وقد زيّنت غلافَ الكتاب لوحة جميلة حاكت مضمونه، وجاء بطباعة أنيقة، اشتمل على (206) صفحات من القطع الكبير، وهو عبارة عن دراسة تمحورت حول: "متابعة ظاهرة توظيف الأسطورة العراقيّة القديمة (السّومريّة والبابليّة) لدى الشّاعر العراقيّ سعدي يوسف، في مجموعاته الشّعريّة المختلفة".
يوجّه صاحب الكتاب كلمة شكر إلى أستاذه البروفسور محمود غنايم، الإنسان والمعلّم الذي رافقه في بحثه هذا، بأناة وصبر وحكمة، متمنّيًا له دوام الحضور.
ضمّ الكتاب مقدّمة وخمسة فصول، عالج فيها الباحث الدّكتور نعامنة مسألة: "المبنى واللّغة، الفكرة والمضمون" في شعر سعدي يوسف، وتماهي عدد من مجموعاته الشّعريّة مع الأسطورة العراقيّة القديمة، وقد سيّرها في عدّة فرضيّات، منها: "فرضيّة العلاقة المباشرة بين الأسطورة والاغتراب": "حيث ترى هذه الفرضيّة أنّ الشّاعر العراقيّ سعدي يوسف، يعبّر عن واقع الاغتراب الذي يعيشه، عبر توظيفه الأسطورة العراقيّة القديمة، التي ترمز للوطن القديم (العراق)".
أما "فرضيّة العلاقة المباشرة بين الأسطورة والالتزام"، فقد ركّز فيها الباحث على أن: "الأسطورة العراقيّة القديمة كانت وسيلة فعّالة لسعدي يوسف، ليعبّر من خلالها عن التزامه القوميّ – الوطنيّ"، مضيفًا بأنّ الأسطورة عند هذا الشّاعر تعبّر عن الوطن القديم والجديد (العراق) وما يعيشه من واقع صعب. مشيرًا إلى شيوع الالتزام في الأدب العربيّ منذ النّصف الأوّل من القرن الماضي، منعكسًا في مظاهر مختلفة: منها: فكريّة – ايدلوجية، تميّزت دائمًا بالإدراك بأنّ على الأدب أن يعي الواقع ويشارك في تكوينه.
توقّف الباحث في معالجته لفرضيّات الأسطورة في شعر سعدي يوسف، عند فرضيّة رآها غاية في الأهميّة، وهي وجود أسطورة مميّزة يوظّفها الشاعر في شعره: "وهذه الأسطورة، وبخلاف الأنواع التّقليديّة التي صنّفها النّقاد والعلماء الميثولوجيّون للأسطورة (وهي أسطورة الطّقس، أسطورة البعث، أسطورة العبادة، أسطورة الأصل)، تتحدّث عن عقدة نفسيّة عاشها بطل الأسطورة القديمة، وهو يبحث عن أسئلة الموت الأولى في العالم القديم". مبيّنًا بأننا نستطيع حصر هذه الأسطورة، بأسطورة "جلجامش" التي استفاد منها الشاعر، سعدي يوسف في شعره، ليعبّر عن المشابهة بين عقدة "جلجامش" في الأسطورة، وبين العقدة التي يعيشها هو نفسه بتماثله مع هذه الأسطورة المميّزة.
كما توسّعت الدّراسة في معالجة النّظريّات المختلفة للأسطورة بناءً على طروحات النّقاد الميثولوجيّين / الأنثروبولوجيّين. وكيف ساهمت هذه الطّروحات في فهم مادّة الأسطورة للشعر العربيّ المعاصر عمومًا، وقصيدة سعدي يوسف على وجه الخصوص.
تجدر الإشارة بأن "هذه الدّراسة بيّنت العلاقة المتينة بين الشّعر والأسطورة من حيث توظيفها لتحقيق معانٍ "ميتاشعريّة"، "يعبّر الشّاعر من خلالها عن تجربته" الحياتيّة والشعريّة، "وعن هموم الشّعر والكتابة، وعلاقة ذلك بهموم المجتمع".