بقلم: محمد السيد
نبدأ من الكنيست الاسرائيلي الذي يحتضن تحت قبته غالبية التيارات العربية في اسرائيل ، هناك يصل الخلاف بين الاحزاب الصهيونية حد العداء بنظر العرب ، لكنه ترجمة لما يسمى الديمقراطية وسرعان ما يتوحدون اذا تعلق الأمر بالمصير المشترك.
قلنا ان الاحزاب العربية دخلت تحت خيمة المشتركة وتشابكت أيادي الشيوعي مع الاسلامي والقومي والصهيوني والمرأة في تشكيلة قضت على كذبة البرامج والمواقف والايديولوجيات التي تمترست خلفها الاحزاب والحركات طيلة عقود .
هناك من فسر الأمر وكأنه فعلا ارادة شعب ، بمعنى ان الاحزاب والحركات تنبهت فجأة الى ضرورة التخلي عن ما سمي بالمبادئ والمواقف والمرجعيات ومحو الخط الأحمر والقفز عليه سعيا الى الحفاظ على التواجد في هذا المنبر للدفاع عن الجماهير .
هذا الحرص على "الوحدة" وفق ما يراه المستفيدون دفع بهم الى التحدث بلسان واحد اذا ما تعرضت خيمتهم لانتقاد ، أو اذا تجرأ أحد على ابداء ملاحظة أو اسداء نصيحة ، وتوحد خطابهم وساروا صفا صفا يدقون طبولهم في أعظم حالة من الوحدة، لا أدري ان انطبق عليهم القول "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى" ، واذا ما افترضنا ذلك ، نتسائل أين هي الوحدة من ذلك الذي من اجله تتواجدون هناك ؟ .
تفرقتكم ورفضتم كل خطاب للوحدة ، وعجزت الجهود في توحيدكم ، بل رفضتم مجرد الحديث عن التحالف مع غيركم في سبيل خدمة جمهوركم ، وبكل سهولة وحدتكم السياسة التمثيلية بعد عراك وردح وسجال حول المواقع ، وبغض النظر عن الأسباب ، ومع علمنا الكامل بكيفية الوحدة ، هتفنا لها وواصلنا الليل بالنهار ندعو لانجاحها شريطة ان لا تتوقف عند هدف واحد وهو النفاذ من الخسارة.
لم نأت بجديد اذا قلنا انهم "جميعا وقلوبهم شتى" ونفصل لماذ، ولندع كل الماضي القريب الذي غلب فيه الشكل على المضمون، ولننظر الى العزوف التام مؤخرا عن القضية التي من اجلها تشكلتم، وتسليط الضوء على الهدف ، فكان المضحك المبكي أن تتصدر البرامج الاذاعية والتلفزيونية والصحف التي تملكها الاحزاب وغيرها مسألة واحدة الا وهي المواقع ، وجاءت كلها تحت عنوان "من يدخل مكان من؟" ، حتى ان الشارع العربي انساق حول هذه الحالة ، وتقزمت قضايا المسكن والهدم والمواطنة والعنصرية ، بل مستقبلنا كله أمام مسألة مفصلية بنظرهم وهي "الوجود" ولا اقصد الوجود على الارض وفي القرية والمدينة في جليلنا ونقبنا ومثلثنا ، بل الوجود في المنصب في الكنيست.
تمزقت وتطايرت في الهواء البرامج ، وتشكلت الفرق ، وتم استدعاء الخبراء ، وانعقدت الجلسات وصدرت التصريحات المبطنة بالتهديدات، وانكشف كل شيء للذي لم يزل يتأمل خيرا ، في مشهد قد يراه البعض نسفا لهرم بني على تراب ، ويراه البعض الآخر بأنه ترجمة لرأي من سعى ويسعى لتعددية ، على الأقل من خلال قائمتين.
عودوا الى الوراء قليلا وتسائلوا في أي توقيت ندع هموم شعبنا ونركز بكل عقولنا وامكانياتنا وطاقاتنا في الحرص على مواقعنا ، حتى يزداد ثرائنا ، وتتصدر صورنا وسائل الاعلام، ونتحول فعلا الى قطط سمينة تستطيع المواء عاليا ، لكنها لم تقوى على الحراك الا تثاقلا ، هل تدركون التوقيت؟ نعم انه عشية يوم الأرض الذي وللأسف بات منبرا لبعض تلك القطط لتموء من عليها وتعود الى فنائها، ولا استبعد اطلاقا ان يتكرر المشهد ونعتلي المنصات والقاء الخطابات والحصول على تصفيق من ساذجين وبسطاء ، بينما لم نعمل من اجل ترميم بيت مهدوم في الرملة او دهمش او ام الحيران او العراقيب او غيرها، كما لم نغرس شجرة في ارض مهددة بالمصادرة ، هذا اذا بقيت لنا ارض.
يحدث هذا دون وقف مهزلة المواقع والالتفات الى حضننا الكبير مدينة الناصرة التي يتهددها الخراب ، بعد رفض جهة التصويت على الميزانية نكاية في رئيس بلدية منتخب ، وبغض النظر عن الموقف منه، وبهذا الرفض تسعى هذه الجهة الى تعطيل مشاريع عملاقة لمدينتنا الحبيبة ، كل ذلك لأن التسليم بالنهج الديمقراطي يعد كفرا عند البعض من عربنا.
من هنا نعود الى اول الكلام ، نعود الى الاحزاب الصهيونية التي تختلف الى درجة العداء السياسي لكنها تلتحم معا ضد اي تهديد خارجي وتتشابك الأيادي للمصلحة المشتركة وبناء بلدهم، الناصرة ليست مجرد اسم وقيادتها ليست حكرا على احد، والنهج الانتقامي لن يأتي الا بالويلات على هذه المدينة.
لا بد ان يكون لنا موقف من أزمة الناصرة كي لا تتحول لثقافة ينتهجها آخرون في قرانا ومدننا ، ويتحول المواطن رهينة بيد متصارعين على المواقع ، لا بد ان يكون لكل حريص على الكرامة موقف من الصراع السياسي في المجلس البلدي في الناصرة كونها عاصمة الجماهير العربية، ونناشد كل مركبات المشتركة من اسلاميين وشيوعيين وقوميين وصهاينة ان يقولوا كلمتهم وأن يضغطوا على شركائهم لرأب الصدع في المدينة وتمرير الميزانية ليعود ذلك بالفائدة على أهلنا هناك.