وكانت الدراما التاريخية أحد مراجع الجمهور العربي لتكوين ثقافته المتعلقة بالشأن التاريخي، لا سيما التاريخ الإسلامي. فما كان يعرض من مسلسلات خلال شهر رمضان الكريم يعد مادة أساسية لتشكيل الوعي، خاصة بالنسبة لقطاع الشباب.
وشهدت القنوات التلفزيونية العربية قبل ما يقارب العشرين عاما تزاحما شديدا ومنافسة لا نظير لها على انتاج الأعمال التاريخية، لكن تزايد عدد القنوات والانفتاح الإعلامي بدلا من أن يؤديا إلى تزايد تلك الأعمال دفعا المنتجين إلى اتجاه آخر. فصارت الأعمال الدرامية تعتمد منهجا واحدا يركز على أشكال وألوان الكوميديا والتراجيديا والدراما الاجتماعية التي تنوعت في ما بينها فصارت حكايات و"حواديت" عن الفقر والجوع والعشوائيات والأكشن والجريمة.
ومنذ ذلك الحين والأعمال التاريخية تقع خارج دائرة الاهتمام إلى أن اختفت مع مضي الزمن ولم يعد يذكرها أحد.
ففي ثمانينيات القرن الماضي شهد مسلسل "محمد رسول الله" نسب مشاهدة عالية حيث ضم عدداً كبيراً من النجوم أمثال شكري سرحان وصلاح منصور وأحمد مظهر ومحمد الدفراوي وسناء منصور وغيرهم، كان لهم بالغ الأثر في توصيل الرسالة الفنية والتاريخية على أكمل وجه بشكل يفسر صحيح الإسلام، ويعطي الدلالات الكافية على سماحته ورقيه ونبذه للعنف والقسوة، فضلاً عن عرضه لجُل الأحداث والوقائع بغير لبس أو سوء فهم أو تأويل، ومن هنا تأكدت قيمته كعمل فني كبير وعظيم.
وتميزت الأعمال التاريخية الرمضانية بنماذج فنية مستوحاة من القصص التاريخية التي تطرح أفكارا ورؤى إنسانية قربت المسافة بين المشاهد والحقب التاريخية القديمة، وحققت تلك الأعمال رواجا كبيرا، غير أن متغيرات كثيرة حدثت أدت إلى تقلصها وصار الأمل في إعادة الدراما التاريخية إلى سابق عهدها مرهونا بمعطيات كثيرة لا بد من توافرها، ليس فقط الجرأة الإنتاجية، وإنما تغير المناخ الثقافي كله.