تخيل أن تعود إلى المنزل لتجد الكعك الطازج خارجاً للتو من الفرن، وتغريك رائحته اللذيذة بالدخول. ومع اقترابك من الداخل، تسمع صوت الموسيقى الكلاسيكية صادراً من مكان ما في المطبخ. ولكن في الواقع، لا يوجد هناك أي موسيقى على الإطلاق.
يمكن أن ننسب حادثة كهذه إلى مجرد تخيل هذه الأصوات، أو سماعها من مكان بعيد ما. ولكن، يمكن أيضاً أن يكون هذا شيئاً يتعرض له 4.4% من البالغين، أي الظاهرة المسماة بالحس المواكب synesthesia.
الحس المواكب ميزة عصبية متعددة الأشكال. وقد اختبرها الكثيرون شخصياً، سواء برؤية الأصوات أو شم الألوان. وممن قيل إنهم يمتلكونها فاريل ويليامز ومارلين مونرو. ويصفها الكثيرون بأنها "حاسة إضافية".
ولكن من المحتمل أن الباحثين في جامعة سيتي بلندن قد اكتشفوا شكلاً أكثر شيوعاً من هذه الميزة، وهي ميزة أحس بها واحد من أصل خمسة أشخاص في تجربة قاموا بإجرائها. وقد نشر الباحثون عملهم في مجلة Consciousness and Cognition.
يسمي الباحثون هذه الميزة بظاهرة "سماع الحركة". ويستطيع من يتمتعون بها سماع حركة الأجسام، حرفياً. يقول إليوت فريمان الباحث الأساسي في الدراسة: "تشير البيانات إلى وجود نوعين من الأشخاص، من يولّدون الأصوات بشكل متعمد، ومن يسمعون الأصوات الداخلية بدون بذل جهد". وينتمي النوع الثاني إلى من يُظهرون امتلاك الحس المواكب من نوع سماع الحركة.
يمكن للبعض أن يروا مروحة صامتة وهي تدور، ولكنهم يسمعون صوت حفيف شفراتها. وقد يرى البعض شاشة التوقف للحاسب تطلق الفقاعات، ويسمعوا صوتها وهي تتحرك. يبين الفيديو أدناه الاختلاف التجريبي بين من يمتلك هذه الميزة وبين من لا يمتلكها:
جمع فريمان وفريقه أربعين مشاركاً لإجراء الاختبارات. حيث قاموا بعرض مقطع فيديو من جزئين، يتضمن أنماطاً شبيهة بشيفرة مورس. وقد احتوى المقطع الأول على أصوات، وأظهر الآخر أنماطاً من الأضواء الوامضة.
راقب الباحثون ما إذا كان المشاركون يسمعون أية أصوات خلال الاختبار. وقد أثار دهشتهم أن 22% من المشاركين سمعوا الأصوات بالفعل، ويمكن مشاهدة الفيديو الاختباري تالياً:
ماذا يمكن للحس المواكب أن يعلمنا عن أنفسنا؟
تضمّن الجزء الثاني من التجربة أصواتاً مسموعة، مع تطبيق نفس القواعد. واكتشف الباحثون أن مَنْ أدّوا جيداً في الجزء الأول في التجربة كان أداؤهم سيئاً في الجزء الثاني، وسطياً. وقد يعود هذا إلى الارتباك الذي سببته الأضواء الوامضة مع الأصوات غير الموافقة. ولكن هذه التجربة ستسمح بمتابعة البحث باستخدام عينات أكبر حجماً.
إذا اعتمد العلماء على عينات أكبر وأكثر تنوعاً، فقد يتمكنون من تحديد صفات معينة لدى أصحاب الحس المواكب من نوع سماع الحركة. وقد يساعدنا هذا على تعلم المزيد عن العمليات الدماغية التي تسبب لنا الإحساس بأشياء غير موجودة حقاً.
من المثير بالنسبة لنا نحن البشر أن نتعلم المزيد عما يجري يومياً خارج نطاق حواسنا. ومع هذه النتائج، سنكتشف أنه يفوتنا الكثير. وعلى الرغم من أن دراسة الجسم البشري وعملياته تبدو متماسكة وبسيطة، فقد نتفاجأ بما لم نتعلمه بعد.