مياه العرب تعاني أزمة إدارة والنيل ودجلة والفرات في خطر، وشح المياه.. فتيل حرب كونية الانتصار فيها للأغنى والأقوى.
تشكل المياه 71% من حجم الكرة الأرضية، غير أن 3% منها فقط مياه عذبة
قضية المياه برزت كواحدة من الأزمات التي يواجهها العالم وربما تنذر بصراعات إقليمية خلال السنوات القادمة. وقد صنّف تقرير “المنتدى الاقتصادي العالمي” مشكلة نقص المياه من بين 31 خطرا يهدد العالم خلال السنوات العشر المقبلة. ومع ازدياد الصراعات الإقليمية حول مصادر المياه، ومع التحديات الهائلة العاجلة التي تواجه الناس، فإن الأمر يتطلب عملا غير تقليدي.
تشكل المسطحات المائية نسبة 71 بالمئة من حجم الكرة الأرضية، غير أن 3 بالمئة منها فقط مياه عذبة، وتتوفر غالبية تلك النسبة الضئيلة، على شكل كتل جليدية، في “غرينلاند” والقطب المتجمد أو في ينابيع المياه الجوفية، أما ما هو متاح للاحتياجات البشرية، فيشكل أقل من 1 بالمئة ومعظمه بعيد عن الكتل السكانية الضخمة.
كما أن هذه المياه موزعة بطريقة غير متساوية إذ تتقاسم 23 دولة ثلثي الموارد المائية، فيما يتوزع الثلث الباقي وبشكل غير متساو على بقية بلدان العالم. أما الدول المحظوظة فهي البرازيل وكندا والصين وكولومبيا والولايات المتحدة والهند وإندونيسيا وروسيا، إضافة إلى الأعضاء الخمسة عشر في الاتحاد الأوروبي.
ومع بداية الألفية الثالثة، فإن أكثر من مليار شخص لن يكون بمقدورهم الحصول على مياه نقية آمنة، كما أن حوالي 2.4 مليار نسمة أي ما يعادل 40 بالمئة من سكان الأرض يفتقرون إلى ظروف صحية ملائمة. ويموت أكثر من 3.4 ملايين شخص سنويا بسبب أمراض متعلقة بالمياه. ويحذر خبراء، في مصادر المياه العذبة، الحكومات والهيئات والمنظمات بضرورة إعطاء أولوية قصوى لتوفير المياه الصالحة للشرب.
ندرة المياه تعني ألا يتاح للفرد سوى
1000 متر مكعب أو أقل من المياه سنويا
ولفت الخبراء انتباه العالم وحكوماته إلى أن الأرض بكاملها ستكون مهددة بالعطش منتصف هذا القرن، أي في حدود العام 2050. وحذر تقرير لمنظمة الصحة العالمية من أن سوء استخدام الأنهار والمياه الجوفية والتلوث والتبذير وتزايد السكان والنمو الفوضوي للمدن، كل ذلك من شأنه أن يتسبب في نقص احتياجات أكثر من 250 مليون نسمة في 26 دولة يصل حجمه إلى (أقل من 1000 متر مكعب سنويا للفرد)، ويتحول إلى “ظمأ هائل” يطال ثلثي سكان الأرض بحلول العام 2050. وتشير مذكرة حكومية فرنسية إلى أن “مليار مواطن في العالم يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب، في حين لا يتمتع 4،2 مليارات آخرين بالبنى التحتية لتنقية المياه”. إلى ذلك فإن المياه كما تضيف المذكرة هي “السبب الأول للوفيات والأمراض” في العالم “بشكل مباشر أو غير مباشر” وأن “3 ملايين طفل يموتون سنويا بسبب النقص في مياه الشرب”.
إضافة إلى المشاكل الاجتماعية والصحية للمياه لابد من إضافة المشاكل الغذائية، إذ تشكل الزراعات المروية 40 بالمئة من غذاء العالم، وأيضا المشاكل المناخية، حيث تشكل الفيضانات والسيول، على سبيل المثال، ثلث الكوارث الطبيعية، وهناك أيضا المشاكل الجيوسياسية، إذ أن ثلثي الأنهار الكبرى والبحيرات في العالم تشترك فيها أكثر من دولة. فدول عدة كمصر والسودان وأوغندا وإثيوبيا تشترك في مياه نهر النيل، والعراق وسوريا وتركيا تشترك في مياه نهري دجلة والفرات، وتعاني كل من الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة من استغلال إسرائيل لمياه نهر الأردن، ونهر اليرموك، ونهري الليطاني والوزاني، ونهر الجليل في الجولان المحتل. وتتشارك السنغال وموريتنانيا في نهر “السنغال”، وإيران وأفغانستان في نهر “الهيلماند”.
كذلك هناك المشاكل البيئية، إذ أن نصف الأنهار والمسطحات المائية ملوثة، وحتى يتمكن العالم من إطعام 8 مليارات نسمة وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والصحية بحلول العام 2050 فإن عليه أن يستثمر 180 مليار دولار سنويا مقابل 70 إلى 80 مليارا فقط تستثمر حاليا.
الأمم المتحدة: العرب بحاجة إلى 200 مليار دولار لمواجهة أزمة المياه
المياه العربية
في تقرير بعنوان “إدارة الموارد المائية في المنطقة العربية.. بين تأمين العجز وضمان المستقبل” قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن حصة الفرد من المياه في 12 دولة عربية تقل عن مستوى الندرة الحادة الذي حددته منظمة الصحة العالمية.
وقال التقرير إن “من المتوقع أن يرتفع عدد سكان البلدان العربية المقدر حاليا بنحو 360 مليون نسمة ليصل إلى 634 مليون نسمة بحلول عام 2050 وأن يرتفع نصيب المدن من السكان من 57 في المئة حاليا إلى نحو 75 في المئة، وهو ما يمثل مزيدا من الضغط على البني التحتية للمياه”.
وبيّن أن “الأزمة المائية هي أزمة إدارة أصلا. ومن بين العوامل التي تعوق التطور في مجال إدارة الموارد المائية عدم وضوح المسؤوليات وتداخلها وعدم كفاءة المؤسسات وقلة الموارد المائية، إضافة إلى مركزية القرار وقلة الوعي العام والعجز في القوانين وتطبيقها”.
في هذا السياق، قال حافظ شقير المدير الإقليمي للدول العربية بصندوق الأمم المتحدة للسكان إنه في الوقت الذي تذهب فيه نسبة 80 بالمئة من استهلاك المياه في العالم العربي إلى الزراعة فإن شح المياه نتيجة تغير المناخ من المتوقع أن يخفض الإنتاج الغذائي بنسبة 50 بالمئة في المنطقة. وأعطى شقير مثالا على ذلك وهو مصر، حيث يكتظ معظم سكانها البالغ عددهم 77 مليون نسمة في وادي النيل والدلتا المنخفضة قد تكون إحدى أكثر دول العالم تضررا من تغير المناخ.
3 بالمئة فقط من المسطحات المائية مياه عذبة و23
دولة تتقاسم ثلثي الموارد المائية في العالم و80 بالمئة
من استهلاك المياه في العالم العربي مخصصة للزراعة
مواجهة عطش العالم
تؤكد مختلف التقارير على ضرورة نهوض القطاع الخاص بمسؤولية إضافية في عمليات التمويل في الوقت الذي لا يساهم هذا القطاع حاليا بأكثر من نسبة الربع في هذه العمليات، والموارد الإضافية المطلوبة (100 مليار دولار في السنة) لا تمثل في الواقع سوى ساعة و40 دقيقة من المبادلات في أسواق الأسهم والسندات المالية في العالم، وتنصح التقارير من أجل فاعلية أكبر في إطار الاستثمارات المائية على المدى الطويل ولتفادي النقص في التجهيزات بقيام “بنك دولي للمياه” يهتم ويمول ويرشد مشروعات المياه في العالم.
هناك أكثر من 200 حوض نهر مشترك في العالم، يقع نحو نصفها في أوروبا وأفريقيا، وهناك 19 حوض نهر، تشترك فيها أكثر من خمسة كيانات سياسية أكبرها حوض نهر الدانوب الذي تشترك فيه 17 دولة. وفي أغلب هذه الدول اندلعت صراعات وأزمات المحور الرئيسي فيها هو الماء. وهي صراعات قد تتطور إلى حروب المياه. ويحذر العلماء وخبراء البيئة منذ عشرات السنين من أن أزمة المياه تدق أجراس الخطر، ولا تجد سوى آذان صماء لدى بعض الحكومات، فالماء لم ينضب من كوكب الأرض، ولكن سكانه فشلوا في التحكم فيه وحمايته. وإذا تطور الأمر فإن المياه ستصبح “رفاها” لا تقدر عليه إلا الدول الغنية والقوية.