فالسيد الجربا سيواجه حتما مصير من سبقوه وانتهى دورهم مثل السادة معاذ الخطيب والدكتور برهان غليون وسليم ادريس وجورج صبرا، ورياض الاسعد والقائمة تطول، ومثلما اخذت الجبهة الاسلامية مكان الجيش الحر، وجيش الاسلام سيأتي من يزيحها من الطريق ليحل محلها، فبالامس النصرة واليوم داعش، ولا نعلم من يأتي غدا. انها لعبة كراسي دموية مرشحة للاستمرار لسنوات وربما لعقود قادمة.
ومرة اخرى نقول ان الشعب السوري هو الضحية، فارقام الشهداء لم تعد مهمة، وصور الضحايا المؤلمة لم تعد تحرك الا القلة للاسف.