عَزْفٌ مُنْفَرِد.. في البَرَاري
القول الأَخير.. في كلامٍ لا مُتَناهٍ
(صَدى الصَّمت.. في مُواجَهَة صَدَأ الكلام)
· تمهيد/ مفتاح القصيد:
قد تكون المُقدِّمات غالبًا عِبْئًا على النصّ، لكنّ الرّياح هي مقدِّمات طبيعية وعُضْوِيَّة وحَيَوِية للعواصف والأعاصير، وما هذا التمهيد سِوى الرّياح الضَّرورية للنصّ،ومفتاح القَصيد.. وهذه "المادَّة" هي القول الأخير في الكلامِ اللامُتناهي، من فكرة ومشروع، لا يَدَّعِيان الكمال والاكتمال، لأَنهما صَيْرورة لا نهائية،ويَحْتمِلانالاستكمال.. وهذا "القول" هو صَدى صمتي وصوت كلامي، في مواجَهَة صَدَأ الكَلام، كعازفٍ منفرِد في البَراري، يحاول توسيع المُمْكِن لتضييق المُستحيل، وتَمْكين المُحْتَمَل نحو التَّجَسُّد، في ظِلِّ ظُلمَة تَتَراءى الأشياء فيها ضَبابية، لاوُجوه لها ولا مَلامح.. وقد يكون ما أكتبه وأَحياه ذاتيًا، لكنه ليس شخصيًا، وليس جماعيًا قَطْعًا، لذلك فإنني أكتب رسائلي ووصايايمُحاوِلًا تحرير مَنْ يريد ويُدرِك ويستطيع أَن يَمْتطي صَهْوَة الحياة، بإقدامٍ وتدفُّق، لا بخنوع وسُكون الأموات..
إنَّها "كلمات" كُتِبَتْ بدموع العقل، وسُبِكَتْ ككتابات من نَزيف الحُزن الفكريّ، لهذا فإنها تبدو مُتشائِمَة، لكنها تَنْضَح بالكُفرِ التفاؤليّ.. ولأنها كذلك، فقد غَدَت هذه "المادَّة"، بكلِّيتها وشُموليتها واِنْسِجامها، محاوَلة للكُفرِ بما يبدو مَوْجودًا، ودعوة للاعتقاد بما يُمْكِن أن يُوجَدَ..
ومهما بَدا فيما بين بعض هذه الأفكار، وغيرها، من تطابُقٍ او تشابه أو تعارض أو تناقض أو تكرار، في الشكل، إلاَّ أنها مُتكاملة ومُتناسِقة في حركتها وموسيقاها الداخلية، في الجوهرِ..
ويتدفَّق هذا الايقاع كمعنى في مُواجَهَة المَجاز، وكمجازٍ في خِدمة المعنى، برُوحيَّة الفِدائيّ الذي لا يخشى الموت..
وكلُّ ما أُريده أَن أرى وأَحيا أَبعد وأَعمق وأَرفع، حتى في مَعْقلِ وعُقر "بيت الموت"، لهذا تَراني أَقرب من كلِّ ما يبدو بعيدًا، وأَبعد من جُلِّ ما يبدو قريبًا.. فأَنا لستُ حالة بَشرية، إِنما مُحاولة إنسانية، احتملتْ الصَّواب حتى الخَطأ، وتَحمَّلتْ الخَطْأ في سبيل الصَّواب، نحو استبطان واستيلاد الأفكار أكثر من استيرادها، كوقودٍ لتوهُّج الحياة والارتقاء فيها وبها..!؟
فهي إذَن،مُقدِّمة لترطيب "المادة" قُبَيْل الوُلوج إليها وفيها..ولم يتبق لي في هذه الحياة، بعد أن أشْبَعْتُها وأَشبعتني حَدّ الثَّمَالة، إلاَّ أن أَنْظُمَ معنى وطُقوس رَحيلي.. وبما أن القول لا يتوقَّف حتى عندما يتوقَّف الكلام، فلننثُر، الآن ومَعًا، رَذاذًا جديدًا ومُتجدِّدًا من الأَفكارِ في شَذَرَات، كرسائل مفتوحة على كلِّ الاحتمالات..
كُلّما اتّسعتْ معرفتُكَ وازدادتْ حِكمتكَ قلَّ كلامكَ وازداد قولكَ..
ما نعتقد أننا نعرفه مُجرّد ظِلال شَظايا مَعْرِفية في فُسَيْفِساء المعرفة..
قد تبقى بدون القِراءَة،لكنكَ لن تكون بدونها..
القراءَة التي لا تُرْهِق عقل القارئ، قد تُفْضي الى تراكم كميّ لكنها لا تُفضي الى تراكم نوعيّ..
عندما تكون العلاقة بين الكاتب وبين القارئ علاقة فردانية مُتبادَلة، ومُتحرِّرَة من أَيّ "فكرة مُسْبَقة"،يمكن عندها أن يتجلّى سِحْر العلاقة بين الكتابة والقراءة..
اذا لم تُساهم القراءَة في إعْمال العقل، بل وفي تحرير العقل ذاته من قُيودهِ،فهي لا تَسْتَحِق..
القراءَة الحقيقية، كشربِ النَّبيذ والعملية الجنسية، لا يُمْكِن أنْ تكتمل إلَّا باسْتخدام الحواسّ كلّها..
لا تَكُن قَنوعًا، لا في المعرفةِ والعِلمِ ولا في الحُبِّ والحُلمِ..
عندما تقراْ أكثر وتُفكِّر أكثر وتفهم أكثر وتعي أكثر وتُدْرِك اكثر، عندها قد تنظر أبعد وترى أعمق، بالبصرِ والبَصيرة، وتحيا أَجمل، وإنْ بصعوبة أكبر..
ما أقلّ الكُتّاب الذين يُشْعِرونَكَ، وأنتَ تقرأهم،"أنَك صغير حين تكتب وكبير حين تقرأ"..
اللُّغة هي الحدّ الأدنى من القدرة على التعبير عن عَجْزِكَ في أن تقولَ شيئًا..
تُسْتَخدَم اللغة أَحيانًا كوسيلة للتّحايُلِ على العقل والفكر والحقيقة..
العقل العلمي يقتضي مواصَلَة التساؤُل واستعراض الشُّكوك وعرض الاحتمالات، مهما بَلغتْ دِقَّة الإجابات..
خمسة أَبعاد، وليست أَربعة، للمادَّةِ والأجسام في الحياة والطبيعة، الطول والعرض والعمق (الإرتفاع) والزَّمن و.. الماهِيَّة..
عندما تُصبح الجامعات مصانع لإنتاج "المِهَنِ"، يغدو العلم سَجينًابلا سِجن..
لا بُدّ من كسر الحصار عن العلم، بعدما حُوصِر في تخصُّصاته وَحُسِر في مهنته، نحو إعادة تحرير العلم وإطلاقه كنهج تفكير وسلوك وحياة..
أكثر المدارس إنتاجًا للطلاب المُتميِّزين هي مدرسة الشَّقاء والتَّثقيف الذاتي..
الكِتاب الحقيقي هو القادر على توسيع حَيِّز الزمان والمكان، أثناء قراءَته..
الأَفكار الحَيَّة هي الأفكار التي لا تنطفِئ ولا تخبو، مهما غُيِّبَتْ، اذا ما اعتمدتْ في حركتها وحَيَوِيّتها على قُوّة الدفع العلمي والفكري والذاتيّ..
لايُمكِن مُحاصَرة الأفكار القادرة على التَّحليق، بقوّة الدفع الذاتي، مهما أُحْكِمَ الحصار عليها وحولها..
الجهل والضعف والخوف بمثابة الثالوث الفيروسيّ المُسَبِّب لشلل العقل والإرادَة..
رأْس المال الحقيقي يكمُن فيما يملكه الإنسان من عقلٍ وإدراكٍ وإرادَة..
لا توجد مَرْجعيِة واحدة ونهائيَّة للفكر الحيّ، إلاَّ إذا كان "الفكر" إيمانيًا وعَقائديًا وأُحاديًا..
الحِكمة هي مَلْجأ العاقل من مَحْدوديّة العقل..
الحكمة الحقيقية كالمرأة الطبيعية، قد تُلاقِح معظم الأفكار والجُنود، لكنها تُحبّ دائمًا الإقدام والفُرسان في الوُجود..
عندما يُسْتَخْدَم العقل لتبرير العجز والهَزيمة، يغدو الإنسان خاليًا من أَيِّ قيمة..
في المعركة على الوعيّ، فإن استعمار المعرفة ووسائل إنتاجها أّشدّ خطورة من استعمار الأرض ومَنتوجاتها..
يَباب الوَعْي أشدّ خُطورة من يباب الأرض..
الحقيقة موجودة في كلِّ شيء، في القُبحِ كما في الجمالِ، في الشرّ كما في الخير، في الخَطأ كما في الصَّواب، في السّيء كما في الجيّد، في الجبال كما في السُّهول.. الحقيقة موجودة في الموت كما في الحياة..
مهما حَلَّقت الأفكار بأجنحتِها عاليًا وعاموديًا، لكنها تبقى أَقلّ من سُرعة انتشار الشِّعر والأدب في التمدُّدِ أُفقيًا..
قد تكون حركة الأفكار كسرعة الفيل، وحركة الأشعار كسرعة الغزال، لكن سرعة الفيل تبقى أكثر رُسوخًا وإقدامًا من سرعة الغزال..
حين يغدو "الذّكاء" أداة لتبرير العجزِ والانتهازية يصير الإنسان بِلا قامة ولا قِيَمِيَّة..
الثقافة التي تدعو الى الطَّاعة لا تُنْشِئ سوى عَبيد وَوَضَاعَة..
أيَّة "ثقافة" تلك التي لا يقرأ فيها حتى "المثقّفون"..؟ّ!
مُجْرِمو الثقافة أَشدّ خُطورة من مُجْرمي الحرب والسياسة..
ليست وظيفة المثقَّف أَن يُحَرِّر المظلومين والبُؤساء، إنما أن يُشيرلهم نحو مَسارات التحرُّر والحرّية بِلا حَياء..
موقف "المثقَّف العُضويّ" غير كافٍ لبلوغ المثقَّف الجرّاح، إذا لم يمتلك القُدرة على المواجَهَة في سبيل التغيير والارتقاء، والشجاعة في استعداده لدفع ثمن الاستثناء..
المثقَّف الجرَّاح هو المُدْرِك للواقع المَوْضوعي والقادر على التفاعل معه عُضويًا، من خلال نقده ونقضه ومقاومته وتجاوزه ورسم ملامح واقع أَرقى، بأدوات واقعية وعلمية وحياتية، مهما كان الثمن الذاتي والشخصي في سبيل ذلك..
ليست وظيفة الفلسفة في أَن تُركِّب ما هو بَسيط، بل في أن تُبَسِّط ما يبدو مُرَكَّبًا،وإنْ كان ذلك بعقلية ولغة وأَدوات مُركَّبَة..
جُلّ الدَفَقات التاريخية الكُبرى والاستثنائية، في الحالة الإنسانية والكَوْنية، في الأفكار والأَفعال والإبداع، إنما كانت في جوهرها ناقِدَة ونَقيضة لعصرها وزمانها وبيئتها..
الفنون لا تُهَذِّب النفوس والعقول ولا تُقَوِّضها، بل تَشْحَذها وتُحَرِّرها وتُطلِقها..
يُولَد الفَنّ، أَحيانًا، بين القُبور وفيها، لا ليتماهى مع الموت بل ليرثيه..
الفنون الحقيقية، بكلّ حقولها وروافدها وألوانها، ليست مِرآة لواقع أو زَمان أَو مكان، إنما هي استبطان واستنباط لجمال المعنى ومعنى الجَمال، من خارج ما يَتراءى للعَيان..
بين السَّخافة والسياسة أَختار السياسة، وبين السياسة والآداب أختار الآداب، وبين الأدب والفكر أختار الفكر، وبين الفكرِ والفنون أختار الفنون، وفي داخل غابة الفنون أقِف مُنْتَصِبًابخشوعٍ أمام أشجار الموسيقى..
الموسيقى هي أنْجَع وأرفع محاولة إنسانية لقهر العدم والموت..
الموسيقى هي يَقين الحائر وحيرة اليَقين..الموسيقى هي يَقين القَلَق وقَلَق اليَقين..
يكفي أن تكون الموسيقى ليكون ثَمَّة سَبَبٌ كافٍ للحياة..
الموسيقى سبب كافٍ لِأنْ تحيا الحياة وَتقْهَر العَدَم..
كَسْرُ الإيقاع،بين الأحايين، ضَرورَة موسيقية وحياتية، عند الاستثنائيين..
ثَمَّة مُثقّفون، كما السياسيون، يَحْتَمون بمواقعهم لا بمواقفهم..
لا يمكن للمثقَّف الحقيقيّ أن يكون قائدًا سياسيًا شعبيًا، ولا يمكن للسياسي الشعبي أن يكون مُثقَّفًا حقيقيًا..
التقدميَّة حالة أرفع وأرقى من الديموقراطية، لأن الأولى قد تشمل الثانية، لكن الثانية لا تشمل الأُولى بالضَّرورة..
الديمقراطية، في حقيقتها وجوهرها، تهدِف الى تحرير الاقتصاد والأسْواق، والى استعباد الإنسان الفرد والمُتفَرِّد، النبيل والمُتفَوِّق..
كلّ ثُوريّ حقيقيّ هو وطني وتقدميّ بالضَّرورة، لكن ليس كل وطني هو ثوريّ وتقدميّ بالسَّيْرورة..
شرطان أساسيّان للثوريّ الحقيقي:
أن يكون تقدميًّا مُدْرِكًا وأن يكون حُرًّا مُستقلًا..
من الشروط الأساسية للثوريّ الحقيقيّ: الإدراك والإرادة والصدق والشجاعة..
معظم الناس يتمسَّكون بمواقفهم السياسية كأنها أيديولوجيا، وثمَّة مَنْ يتعامَلون مع الأيديولوجيا كعقيدة إيمانية دينية.. حتى باتت الأيديولوجيا مُجرّد أفكار دوغمائية مُعَلَّبَة ومُسَلَّم بها، تُعيق أكثر مما تُنْتِج وتُطْلِق..
المقاومة الحقيقية لا تحتاج الى إجماع ولا تنتظر شَرْعيَّة من أحد، لأنها في الحقيقة حركة قِلَّة قادرة أمام أكثرية عاجزة.. إن المقاومة فِعْل الأحرار أمام سُكون العَبيد،
وحُضور الأحياء مُقابل غِياب الأموات..
المقاومة لا تنتظر بيئة حاضِنة،إنما تصنعها..
الدّيانات هي عَقَبة كأْداء في سبيل معرفة "حقيقة الربّ" و "الرَّب الحقيقي"..
"الديانات" مِنْ أكثر ما أساءَ لاحتمال "الله"..
لم تَعُد الديانات خَلاصًا إنسانيًا، فرديًا وجماعيًا، كما بَدا في مرحلة تاريخية، بل غَدَت مُعيقًا أساسيًا في عملية نمو وارتقاء الإنسانية..
الإيمان بالربّ "السّائد" يعني التزام بالميتافيزيقا الماوَرائية، ونَفي للحياة وقِيَمِها واستحقاقاتها الأرضية..
"الله" فكرة مُطْلَقَة ونهائية عند المؤمن، لكنه فكرة نِسبيَّة ومُتحرِّكة عند المُلحِد..
إنَّ الخَلاص مِنَ "الإلهيّ" هو المقدِّمة الاُولى للخَلاص الإنسانيّ..
العَلمانية المُشَوَّهة أساءَت للإلحاد والملحِدين أكثر مِنَ الدّين..
لا تتحقَّق العَلمانية ولا العِلمانية، كبيئة حاضِنَة للجميع، بدون وجود الإلحاد والملحِدين، كشرط مُؤسِّس وضَروريّ..
الإلحاد لا يحتاج الى تبشير ومُبَشِّرين، ولا يسعى نحو كَمٍّ من التَّابِعين البَشَريّين..
المُلحِد يواجِه الحاضر من أجل المستقبل وماهيَّته، والمُؤمِن يُواجِه الحاضر من أجل الماضي ومُسْتنقَعاته..
الإنسان كتلة من الخَطأ، لكن نسبة الخَطأ عند الملحِد أقلّ من نسبة الصَّواب عند المُؤمِن..
" الله" كفكرة مُطْلقَة، هي حالة دُعاء يَتوق المُؤمِن اليها كتابعٍ، ويسعى الإنسان الطبيعي اليها كحرٍّ.. فهل هو "الله" نفسه..؟!
يبدو أن "الله" يُحِبّ العبيد والأموات، في حين أن الحياة تعشق الأحرار والأحياء..
إنّ حقيقة المعركة بين الدينيّ واللادينيّ إنما هي في جوهرها حول طبيعة وماهيَّة الحاضر والمستقبل ودور الإنسان فيهما..
الإلحاد لا يعني العدم في الدُنيا، بينما الإيمان الديني يُمَثِّل عَدَمًا تجاه الحياة الدنيا..
يُمثِّل الإلحاد حالة نموّ وارتقاء طبيعيَيْن في الحياة الدُّنيا..
لا يَدَّعي الملحد الحقيقة المُطْلقَة والنهائية، لكن المُؤمن يعتقد ذلك، بل يعتقد أنه يملكها..
الإلحاد يُواجِه، بينما الدّين يُوارِب..
الإلحاد لا "يُحَرِّم" الدين والمتديّنين والآخرين، بينما الدين يُعادي الإلحاد والملحِدين، بل وكلّ المختلِفين..
"الله" فِكرة إيمانية، والدِّيانات مَنظومة قِيَمِية "أخلاقية" تخلو من الشّكّ، وتُعادي العقل وتَسْتَبْعِد قِيَم الحياة وأهْداب الحقيقة والصَّيْروَرة..
في حين يتناقض الدين مع العلم في جوهره، فإن الإلحاد يعتمِد عليه في رؤْيته..
الإلحاد كفكرٍعِلميّ، وسلوك دُنْيَوِيّ لا دينيّ، وكمسار حياة لا موت، نحو الكَيْنونَة داخل التاريخ الحيّ، إنما هو مَشروع خَلاصٍ فرديّ فجَماعيّ، وطنيّ فكَوْنيّ..
الإيمان، كُلّ إيمان، يتناقَض مع إعمال العقل والتفكُّر..
كُلّ عَقيدة أُحاديّة وتّوْحيدية لا تَخلو من إكْراهٍ وإقصائيَّة..
العقائديون لا يُفَكِّرون بل يَعْتنِقون ويُؤمِنون..
جُلّ المَوْروث، بما يحمله من انتماءات ومُعْتَقَدات وهُويِّات، بمثابة مُعْتَقلات مُقَيِّدَة لا مُحَرِّرَة، في الحياةونحوها..
الانتماء بالمَوْروث، كقيمة، يَقودكَ الى فقدان البَصَرِ والبَصيرة، ويجعلكَ رهينة العَصَبيّة والقَبيلة..
لا تبحث عن ذاتِكَ وتُحاصِرها بهُوِيّة وانتماء، إنما بَلوِرها وحَرِّرها وواصلالارتقاء..
في مَسيرة الارتقاء نحو الاكتمال تَشْعُر أنَّكَ في حاجة أكثر الى ما هو أقَلّ..
الإصْغاء شكلٌ من أشكال القِراءَة، لكن ليس كل ما يُسْمَع يَسْتَحِق الإصْغاء إليه..
نحتاج الى الكثير مِنَ الجنون والموت لكي نَحيا أفضل وأكثر..
لا تَسْتَنْهِض الأموات لأنَّهم سيقضُّون مَضاجِع الأحياء، فلا تَرْفَع تَعاليم الحياة في وجه مُعْتَنِقي الموت..
لا تحتاج الطبيعة والحياة الى عَواصِف عاتية لتُعَرِّينا بالكامل، فيكفي لهذه المَهَمَّة نَسْمَة عَليلة..
كُلُّ حَديقة أوْسَع من حَيِّزها ومساحتها، وأصغَر حديقة أوسع من أكبر صحراء..
البيت الحقيقي، كما الوطن، هو ما يَسْكنكَ لا ما تَسْكُن فيه..
عندما تكون في البيت ولا تشعُر أنَّكَ بالبيت، عندها عليكَ أن تُعيد تَصْويب معنى المكان..
الجَسَد هو مكان السَّكن الطبيعيّ والهام، لكنه قابل للاعْتِلال أو الانهيار، فلا تَعتمِد عليه بالكاملِ، ولا تجعل من الجسد مَسْكَنًا نهائيًا لكَ، لأن الحياة أبْعد وأوسع وأقوى من هذا المَسْكن..
الإعاقات تغدو مُحَفِّزات عند أصحاب الإرادات..
الثالوث الدَّنِس، في ثقافة الحياة، هو: الجهل والضَّعف والخَوْف..
إذا ما أقْبَلتَ على الحياة فلا تنْسَى السَّوط..
الخَيارات قضية إرادات وليست مَسْأَلَة اختيارات..
اجعلْ من نقاط ضعفك نقاط قوّتكَ، في كلّ مُواجَهة..
الضَّعف لا يُميِّز بين جاهل وعالمٍ، لا سيّما عندما يبحثان عن "الرّاحةِ" في اليَقين..
الوَقاحة لا تعني جُرأة بالضّرورَة، لأنها قد تَنمّ عن ضعف وَضِعَة..
إنّ الذين يعيشون ويُراوِحون في الماضي لا يَلجِون المستقبل..
إنّ الذين يَسْتَقيلون من الحاضر يُقيلهم المستَقبل..
المُراوَحة حتى في الحاضر، كما المراوحة في الماضي، بمثابة استقالة من المستقبل..
مَنْ لَمْ يقرأ الماضي، قراءَة حقيقية علمية ونقدية، فهو حَتمًا مُستقيل، بل مُقال، من المستقبل..
كما يَتَمايز الأفراد فيما بينهم، كذلك تَتَمايَز الأعراق والثقافات فيما بينها.. لكن المسألة كانت وما زالت وستبقى، مَسْألة تمايُز بين الأفراد..
الأسْياد هم مَنْ يَمْتَطون صَهْوَة الإرادة والإدراك والشجاعة والإقدام والشَّرف النبيل، في سبيل الحياة، ويبحثون عن نِدٍّ كُفْء يواصلون معه معركة الحياة الأرقى.. أمّا العبيد فهم مَنْ يتلذَّذون بالجهل والضَّعف والاسْتِكانة والخوف والخُنوع، في سبيل موت هادئ وهانِئ..
وتتساءَلون: ما الفارق بين أخلاق الأسْياد وأخلاق العبيد..؟!
لا يُقاس الأسْياد بما يملكون، بل بما يعرفون ويستطيعون..
السَّادَة يُحِبُّون السَّادَة، مهما اختلفتْ أشكال الطُقوس والعِبادَة..
التَّمايُز بين الأفراد أقرب الى قوانين الطبيعة والحياة من التَّمييز بين الأعْراق..
يحتاج الإنسان العاديّ، عادةً، الى بيئة حاضِنَة، لكن المُتميِّز والاستثنائيّ لا يحتاج ولا ينتظِر أي بيئة حاضِنَة..
سُؤال استنكاريّ واستنباطيّ مَفتوح: لماذا يسعى الإنسان العاديّ الى الجَماعة والكلام والضجيج، وبأيِّ ثَمن؟! ولماذا يخشى الوحدة والفَردانية والهُدوء..؟!
باتت وُجوه معظم الناس مُتشابِهَة وحالِكَة جِدًا، لتشابُه أقْنِعَتهم، وإنْ اختلفتْ أشكالهم..
ماذا يعني أن تنظرَ الى الأشياءِ والوُجوه، ولا تَرى سِوى الأقْنِعَة المُتَشابِهَة..؟!
إن طرح مفهوم "ما بعد الأيديولوجيا" ما هو إلاَّ عملية تضليل وصِناعة الوهم، في ظِلِّسَطْوَة الأيديولوجيا الدينية الإيمانية- (الثيولوجيا)..
الأيديولوجيا غدتْ مُسْتنقعًا عَقائِديًا، تَنْبُت على جانبيه الطُفَيْليّات والطُفَيْليّون..
الشَّجاعة أمّ صِفات الشَّرَف ومصدرها الأساس.. فلا تخشى الشُّجاع وثِقْ به، حتى لو كان خَصْمًا أو عَدُوًّا، ولا تَثِق بالجَبِانِ واحذر منه، حتى لو كان قريبًا أو صَديقًا..
الشُّجاع لا يكذب إلاَّ نادِرًا،بينما الجبان لا يَصدق إلاّ نادِرًا..
الشجاعة مصدر كُلّ أخلاق وقِيَم الإنسان النبيل، في علاقتِهِ مع الحياة والمُستحيل..
إن الثمن الذي يدفعه الشُّجاع، سيّما في المراحل الاولى لانطلاق شَجاعته، أَقَلّ بكثير من الثمن الذي يدفعه الجَبان، على مَدار كلّ مراحل حياته..
مَنْ يَبْدَأ كجبانٍ ينتهي كجبان..
مَنْ يعيش جبانًا يموت مَهْزومًا، ومَنْ يحيا شجاعًا يموت إقْدامًا..
الشَّجاعة والحرية والاستقلالية شُروط أساسية ومُؤسِّسَة من شروط المفكِّر الحقيقي..
يموت الجميع، لكن لا يحيا الجميع..
ثَمَّة مَنْ يَحتفِل بالموتِ وطُقوسه، أكثر مما يَحْتَفي بالحياة وَوَهْجِها..
العملية الجِنسية ليست مُجَرَّد اتصال، بل تَواصُل واكتمال..
تحتاج العملية الجِنسية الى رَغْبَة دافِقة أكثر مما تحتاج الى الحُبّ..!!
الحُبّ المُبْتَذَل هو ما يُمَيِّز طبيعة وحقيقة معظم العلاقات، بين الرجال والنساء، في الحالة البَشَريّة..
في الحُبِّ، كما في الحربِ، يُحْسَم كلّ شيء بالشَّجاعة..
إذا لم يكن الحبّ مُتدفِّقًا ويخلو من التراجيديا يفقد عندها مُبَرِّر وجوده..
إنْ لم يكن الإشباع الجِنسيّ أحد أهم أركان الحُبّ،في العلاقةِ بين الرجل والمرأة، فسيكون بالضرورة، في حالة غِيابه، أحد أهم أسباب ودوافع النُّفور بينهما..
ثمَّة شعوب وثقافات لا تُمَيِّز بين الجّنسِ وبين الدَّعارَةِ..
حين يغدو الماضي عِبْئًا على الحاضرِ، يدعوكَ المستقبل لتحريرِهِ بالفَأْس..
الحروب والصِّراعات الدموية والأمراض والكَوارث الطبيعية هي التي أنقذتْ الإنسانية من الانفجارات السُّكانية ومن عَبَث الحالة البَشَريّة..
الكلاب هي من أكثر الكائنات الحيَّة على الأرضِ انحِطاطًا، لأنها الأكثر طاعةً ووفاءً وإخلاصًا مُطْلَقًا وتَبَعِيَّةً لأسْيادِها..!؟
الحياة أقْصَر مما تُحيا وأطوَل مما تُعاش..
الوِلادَة والموت مُتَماثِلان، مِنْ حيث أنهما حُدود زَمنية للوجود الإنساني الفَرديّ..
كُلّمَا تقترب من الأرض أكثر تشعر أن السَّماءَ إليكَ أقرب..
ليس البُؤس في أن تُولَد بائِسًا، بل في أن تبقى بائِسًا..
شَتَّان ما بين سُرعة الإقْدام وبين سرعة الانهِزام..
شَتَّان ما بين أن تكون وبين أنْ تبقى..
كُلَّما ازدَدْتَ اعتدالًا وتَسْوِيَةً ازدَدْت مُساوَمَةً..
كلَّما تَمَدَّدَتْ مُساوَمتك اضمَحلَّتْ مقاوَمتكَ..
لا يُوَلِّد الخُضوع إلاَّ مَزيدًا مِنَ الضِّعَةِ والخُنوع..
لا تَخشى الانفجار ولا الدَّمار، فقد يكونا المُقَدِّمَة الأُولى لإعادة الإعْمار..
كُلَّما حَفَرْتَ عَميقًا في الجَوْهَرِ تَراجَع اهتمامُكَ جِدّيًا في المَظهَرِ..
كلّ ما ومَنْ يقلّ استَعماله ويُهْمَل يقلّ إعْماله ويُجْهَل..
الحِصار الذي لا يُغَيِّبكَ يزيدكَ حُضورًا..
الحصار الذي لا يُطْفِئُكَ يزيدكَ تَوَهُّجًا..
كُلَّما ضاق الحصار اتَّسَعتْ الآفاق..
في مُواجَهَة الحصار ينبغي التحرُّك الى الأعلى..
ما دام المنفى هو مَصير الحُرِّ، فانتقِ مَنْفَاكَ قبل أن ينتقيكَ هو..
الحُرُّ هو مَنْ يَنْتَقي مَنْفاه، لا ليُراوِح فيه بل ليتحرَّر منه..
كافرٌ مَنْ "يَحجّ" للحياة وفيها بِغَيْرِ سِلاح..
جائزة أن تَحيا كما تُفكِّر وتمارس الحياة كما تُريد، أرقى وأرفع من أيّ جائزة أُخرى، لأنها نِتاج الإرادة الذَّاتية الحُرَّة..
العَظَمَة، كاللِّذةِ والمُتْعَةِ، لا يمكن أن تَتَحَقَّق بدون ألَم..
نَصَائح في قَضايا "السَّيْر":
سِرْ في المَمْنوع وادخُل حيث ممنوع الدخول، وَقِف في المكان الممنوع.. إنها وَصَايا للأحياء في مَسار المشروع..
الوطن: لا ما تسكن فيه، إنما ما يَسْكنكَ..
الشُّهْرَة: عُقوبة السِّجن الأبَديّ للإنسان،في سِجنٍ أصْفاده من " ذَهَب"..
مِن أبْأس ما في التكنولوجيا هو الإنسان البَشَريّ..
المُغامِرون هممَنْ يَمْتَطون ناصِية الحياة والمعنى، لا الموت والعَدَم..
كلّ ما لا يُعْمَل بِشَغَف ويُنْجَز بشَغَف فهو عابِر..
كُلَّما اتَّسعَ المُمْكِن ضَاقَ المُستحيل..
لا يُمْكِن للمستحيل أنْ يَضْمَحِلَّ ويَضيق إلاَّ من خلال توسيع المُمْكِن، فالممكِن هو كلمة السرّ..
ازرع الممكِن في أرض المُحْتَمَل لتحصده في أرضِ المستحيل..
الشَّفَقَةَ هي نظرة الضَّعيف والعاجِز لذاته..
نحتاج أحيانًا الى الهامِشيّ كي نُعَزِّز الجَوْهريّ..
يُمكنكَ أنْ تَرى في الواقع أكثر مما يُتيح لكَ الواقع أنْ تَراه..
نَصيحة عامَّة: إيَّاكَ أن تكونَ حَمامة أو يَمامَة..
ما تملكه من إرادة وحُرِّية نحو الحياة وفيها، أرقى وأهممما تملكه من مال..
جَوْدَة الحياة لا تُخْتَزَل بما تملكه، بل بما تعرفه وتستطيع القيام به..
رَدًّا على كونفوشيوس: أنا لستُ حَزينًا لِأنَّ الناس لا " تعرفني"، ولكنني حزين لأنني " أعرفهم"..!؟
رَدًّا على الجاحظِ: صحيح " أن الأفكار والمعاني مُلْقاة على قارِعَة الطريق"، لكن كَمْ ومَنْ هم الذين يَرونهافيَقطِفونها ويُطلِقونها..؟!
الحياة هي القُدْرَة على التحرُّكِ لَوْلَبِيًّا، بين الجِدية والسُّخْرِية..
النقصان: هو تَمَلمُل الكَمال من عدم الاكتمال..
يُمكنكَ الهُروب من الماضي، لكن لا يمكنكَ الهُروب من الحاضر والمستقبل..
مَنْ يُراوِح في أي شيء وبأي شيء يُسْتَنْقَع في كُلِّ شيء..
ليس ثَمَّة مصدر واحد للخير، ولا مصدر واحد للشرِّ..
بما أنَّ الطبيعة هي مَصْدر الشَّريعة والتشريع، فتأمَّل الحيوانات المَنَوِيَّة، كيف تَنْطَلِق بالملايين، وبِتَكافُؤ الفُرَص، نحو بُوَيْضَة التَّخصيب والحياة، وينجح أحدُها أو بعضها، من القِلَّة، في الوصول لتجديد الحياة وتجدُّدِها.. فاسْتنبِط من هذا المشهد أحد أهم أسرار ومعاني وشرائع وقوانين الحياة..!؟
· ذاتيَّات واعترافات:
- أبْقَيْتُ على إسمي من مَوْروثي لأنَّه يحمل نَقيضي، في شكله وجَوْهرِه، وبين النَّقائض والأضداد تتحرَّك الحياة..
- إن الخلود "الماديّ" ما عاد يُؤْرِقني، لكنّ الخلود المَاهِيّ ما زال يُقْلِقني..
- لا يزعجني أن ينقصني المال، لكن ما يزعجني أن ينقصني الوقت لمُحاكاة " زمن الحياة"..
- من أبْرّز أخطائي "الإراديّة" في الحياة هو ارتكاب خطيئة الزَّواج، وزَواجي من المرأة الخَطأ.. فتحمَّلتُ وأتحمّل كامل المسؤولية، لوحدي، على خَياراتي في ممارسة الخَطايا،واُواجهها وأتحمّل نتائجها وأتجاوَزها، على الرغم من كونها تراجيديا إستنزافيَّةسِيزيفية فردانية..
- أنا حيوان بَعْليّ طبيعيّ، أَحْيا يَتيمًا في المَجاز والمعنى، وكُلّما ابتعدتُ عن الذات الأدنى اقتربتُ من الموضوع الأرقى..
" كُلٌّ على قَدْرِ الزَّيتِ فيه يُضَاءُ"..
إن معركة الوُجود في ماهيّتها، هي معركة بين يقين الموت وشُكوك الحياة..
الحَيّ هو مِنْ يُجَرِّد الموت مما يُمَيِّزه، ومن أهم خَصائصه، وينزع منه وعنه عُنصر المفاجَئَة..
قد يكون الموت تَصْفيرًا للمعنى، وقد يكون تصْفيرًا للعدمِ، وفي الحالتين فهو مَساحة التقاطع بين المعنى والعدمِ..
الموت ما هو إلاَّ امتحانًا لقدرة الحياة على الاستمرار والارتقاء..
عَظَمَة الحياة في مُلخَّصِها هي عَدم الإحساس بالموت..
الجليل/ تشرين الثاني- نوفمبر- 2016
· من خارج نُصوص كتاب :" بيان الفِرْدَوْس المُحْتَمَل "
· نَمْنَمات نُصوص من الكتاب القادم :" بيان الفِرْدَوْس المُمْكِن"