قائدان في الاستخبارات الأمريكية قدّما تقريرًا لمجلس الشيوخ، يُظهر صورةً لخريطة التهديدات للولايات المتّحدة، بينها أسلحة الدمار الشامل، الإرهاب، وآثار الحرب الأهلية السورية
قدّم مدير الاستخبارات الوطنيّة جيمس ر. كلابر، ومدير وكالة الاستخبارات العسكريّة الجنرال مايكل فلين، شهادتهما أمام لجنة الخدمات المسلّحة في مجلس الشيوخ الأمريكي حول محتويات تقدير المخاطر العالمية لمجتمَع الاستخبارات الأمريكي، الصادر في تاريخ 29 كانون الثاني، والمؤسَّس على معلومات متوفرة حتّى 15 كانون الثاني.
"بالنظر إلى مسيرتي في الاستخبارات التي تزيد عن نصف قرن"، قال كلابر، "لم أشهد فترةً كانت تزعجنا فيها أزمات وتهديدات أكثر حول العالم".
وتكوّنت لائحة كلابر للتهديدات من "وباء الإرهاب وتنوّعه، الذي يتمكّن من التواصل بحرّية والمنتشر حول العالم، ... كما جرى تجسيده عبر قنبلة ماراثون بوسطن والحرب المذهبيّة في سوريا [و]جاذبيتها كمركز نامٍ للتطرّف الراديكالي والتهديد المحتمَل الذي يطرحه ذلك للوطن".
ورغم اختلاف المهامّ والجمهور، وصف كلابر وفلين أولويات متشابهة، بينها الأخطار واسعة الانتشار التي تتضمّنها الحرب المذهبيّة في سوريا، الضرر الذي يواجه مجتمَع الاستخبارات جرّاء تسريبات إدوارد سنودن غير القانونيّة العام الماضي لوثاق وكالة الأمن القومي، وأثر التقليصات الكبيرة في الموازنة على مجتمَع الاستخبارات والقوّات المسلّحة.
في سوريا، قال كلابر، تُقدَّر قوة المتمردين بنحو 75 ألفًا إلى 115 ألفًا، مبعثَرين في أكثر من 1500 مجموعة ذات ميول سياسيّة متعدّدة إلى حدٍّ بعيد.
"ثلاث فئات من الأكثر فاعليّة هي جبهة النُّصرة، أحرار الشام، والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، التي يبلغ مجموع أعدادها أكثر من 20 ألفًا"، أضاف مدير الاستخبارات الوطنيّة.
تنظيم القاعدة في سوريا
مقاتلون من 50 دولة في سوريا
جرى استقدام ما لا يقلّ عن 7500 مقاتل أجنبي من 50 دولة إلى سوريا، بينهم مجموعة صغيرة من المتمرّسين في القاعدة من أفغانستان وباكستان "لديهم طموحات بهجوم خارجيّ على أوروبا، إن لم يكن وطننا نفسه"، وفق كلابر.
وتشمل تهديداتٌ أخرى ذات صلة تدفّق الصراع السوري إلى البلدَين المجاورَين، لبنان والعراق، كما أضاف كلابر، والطوفان البشري المكوّن من نحو مليونَين ونصف مليون لاجئ تدفّقوا إلى الأردن، تركيا، ولبنان، ما يزعزع استقرار هذه البلدان.
جيش كوريا الشمالية
بالنسبة لوكالة الاستخبارات العسكريّة، يندرج الوضع في سوريا في إطار واحد من ثلاثة تهديدات عالميّة هي مصدر قلق خاصّ للوكالة، وهي وفق فلين:
* تهديد وقوع أسلحة الدمار الشامل بين يدَي جهات غير حكوميّة وتوالُد الأسلحة لدى دول أخرى؛
* نشوء جيوش أجنبيّة ذات قدرات تقترب من قدرات الولايات المتّحدة وحلفائها؛
* التوتّرات المتزايدة في منطقة المحيط الهادئ.
"إنّ عدم الاستقرار الحاليّ في سوريا يمثّل فرصةً مثالية بالنسبة لتنظيم القاعدة والمجموعات المرتبطة به للحصول على تلك الأسلحة أو مكوّناتها".
ففيما يسيطر نظام الرئيس بشّار الأسد على مخزون سوريا من موادّ الأسلحة الكيميائيّة، فإنّ نقل الموادّ للتخلّص منها أو أسبابًا أخرى تزيد بشكلٍ ملحوظ من خطر وقوع مكوِّنات كهذه في الأيدي الخاطئة، أوضح فلين.
"هناك أيضًا الإمكانية الواقعية جدًّا أن يتمكّن المتشددون في المعارضة السورية من اجتياح واستخدام منشآت مخزون الأسلحة الكيميائيّة والبيولوجيّة قبل التخلُّص من جميع الموادّ"، قال الجنرال.
خارج سوريا، أضاف فلين، فإنّ تكاثُر أسلحة الدمار الشامل والتقنيات المرتبطة بها هو تحدٍّ مُتزايِد.
وبين الأولويات الأخرى لوكالة الاستخبارات العسكريّة، قال فلين إنّ القوات المسلَّحة لكلٍّ من الصين وروسيا تختبر منظومات أسلحة جديدة تتحدّى التفوّق العسكري التقليدي للولايات المتّحدة، وإنّ كلتَيهما تعيدان بناء جيشَيهما وتعزّزان القيادة والتحكُّم لتُديرا بشكلٍ أفضل بيئة صراع تتحكّم فيه المعلومات.
هذه المساعي هي انحراف ملحوظ للدولتَين، وتابع الجنرال: "رغم أنّ الوقت لازم لكلٍّ منهما لدمج هذه القدرات ومباني القوّة في جيشَيهما، لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بتجاهل هذه التطوُّرات".
وفي مسألة زيادة التوتُّر في منطقة المحيط الهادئ، دعا فلين نظام كيم جونغ أون في كوريا الشمالية غير متوقَّع إلى حدٍّ بعيد، وربّما القوة الإقليمية الأكثر زعزعةً للاستقرار.
"إنّ المناطق المتنازَع عليها في بحرَي الصين الشرقي والجنوبي تبقى نقاطًا هامّة جدًّا، والإعلان في تشرين الثاني أنّ الصينيين يُنشئون منطقة تعريف بحريّة فوق أقسامٍ من بحر الصين الشرقي يثير توترات إقليمية، خصوصًا مع اليابان"، قال فلين.
وأضاف أنّ هذه التوترات "تزيد احتمالات حدوث حوادث أخرى يمكن أن تقود إلى تصعيدٍ يشمل قوّات عسكريّة".
وفي شأن سرقة العام الماضي ونشر مستندات استخباريّة تابعة لوكالة الأمن القومي من قِبل المتعاقِد السابق إدوارد سنودن، دعا كلابر ذلك الجريمةَ الأكثر ضررًا على الأرجح في التاريخ الأمريكي.
وأشار كلابر، بصفته أعلى رسمي في الاستخبارات في البلد، إلى الضرر الشديد الذي أحدثه التسريب ولا يزال يحدثه.
"الأمة أقلّ أمانًا، وشعبها أقلّ أمنًا. ما سرقه سنودن وكشفه يتخطى كثيرًا قلقه المزعوم بشأن ما دعاه برامج التجسّس الداخلية"، قال كلابر مُضيفًا: "بالنظر إلى أنّ الأمة خسرت مصادر استخبارات بالغة الأهمية".
وقال كلابر إنّ الإرهابيين والأعداء الآخَرين سيتعلمون مصادر، مناهج، ومهارات الاستخبارات الأمريكيّة.
"إنّ البصيرة التي يكتسبونها تجعل عملنا في مجتمَع الاستخبارات أصعب بكثير، ويشمل ذلك تعريض حياة ومدّخرات الذين في مجتمَع الاستخبارات للخطر، فضلًا عن أفراد قواتنا المسلحة، دبلوماسيينا، ومواطِنينا".
وأردف قائلًا: "نبدأ بملاحظة تغييرات في تصرُّف الأعداء في الاتصالات، لا سيّما الإرهابيّين".
ودعا كلابر وفلين كلًّا من سنودن وشركائه إلى إعادة ما تبقّى من الوثائق المسروقة لمنع إلحاق ضررٍ أكبر بالأمن الأمريكيّ.
"وفق حُكمي المهنيّ العسكريّ، ألحقت تسريبات السيّد سنودن ضررًا كبيرًا بوزارة الدفاع، وهي تتخطى كثيرًا عمل ما يُدعى المُبلغين".
"لا ريبَ عندي في أنّه عرّض رجال ونساء قواتنا المسلّحة للخطر"، قال الجنرال مُضيفًا: "وأنّ كشوفاته ستكلّفنا أرواحًا في المعارك المستقبليّة".
وأخبر كلابر لجنة مجلس الشيوخ أنّ التقليصات الجوهرية في الموازنة الأمريكية سوف تزيد من أثر الخسارة الناتجة عن تسريبات سنودن. "ستكون لمجتمَع الاستخبارات قدرة أقلّ على حماية أمتنا وحلفائها ممّا كانت لديه في الماضي"، وأردف: "لذلك، فنحن نواجه ذلك جماعيًّا ... مع الحقيقة المحتومة لقبول المزيد من المخاطَرة".
ودعا كلابر ذلك "حقيقة قاسية وواضحة وظرفًا على الاستخبارات أن تواجهها، وهي قادرة على ذلك، مع [الكونغرس] وأولئك الذين ندعمهم في الفرع التنفيذي".
وقال فلين إنّه رغم وجود ضغطٍ متزايد لتقليص نفقات الدفاع، "أشير إلى أنّ المطالب من استخبارات الولايات المتّحدة قد تزايدت بشكلٍ كبير جدًّا في السنوات الأخيرة، وهذه المطالب يُتوقَّع أن تزداد في السنوات القادمة".
"في حال حدثت هذه التقليصات، سيكون علينا أن نقبل بمخاطرةٍ أكبر ... [لكنّ] الاستخبارات العسكرية عليها أن تستمرّ في إبداء القدرة على توفير استخبارات في حينها في كلّ مجالات طيف التهديدات".
وقال الجنرال إنّ وكالته والكونغرس عليهما معًا أن "يواجها التوازن المرهَف جدًّا بين الحاجات الدفاعية الحيوية والصحّة المالية الطويلة الأمد لأمتنا".