سكرات الموت من أكثر المواقف العصيبة التي تواجه الفرد خاصة إن كان من الكافرين بالله عز وجل ولا يؤمن بوحدانية الخالق، وفي حالات أخرى تشتد على المؤمن لتعلي من شأنه ودرجاته في الجنة، ولتكفر عن سيئاته، فهي مرحلة حتمية سيمر بها كل بني آدم سواء كانوا من المؤمنين أو الكافرين.
ولقد قال المولى عز وجل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، [آل عمران، 185]، وقال تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)، [سورة ق، 19]، وقال النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- في مرض موته: (لا إله إلا الله، إنّ للموت سكرات).
يختلف الناس اختلاف كبير حين يواجهون سكرات الموت، فمنهم من يمر بها ويتخطاها مثلما ينتقل النائم بين الغفوة واليقظة ومنهم من يعاني أشد معاناة قبل أن تنتقل روحه لبارئها، ولا يعتبر هذا دليل على قوة الإيمان من ضعفها، بل يمكن للمؤمن أيضا أن يعاني منها، وكان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم خير دليل، حيث ورد عن عبد الله بن مسعود –ضي الله عنه- قوله: (دخلتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يُوعَكُ، فقُلْت: يا رسولَ اللهِ، إنك لَتُوعَكُ وعْكًا شَديدً؟ قال: أجل، إني أُوعَكُ كما يُوعَكُ رجُلانِ منكم، قُلْت: ذلك بأن لك أجرينِ؟ قال: أجل، ذلك كذلِك، ما مِن مُسلِمٍ يُصيبُهُ أذًى، شَوْكَةٌ فما فَوقَها، إلا كفَّرَ اللهُ بها سيآتِهِ، كما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ ورَقَها).
معنى سَكرات الموت:
سكرات الموت مُفردها سَكَرة أو سَكْره، وتُطلق السّكرة على عدّة معانٍ، هي:
سَكِرَ: من الغفلة والضّلال، ومنها غشيته سكرةُ الموت، ومثال ذلك قوله تعالى: (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [سورة الحجر، 72]، أي ذهَبوا بين الصَّحوة والسَّكْرة من شدّة المُعاناة والألم حتى وصلوا إلى درجةٍ بين العقل واللا عقل.
سكرة بمعنى غمرة وشدّة، ومثالها قوله تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) [سورة ق، 19]، وسَكْرَةُ الْمَيِّتِ: أي غَشْيَتُه التِي تَدُلُّ وتشير إلى أَنّه مَيِّتٌ.
وما يتضح من ذلك أن سكرة الموت تدل على حالة من الإغشاء أو الغفوة التي تنتج عن شعور الفرد بالألم والمعاناة والتي يعاني منها قبل الموت بفترة وجيزة كانت أو طويلة، في هذه الحالة يصبح الفرد بين الوعي واللاوعي فلا هو مدرك بشكل كامل لما حوله ولا هو فاقده.
سكرات الموت في القرآن الكريم والسنة النبوية:
إذا تأملنا المواضع الكثيرة التي ذكرت فيها سكرات الموت في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة سنعلم جيدا أنها من الأمور الهامة التي تستحق منا الاهتمام والوعي الشديد، فلقد جائنا من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية ما يحذرنا من سكرات الموت وشدتها.
سكرات الموت في القرآن الكريم:
ذكرت سكرات الموت في القرآن الكريم في أربعة مواضع وهما كالآتي:
• قول المولى عز وجل: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ)، [الأنعام، 93]، ويقصد بغمرات الموت صعوبته وشدائده، ويصور الله عز وجل الكافرين والمكذبين بحقيقة الموت والمنكرين له، حيث صور الظالمين والمتجبرين وهم في سكرات الموت تتقاذفهم مثلما يتقاذف الموج الزبد، وهم يعانون من أقصى درجات الضعف والذل بعد القوة والعز والجبروت.
• قوله عزَّ وجلَّ: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) [سورة ق، 19]، فسّر العلماء قوله عزَّ وجلَّ هذه الآية بتأويلين، أحدهما: وجاءت سكرة الموت؛ أي شدّته وغلبته، كالسَّكْرَةِ من النَّوم أو الشّراب المُسكِر حتّى أصبحت هذه السّكرة كأنّها أمرٌ حتميّ تيقّنه الإنسان وصدَّق به، وبأنّ الموت آتٍ لا مفرّ منه، وعاينه بنفسه لا أنّه مُجرّد شيءٍ سمعه وبقي مجهولاً له. أما الوجه الثاني فهو: وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت، فانتقل الإنسان من الحياة إلى الموت الذي لم يكن مُصدّقاً بأنّه سيصل إليه في أحد الأيام.
• وقوله سبحانه وتعالى: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) [الواقعة،83]، ويخاطب الله عباده قائلا انظروا لحالكم وما أنتم عليه وقد بلغت منكم الروح أعلى الحلق ووصلتم لمرحلة الاحتضار الشديد، وذويكم يحيطون بكم من كل اتجاه ولا يستطيعون تخفيف آلامكم، كما لا يرون ملائكة الموت الذين يقبضون روحكم، فهذه الآية تعتبر من أكثر الآيات التي وصفت الموت وسكراته وشدة المعاناة من تلك السكرات وقوتها.
• قوله عزَّ وجلَّ: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ) [سورة القيامة، 26]، والمقصود بها ردع النّاس عن المعاصي بتذكيرهم بالموت وسكراته، وكيف تبلغ الرّوح إلى التراقي التي هي عظام الصّدر، وكأنّه يقول لهم: تنبّهوا وأفيقوا من غفلتكم أيها النّاس؛ فقد جاءكم الموت ليقطع عليكم الطّريق، وينزع عنكم ما وصلتم له من لذائذ ومُستحبّات ممّا في هذه الحياة الفانية، وانظروا إلى روحكم كيف بلغت أعلى الصّدر وأنتم عاجزون عن ردّها إلى مكانها.
سكرات الموت في السنة النبوية:
• وكما ذكر الله عز وجل سكرات الموت في القرآن الكريم؛ فلقد ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث نبوية شريفة ومنها ما روته أم المؤمنين عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: (إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ - أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ - يَشُكُّ عُمَرُ - فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ) ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: (فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى) حتى قُبضَ ومالت يداه).
• كما روي عن رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- أنه قال: (إنَّ العبدَ إذا سبقت له من اللهِ منزلةٌ لم يبلغْها بعمله ابتلاه اللهُ في جسدِه أو في مالِه أو في ولدِه ثم صبَّره على ذلك حتى يُبلِّغَه المنزلةَ التي سبقت له من اللهِ تعالى)، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن سكرات الموت ابتلاء ولا تعني أن المرء عاصي لأوامر الله أو إيمانه ضعيف والدليل على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.