مع انتهاء عام 2020, يتطلع العالم الى عام 2021 متسائلا عما يحمله من احداث جديدة ومثيرة، بعد مرور سنة عنوانها الأبرز كان فيروس كورونا وتأثيراته على شتّى جوانب الحياة.
في حين يستمر علماء الطب الحيوي حتى الآن في محاربة الوباء لمساعدة العالم على العودة الى الحياة الطبيعية، نجد أن الكثير من الباحثين في مختلف التخصصات يسعون الى تحقيق إنجازات وإطلاق مشاريع جديدة، على الرغم من التحديات والتضييقيات التي جلبها الوباء لهذا العالم.
في هذا المقال من سلسلة “علمي علمك”, نوافيكم بأهم المجالات العلمية التي من المتوقع أن تتصدر العناوين لهذا العام، تحتل مساحة واسعة وتشد الانظار, تبعا لمصادر موثوقة وتغييرات قد بدأت في العام المنصرم ولكن غابت عنها الأضواء منشغلة بهموم الجائحة وغيرها من هزّات عالمية، سياسية وكوارث طبيعية.
التغيير المناخي
من المتوقع ان يشهد عام 2021 نشاط محوري في مكافحة تغير المناخ، بعد ان أوضح الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن أنه سيتحرك قدما في هذا الصدد، اذ ينوي الانضمام مجددا إلى اتفاقية باريس للمناخ لمكافحة الاحتباس الحراري بعد ان انسحب منها الرئيس السابق ترامب.
ستكون اللحظة الهامة لمفاوضات المناخ في شهر نوفمبر من هذا العام، حيث تعقد الأمم المتحدة مؤتمر في مدينة غلاسكو، المملكة المتحدة، فيها ستقوم البلدان بجولة جديدة من التعهّدات بشأن خفض إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري – وهي الأولى منذ توقيع اتفاقية باريس في عام 2015 يطمح الإتحاد الأوروبي والصين أيضا بالحد من انبعاثات الكربون كليا بحلول عام 2050. وبهذا الصدد، ينتظر العلماء لمعرفة ما إذا كان بايدن سيضع أهدافًا مماثلة للولايات المتحدة الأمريكية.
أصل فيروس كورونا
أثار إطلاق حملات التطعيم في العديد من البلدان الأمل في إنهاء جائحة كورونا، لكن كيف بدأت هذه الجائحة بالضبط؟ في محاولة للإجابة على هذا السؤال، سيسافر فريق دولي مكون من 10 علماء تابع لمنظمة الصحة العالمية إلى الصين لعدة مرات هذا العام كجزءاً من خطة التحقيق في أصول الفيروس.
سيتم الفحص في المراحل الأولية من المشروع على اللحوم والحيوانات المباعة في سوق ووهان, أين وكيف قفزت إلى البشر، وما إذا كان هناك مضيفاً وسيطاً اخر, وأهم من ذلك، كيف يمكننا منع ظهور فيروسات وبائية أخرى تهدد الإنسانية وتشل حركتها وإقتصادها.
يستغرق اكتشاف منشأ الفيروس سنوات، لكن الخبراء يعتقدون أن بعض المعلومات الجديدة ستظهر بحلول نهاية هذا العام.
أدوية مصممة خصيصا لفيروس كورونا
لاستكمال فعالية التطعيمات الجماعية ضد فيروس كورونا، تندفع شركات الأدوية هذا العام لتصميم عقاقير مخصصة تمنع انتشار الفيروس وتعالج أعراضه. اذ حتى لو تلقى الناس أحد اللقاحات الجديدة التي وافقت عليها إدارة الغذا والدواء الأمريكية (FDA) مؤخرًا، فمن المتوقع أن يظل الفيروس مزمنا.
في عام 2020، أظهر دواء Remdesivir المضاد للفيروس وعدد قليل من الأدوية الأخرى، نجاعة محدودة جدا ضد المرض. من أجل إيجاد وتحديد أدوية جديدة، سيستعمل الباحثون الذكاء الاصطناعي وأجهزة الحوسبة الفائقة (supercomputers) ، للبحث في أكثر من 590 عقارًا تجريبيًا قيد التطوير.
هل سيتمكن الذكاء الاصطناعي بمواجهة هذه الجائحة وجها لوجه والنيل منها؟ وهل سيصبح أحد أهم الأسلحة في محاربة الوباء ولربما سيصبح جزءا لا يتجزأ من تطوير الأدوية وتسريع مسارها نحو الإستخدام السريري (أي للإنسان)؟ آملين ان هذا العام يحمل معه إجابات لهذه الأسئلة وبصيص من أمل.
الخلايا الجذعية
الخلايا الجذعية (stem cells) هي الخلية الأساسية لكل عضو ونسيج في الجسم، اذ هي خلايا بدائية غير متخصصة، ولكنها قادرة على تكوين خلية بالغة بعد أن تنقسم عدة انقسامات في ظروف مناسبة (مثلا، خلايا القلب هي خلايا بالغة اصولها خلايا جذعية تطورت بخصائص تلائم عمل القلب).
هنالك عدة أنواع من الخلايا الجذعية، منها الخلايا الجذعية الجنينية وهي التي تتكون في المراحل الأولى من التكوين البشري، ويتم الحصول عليها من الخلية البدائية التي تكوِّن الجنين. تنحصر الأبحاث في هذا النوع من الخلايا تحت إرشادات شديدة جدًا يتم سنّها على يد الجمعية الدولية لأبحاث الخلايا الجذعية. (International Society for Stem Cell Research)
بعد أربع أعوام من الإنتظار, يتطلع علماء الخلايا الجذعية بفارغ الصبر نشر الإرشادات الحديثة , اذ حتى الآن, يُسمح بالعمل مع أجنة صنعت في المختبر (embryo-like structures) فقط لمدة 14 يوم بعد الإخصاب, وبعدها, وبحسب القانون, يمنع الاستمرار في العمل معها.
يشمل التجديد المنتظر إرشادات أخرى ستسمح بتطويل هذه المدة, الأمر الذي سيساعد الخبراء والباحثين فهم اعمق لأسباب الإجهاض لحالات حمل مختلفة.
علاج مرض الزهايمر
بعد العمل جاهدًا لمدة سنوات على دواء لمنع مرض الزهايمر، دقّت الساعة من أجل تحديد ما اذا كان سيُستعمل هذا الدواء كعلاج ام لا.
ادوكانوب أو Aducanumab، الدواء الذي صنعته شركة Biogen, عبارة عن مضاد (Antibody) يرتبط ببروتين الأميلويد (Amyloid) بالدماغ اللذي يُعتَقد أنه المسبب الرئيسي لتقدم المرض، حيث تركيز هذا البروتين كبير جدا لدى مرضى الزهايمر مقارنة مع اشخاص غير مشخصين بالمرض.
يختلف هذا الدواء عن غيره بكونه يمنع تقدم المرض فعليا، ولا يعالج الأعراض المصحوبة معه فقط مثل فقدان الذاكرة.
العائق أمام تقدم هذا الدواء للإستعمال هو وجود بيانات متضاربة من تجربتان سريريتان في المرحلة الثالثة، ما أدى الى تشكيل لجنة إستشارية مستقلة شكلتها إدارة ال FDA لتقييم فعالية الدواء بشكل حاسم خلال العام هذا.
في حال تأكد العلماء ومنظمة الFDA من نجاعة وسلامة فاعلية هذا الدواء، فقد يؤدي هذا الدواء الى ضجة إيجابية وومضة امل لمرضى الزهايمر وعائلاتهم، حيث سيكون الدواء الأول لهذا المرض منذ اكتشافه عام ١٩٠٢.
هل هذا الدواء سيلائم جميع انواع مرضى الزهايمر؟ وهل وجوده سيحدث تغيير في طريق التشخيص؟ وهل سيحث على تطوير طرق تشخيصية مبكرة للعلاج المبكر؟ نأمل ببعض الإجابات في هذا العام .
كوكب المريخ يزدحم
تستمر أجندة الصين الطموحة لعلوم الفضاء لهذا العام 2021 أيضا، حيث من المفترض أن يهبط مسبار صيني متجه إلى المريخ في فبراير. ستبحث المهمة “Tianwen-1” عن ماء وعلامات حياة باستخدام 13 أداة, تشمل كاميرات، رادارات وأجهزة لتحليل جسيمات, جميعها من صناعة الصين.
اذا نجحت المهمة, فستكون هذه أول عملية استكشاف للصين للكوكب الأحمر والمرة الوحيدة التي هبط فيها مسبار يحمل مركبة مدارية، مركبة هبوط ومركبة جوالة في آنٍ واحد من المتوقع أيضا أن تصل مركّبات فضائية من الإمارات والولايات المتحدة الى المريخ في الشهر ذاته.
ستحدثنا الأيام، ماذا سيحمل هذا التنافس الدولي من اكتشافات مثيرة لعالم الفضاء.
إطلاق التلسكوب الذي طال انتظاره
سيشهد شهر أكتوبر إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي (James Webb Space Telescope) الذي طال إنتظاره. طُوّر هذا التلسكوب على يد ناسا وهو أكبر وأقوى تلسكوب فضائي تم بناؤه على الإطلاق.
تبلغ تكلفة هذا التلسكوب 8.8 مليار دولار أمريكي، ويتوقع ان يكرر نجاح شبيه بنجاح تلسكوب هابل الذي أحدث ثورة في علم الفلك منذ اطلاقه عام 1990 حيث أجرى أكثر من 1.3 مليون عملية رصد فضائية منذ ذلك الحين. سيغطي هذا التلسكوب الجديد أطوال موجية أكثر من هابل، مما يمكّن العلماء من التعمق في الكون والإبحار في الغازه.
مصادر بيانات علمية مفتوحة المصدر
على مدار العام الماضي، كان من الممكن الوصول، مجانًا, إلى أفضل الأبحاث العلمية عن فيروس كورونا, الأمر الذي سهّل الوصول لحلول مبتكرة للتعامل مع الوباء. لم يكن العلماء وحدهم هم المتصفحون، بل ذكرت مجلة Springer Nature ان 28% من المتصفحين كانوا مستخدمين عموميين، بما في ذلك مرضى، معلمين ومحاميين.
يعتبر هذا الأمر نوع من أنواع الثورة، في عالم تعتمد فيه معظم المجلات على الإشتراك باهظ الثمن، أو تطلب من القارئ أن يدفع مقابل قراءة مقالات فردية، مما يجعل الوصول الى مقالات علمية باهظ التكلفة وبالتالي صعبًا.
على مدى العقدين الماضيين حارب الكثير من الباحثون بالوصول المفتوح إلى البيانات العلمية، الى جانبهن تقف العديد من الجامعات, الممولين والمنظمات مثل اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية، يشاركوهم الرأي والرؤيا.
وأخيرا، في شهر يناير من هذا العام, سنقطف ثمار المجهود ليتغير هذا الواقع، او جزء منه الى الأفضل.
ضمن برنامج مخصص من 20 مؤسسة ممولة للأبحاث, كمؤسسة Bill & Melinda Gates Foundation , Wellcome in London, NWO, ستصبح الأوراق العلمية الممولة على يدهم مجانية ومتاحة بشكل فوري لجميع القرّاء وبدون رسوم إشتراك بمجلات علمية كمجلة Nature المرموقة وغيرها.
المبادرة، التي تدعى “Plan S”, تطمح لإنهاء الاشتراكات باهظة الثمن بمجلات النشر العلمية, وتتيح المجال لأي شخص بقراءة مؤلفات العلمية تعقب آخر المستجدات البحثية.
منذ الإعلان عن المبادرة عام 2018, كانت محاور نقاش ساخنة. ففي أبسط تعريف له، يعني الوصول المفتوح جعل الملكية الفكرية متاحة مجانًا بمنصات الشبكات العنكبوتية.
يقول مؤيدو الوصول العلمي المفتوح إن هذا النموذج سيضمن التداول السريع للمعلومات العلمية وإثراء الحوار بين الباحثين، وبالتالي المساهمة في التطور العلمي. ولربما إحداث ثورة بحثية تستقطب ليس فقط أصحاب العقول التساؤلية والبحثية بل الأشخاص المعنيين بالمعرفة على الصعيد الشخصي وتطوير الذات.
على الصعيد الآخر، هناك عدة عقبات أمام الوصول المفتوح كالتكلفة العالية للبحث، قضايا الملكية الفكرية والمخاوف من السرقة، بجانب الخوف من تراجع جودة النشر العلمي في حين كان مفتوحا لا يزال هناك العديد من الأسئلة حول هذه المبادرة وعواقبها، كيفية تنفيذها بأقل ضرر ممكن وما سيكون الوجه الجديد للبحث العلمي في اثر هذا الامر.
هل تؤيدون أعزاءنا القراء هذه الخطوة ؟ شاركونا أرائكن/م!
للختام, هذه هي أبرز الأحداث التي من المتوقع ان تتصدر العنواين لهذا العام، أملا أن تبقى إيجابية كما نقرأها الآن وأن يتم معالجة قضية الوباء بشكل جذري ليعود العالم بالإهتمام لمواضيع تقدم من مكانة الإنسانية، ومعرفتها لهذا العالم العظيم.