معظم الشبان والشابات من المجتمع العربي ينخرطون في المؤسسات الأكاديمية مباشرة بعد انهاء دراستهم الثانوية بسنّ 18، بينما يتجنّد أترابهم اليهود للخدمة العسكرية، الخدمة المدنية، وينخرطون في مؤسسات التعليم العالي بسنّ أكبر، عندما يكونون أكثر نضوجًا. عمليًا، إن الانخراط في التعليم العالي مباشرة بعد المرحلة الثانوية موازٍ لما يتم في جميع أنحاء العالم. لكن في إسرائيل الوضع مختلف، وفي الأكاديميات الإسرائيلية هناك مجموعتان مع فجوات كبيرة بينهما، والتي بحاجة لسدّ الفجوات. يصل جزء من الشباب العرب إلى التعليم العالي، وهم لا يتقنون اللغة العبرية. مع هذه النقلة الحادّة يجلسون بجانب زملائهم وأترابهم على المقاعد الدراسية ويُختبرون حسب المعايير ذاتها. الفجوة بين المجموعتين بارزة، بما وأنها تُبرز عدم ملاءمة الشبان والشابات العرب لتوقعات ال حياة الأكاديمية الاسرائيلية والتوقعات منهم للمرحلة المقبلة وهي الانتقال إلى سوق العمل.
عادة ما لا تكون الأدوات المكتسبة خلال اول 18 سنة من حياتهم كافية ولا تستوفي الاحتياجات الأساسية المطلوبة بهدف النجاح باجتياز السنة التعليمية الاكاديمية الأولى. تشير العديد من الأبحاث والبيانات المنشورة في هذا الشأن، إلى نسبة عالية من التسرّب، تغيير موضوع التعليم، أو الانتقال لمؤسسة أكاديمية مختلفة. من يعرف المجتمع العربي وجهازه التربوي بشكل معمق، لا يفاجئ من هذه المعطيات التي تطفو وتُنتشر.
في إطار محاولة النجاح بالتعليم الأكاديمي بالرغم من الفجوات القائمة، يضطر بعض الطلاب والطالبات الجامعيين الجدد الانقطاع عن بعض الالتزامات الأخرى غير التعليمية كالحياة الاجتماعية، العمل المجتمعي، كسب الخبرة العملية والتوظيف، وغيرها.. يستثمر هؤلاء، معظم وقتهم في التعامل مع التحديات التي يواجهونها، وقد يضطرون للتنازل عن الفرص القادرة على منحهم قيمة مضافة ومساعدتهم على سد الفجوات التي يشعرون بها عند دخولهم العالم الأكاديمي، وذلك بهدف تحقيق النجاح بدراستهم الأكاديمية. ويا للسخرية، فإن معظم الطلاب العرب يُنهون دراساتهم الأكاديمية في نفس الوضعية التي بدأوها فيها، دون خبرة بإدارة العلاقات الاجتماعية، ودون أن يكونوا قد اكتسبوا أدوات التعامل الاجتماعي، ودون مهارات مميزة ودون تحسين وتعزيز قدرات التواصل الشخصي مع الآخرين.
في السنوات الأخيرة نشأت عدة مبادرات ومؤسسات وضعت نصب عينيها هدفًا بتأهيل هؤلاء الشبان والشابات العرب وإعدادهم للحياة الأكاديمية ولسوق العمل، فبرنامج “مسار” على سبيل المثال يعدّ مجموعة من الشباب طوال سنة مكثّفة بالنشاطات، ويجهزهم لدخول العالم الأكاديمي. هذه البرامج مرحب بها ولا بد من دعمها وتوسيع نطاقها. هذه البرامج والمشاريع تشكّل جسرًا مهمًا ومعتبرًا، يُتيح للشباب والشابات الوصول بدرجة
أعلى من الجاهزية للمرحلة المقبلة من حياتهم. علاوة على ذلك، فإن هذه المبادرات تشدد على أهمية التنمية الذاتية التي لا تنعكس في الدراسة الأكاديمية فحسب، بل أيضًا في العمل المجتمعي، العمل القيادي، الانكشاف على سوق العمل، وببناء حياة مجتمعية.
من المهم أن نفهم أن الفجوة في الدخول للأكاديميا، حتى لو لم يكن هناك إعداد وتجهيز واسع النطاق، لن تتقلص لوحدها دون أن تأخذ الأكاديميا (مؤسسات التعليم العالي) احتياجات الطلاب أبناء المجتمع العربي على اختلافها بعين الاعتبار ودون أن تقوم بايكال أولوية لسد الفجوات لمصلحتهم.
سألت نفسي أكثر من مرة كشابة عربية اجتازت هذا المسار في العالم الأكاديمي الإسرائيلي، وكمن ترافق شبان وشابات آخرين خلال سيرهم في هذا الدرب - إلى أي مدى بالفعل ترانا المؤسسات الأكاديمية؟ هل بالفعل يأخذون الطالب أو الطالبة العرب واحتياجاتهم الفريدة؟ هل المؤسسة الأكاديمية مناسبة وتلائم أنماط التعلم الخاصة بالمجتمع العربي ويأخذ بالحسبان اختلاف خلفيات الطلاب الثقافية، اللغة المختلفة، الروايات المختلفة والاحتياجات المختلفة فيما بين الطلاب؟ الجواب على هذه الأسئلة معقد، ولا يتلخص بنعم أو لا. لا شك أنه هناك تغيير معتبر في السنوات الأخيرة، ولكن لا يزال الكثير مما يجب فعله.
الفترة القريبة مقلقة بشكل خاص. مع بدء السنة الدراسية الأكاديمية الجديدة على خلفية جائحة الكورونا، سيبدأ آلاف الطلاب دراستهم الجامعية ويعود الآلاف الآخرين للمقاعد الدراسية، يشمل طلاب من المجتمع العربي.
وفق معطيات مجلس التعليم العالي التي نُشرت في تشرين الأول/ أكتوبر الأخير، فإن نسبة الطلاب من المجتمع العربي الدارسين في إسرائيل لجميع الألقاب ارتفعت من 10% عام 2008 (نحو 24 ألف) إلى 18% (نحو 51 ألف) في السنة الدراسية الأخيرة.
جميعهم يأتون للدراسة الأكاديمية مع كل التعقيد المذكور، أضف إلى ذلك الدراسة عن بُعد. وهذا دون أن نتطرق للصعوبة الاقتصادية ونسب البطالة العالية في سوق العمل. سبق وأشارت الأبحاث الأخيرة في هذا الشأن، إلى أن احتمالات تسرّب الطلاب العرب على خلفية أزمة الكورونا تبلغ نحو 37%. علاوة على ذلك، فقد أشار 55% إلى أن المؤسسة الأكاديمية التي يدرسون فيها تتجاهل احتياجاتهم.
عدا عن الحاجة بخلق المزيد من البرامج والمبادرات، إن كان داخل المؤسسات الأكاديمية أو خارجها، والتي بوسعها أن تساهم بسد الفجوات بين الطالب العربي وبين الأكاديميا، أدعو رجال التربية والمؤسسات الأكاديمية ليستخدموا الادوات المناسبة لمعالجة شؤون الطلاب. كما أدعوها أن تقوم بسلسلة من الملاءمات عبر تذليل العقبات التي تعيق الشبان والشابات العرب من تحقيق كامل قدراتهم الكامنة. وأن تعطيهم الفرصة ليكونوا جزءًا من حلقات النقاش، مشاركتهم، وأن يعبروا عن اهتمامهم للإصغاء لهم. أدعوهم أيضًا أن يتحلوا بالصبر ويتفهموا احتياجهم لوقت أطول كي يتصلوا بالزوم، أو نطق الكلمة التي يرغبون بقولها، وذلك من منطلق أنهم يحاولون استذكار كيفية نطقها بشكل صحيح بالعبرية. كما أنني ادعو القيادة التربوية والمحلية في المجتمع العربي كي تتنبه لخصوصية الشباب في هذه الفترة العصيبة. اهتموا وإحموا الطلاب العرب لأن الطريق التي ساروا بها بهدف الوصول والانخراط في التعليم العالي لم تكن سهلة وتستحق بذل جهود نحو بلوغ هذا الهدف.
* الكاتبة هي روان خمايسي، مركزة مجال المجتمع العربي في شراكات إدموند دي روتشيلد