يشهد قطاع غزة تدهورا مطردا في الأوضاع طوال السنوات العشرين الماضية، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد والخدمات الاجتماعية الأساسية. وفي حين تشتد الحاجة إلى تدفقات نقدية إضافية لتخفيف الظروف الحياتية الصعبة، فإن تحقيق الانتعاش الدائم يتطلب استراتيجية منسقة لتعافي اقتصاد القطاع عن طريق التجارة مع الأسواق الخارجية والتوسع في الأنشطة التجارية. قال تقرير جديد صادر عن البنك الدولي.
ويستكشف التقرير طبيعة التدهور السريع في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في غزة ويحدد المطلوب عمله لإطلاق العنان للنمو المستدام.
وقال البنك الدولي انه سيرفع هذا التقرير إلى لجنة الارتباط الخاصة في 20 مارس/آذار 2018 في بروكسل، وهو اجتماع على مستوى السياسات بشأن المساعدات الإنمائية للشعب الفلسطيني.
وفي هذا الصدد قالت مارينا ويس، المديرة والممثلة المقيمة للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة "في حين أن المعونات الإضافية لازمة لتوفير الإغاثة الإنسانية على المدى القصير والتحسين من حالة المالية العامة، فلا يمكن أن تحل مكان الإجراءات الطويلة الأجل. إن الالتزامات الجدية من جانب الأطراف كافة مطلوبة لتحفيز النمو وخلق فرص العمل عن طريق تهيئة الظروف الصحيحة من أجل وجود قطاع خاص ديناميكي. وبدون التصدي للقيود القائمة، ستبقى غزة تعاني من وطأة العبء على سكانها."
ومن الضروري أن يقوم المانحون بإرسال معونات عاجلة على المدى القصير لمعالجة نقص السيولة في الوقت الراهن وتحسين الأوضاع الإنسانية الأليمة. وكشفت بيانات اقتصادية حديثة عن انخفاض معدل النمو في غزة من 8% عام 2016 إلى 0.5% فقط عام 2017 مع ارتفاع معدل البطالة إلى ما يقرب نصف القوى العاملة. ويعزى هذا التراجع إلى انخفاض التدفقات النقدية الواردة مما أضعف نشاط إعادة الاعمار وأدى إلى هبوط حاد في دخل ربع السكان. وتشهد الخدمات الأساسية تدهورا سريعا في جودتها، كما هو الحال في الكهرباء والمياه والمجاري، مما يشكل خطرا جسيما على الصحة. ومما زاد من حالة الاضطراب احتمال خفض التمويل لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والتي تعتبر من أهم الأطراف التي توفر فرص العمل والخدمات في القطاع. فقد يهدد هذا الخفض بفقدان دخل حوالي 18 ألف موظف بالوكالة، بل وأكثر من هذا العدد إذا أضيف إليهم من يعولونهم.
"كما وستساعد المعونات الاضافية للحيلولة دون تفاقم الأوضاع المالية. ويمكن للمصالحة المحتملة مع غزة، وهو تطور إيجابي لكل الأراضي الفلسطينية، أن تزيد من الفجوة التمويلية المتوقعة لعام 2018 من 440 مليون دولار إلى حوالي مليار دولار. ولن تكفي الإجراءات المقترحة من السلطة الفلسطينية لسد الفجوة، وستلجأ إلى مصادر محلية للتمويل بما في ذلك الاقتراض من البنوك المحلية وتأخير سداد المستحقات للقطاع الخاص وصندوق المعاشات التقاعدية". و"قد يخنق كل هذا اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة بما في ذلك من تبعات سلبية على الموردين والبنوك وفي نهاية المطاف على النمو والحصيلة الضريبية."
و"على المدى الطويل، لن تتمكن المعونة وحدها من توفير الحافز للنمو، ولن تستطيع وقف تقويض التنمية في غزة. فأسواق القطاع غير قادرة حاليا على توفير فرص العمل ولا الدخل للمواطنين مما يخلق حالة إحباط لدى شريحة ضخمة منهم وخاصة الشباب. إن صادرات غزة لم تعد تشكل سوى نسبة ضئيلة من مستواها قبل الحصار وقطاع التصنيع انكمش بأكثر من 60% خلال السنوات العشرين الماضية. ولن يتمكن الاقتصاد من الاستمرار بدون الارتباط بالعالم الخارجي".
و"يجب أن تركز الجهود التنموية على معالجة الإغلاق الحالي. ولن تكفي التعديلات الطفيفة التي يجري تطبيقها حاليا على هذا النظام المُقيّد. ولذلك فإن هناك ترحيب قوي بالمشروعات المقترحة لزيادة إمدادات المياه والكهرباء، بيد أنه ما لم تتوفر الفرص لتعزيز دخل المواطنين عن طريق توسيع التجارة، ستبقى استدامة هذه الاستثمارات موضع شك".
ويبرز التقرير الشروط اللازمة لاستدامة الانتعاش الاقتصادي في غزة، وهي تتضمن وجود قطاع خاص قادر على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية وزيادة صادراته السلعية والخدمية. ومن التدابير المطلوبة تخفيف القيود على السلع ذات الاستخدام المزدوج، وتبسيط إجراءات التجارة عند المعبر التجاري لغزة وإعادة بناء الروابط التجارية مع الضفة الغربية وإسرائيل. إن أنظمة الإدارة الفعالة والتدعيم المؤسسي تحت قيادة السلطة الفلسطينية من العوامل الرئيسية أيضا لاستدامة الانتعاش الاقتصادي. ويمكن للمانحين أن يساعدوا أيضا بتوفير أدوات تمويل مبتكرة للتخفيف من مخاطر قد يواجهها القطاع الخاص عند استثماره في غزة.
وناقشت اذاعة الشمس هذا الموضوع مع الخبير الاقتصادي العالمي د. عمر شعبان.