دراسة أدبية تاريخية عن نهضة ونشوء الأدب الفلسطيني للدكتور سليمان جبران // بقلم نبيل عودة

تابع راديو الشمس

دراسة أدبية تاريخية عن نهضة ونشوء الأدب الفلسطيني للدكتور سليمان جبران // بقلم نبيل عودة

دراسة أدبية تاريخية عن نهضة ونشوء الأدب الفلسطيني للدكتور سليمان جبران // بقلم نبيل عودة
نظرة جديدة على الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب" // دراسة أدبية تاريخية عن نهضة ونشوء الأدب الفلسطيني للدكتور سليمان جبران // بقلم نبيل عودة صدرت عن سلسلة منشورات الكرمل – جامعة حيفا ، ودار الهدى – كفر قرع دراسة نقدية أدبية تاريخية، هي الأشمل في موضوعها وموضوعيتها، تلقي الضوء، بمنهجية أدبية نقدية تاريخية علمية على نشوء ونهضة الأدب الفلسطيني، عبر دراسة للخصائص المميزة لهذا الأدب، والعوامل التي ساهمت في خصوصيته الوطنية والفنية ..صاحب هذه الدراسة ، الدكتور سليمان جبران، هو ناقد وباحث أدبي معروف، وهو أستاذ الأدب العربي الحديث في جامعة تل أبيب، وكان رئيساً لقسم اللغة العربية وأدابها في الجامعة بين ( 1998 – 2002 ) ويرأس اليوم مجمع اللغة العربية في إسرائيل، وصدرت له كتب عدة من الأبحاث والدراسات الأدبية النقدية من أبرزها كتابه عن أحمد فارس الشدياق – " الفارياق : مبناه وأسلوبه وسخريته "( صدرت طبعته الثانية عن دار قضايا فكرية – القاهرة – 1993 ) وكتابه عن محمد مهدي الجواهري – " صل الفلا: دراسة في سيرة الجواهري وشعره" ( صدرت طبعته الثانية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت وعمان – 2003 ) الى جانب مؤلفات، أبحاث ودراسات مختلفة عن اللغة العربية وعن الأعمال الأدبية لأدباء عرب من إسرائيل وفلسطين وغيرها من الاقطار العربية ..اعترف من البداية أنَّ هذا البحث فاجأني في عرضة واستنتاجاته، وفي عدم لجوء الباحث الى الاستنتاجات التي لا تعتمد على الحقائق الموضوعية، والامتناع عن صياغة المواقف بناء على الذاتية او الحماسة الوطنية التي تميز الكثير من الدراسات أو المراجعات الثقافية المشابهة ..الباحث يلتزم بالحقائق والوقائع المثبتة، ولا يذهب نحو التأويلات الحماسية. من هنا أهمية هذا البحث، الذي دفع صاحبه الى قراءة كل ما وقع تحت يده من نصوص ومراجع ذات صلة، في مكتبات الجامعات والأصدقاء في البلاد وفي مكتبة الجامعة الأردنية في عمان، كما يشير الكاتب في مقدمته .طبعا لن أتحدث عن كل مضمون الكتاب ( 217 صفحة من الحجم الكبير )، إنما ساحاول التعرض لأبرز ما يطرحه الباحث.يقسم الباحث كتابه الى قسمين أساسيَّين، الأول ويشمل دراسة تتقصى المميزات المضمونية والأسلوبية، وتحديد نشوء ونهضة الأدب الفلسطيني بمفهومة أدباً وطنياً يعبِّر عن القضايا الوطنية للمجتمع الفلسطيني، وليس مجرد كتابات لا تحمل سمات فلسطينية، إنما سمات إسلامية عامة لا هوية وطنية له ..ويعالج بتوسُّع الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب وشعراء هذه الحقبة التي بدأ يتجلَّى فيها الأدب الفلسطيني بمفهومه الجغرافي والاجتماعي كمعبِّر عن واقع فلسطيني بدأ يتبلور سياسياً واجتماعياً، وتقف أمامه تحديات مختلفة تهدِّد كيانه وصيرورته المستقبلية.يشير الباحث الى كثرة عدد الشعراء من مطلع القرن العشرين وحتى النكبة، وهي الفترة التي يرى أنها كانت الحاسمة في نشوء الأدب الفلسطيني وتميزه القومي والجغرافي، ويتناول أربعة شعراء يرى أنهم يمثلون الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب خير تمثيل، سواء في مضامين هذا الشعر أو أساليبه الفنية، والشعراء هم: وديع البستاني، الذي يرى به رائداً للشعر الفلسطيني، والشاعر ابراهيم طوقان – شاعر فلسطين الأول، والشاعر عبد الرحيم محمود – الذي أتبع القول بالفعل، والشاعر عبد الكريم الكرمي - الذي عاش نصف حياته مشرَّداً بعد نكبة فلسطين وهو شاعر الغنائية في الشعر الفلسطيني، كما يصفه.القسم الثاني ملحق شعري لقصائد الشعراء الأربعة الذين تناولتهم هذه الدراسة ..الفصل الذي يفتتح هذه الدراسة والمعنون بـ" نهضة الأدب الفلسطيني" هو رؤية ثقافية تاريخية، شديدة التركيز لنشوء ما صار يعرف اليوم بالأدب الفلسطيني. صحيح أنَّ فلسطين لم تعدم في تاريخها الأدب والأدباء، وهناك أسماء معروفة في الأدب الذي أنتجه أدباء عاشوا فوق الأرض الفلسطينية، ولكن السؤال الذي يشغل الباحث، هل يمكن اعتبار هذا الأدب أدباً فلسطينياً لأنه أنتِج جغرافياً فوق المساحة التي تعرف بفلسطين؟ أمْ أنَّ لنشوء الأدب القومي (الفلسطيني في حالتنا، الذي يطرح قضايا المجتمع الفلسطيني، ومسائل المصير الفلسطيني) شروطاً ومميزات خاصة لم تكن قد نشأت تاريخياً ؟أعتقد أنَّ هذا الفصل هو المميز الهامّ والأساسي في هذه الدراسة .... حيث يتابع ما دار من نقاش في الصحافة العربية والفلسطينية حول الحياة الأدبية في فلسطين، وتجاهل العديد من الدراسات العربية لنشوء أدب فلسطيني وظهور أدباء فلسطينيين .. ويسجل ملاحظة هامة للدكتور اسحق الحسيني الذي كان سكرتيراً للجنة العربية الثقافية في فلسطين، التي نظمت المعارض والنشاطات الثقافية المنوعة، وذلك بدءاً من الربع الأول للقرن العشرين وحتى النكبة، يشير فيها الحسيني الى أنَّ: "الناحية الثقافية في فلسطين لم تظفر بما تستحقه من عناية، ولم توضع في منزلتها من مظاهر الحياة الأخرى، ولم يعرف مبلغ تأثيرها في حياة الأمة .." الى أنْ يقول: "إنَّ الأمة العربية في فلسطين شاركت في قديمها وحديثها في التراث العربي مشاركة أصيلة".الاستنتاج الذي يصل اليه الباحث أنَّ الأدب الفلسطيني حتى الأربعينات من القرن العشرين لم يظفر باعتراف الأوساط الأدبية المهيمنة في القاهرة وبيروت، بل اعتُبر رافداً تابعاً، حتى في نظر بعض أبناء البلاد أنفسهم .ويستنتج الدكتور جبران أنَّ: "النظرة الموضوعية تقتضينا الاعتراف بأن النهضة الثقافية في فلسطين قد تأخرت فعلاً واختلفت عما شهدتْه مصر ولبنان من انبعاث ثقافي في العصر الحديث، وذلك لعوامل تاريخية هامة .."يرى الدكتور جبران أنَّ: "أول هذه العوامل وأجلها خطراً ... هو أنَّ فلسطين لم تكن كياناً جغرافياً سياسياً متميزاً حتى الحرب العالمية الأولى، فقد كانت فلسطين بحدودها "الانتدابية" منذ الفتح الإسلامي، تشكل مع الأردن جندين من أجناد بلاد الشام " .... " وفي الإمبراطورية العثمانية بقي هذا التقسيم مرتبطاً بوحدة بلاد الشام .. "الإستنتاج الذي يصل اليه الباحث أنَّ فلسطين: "لم تكن في الواقع كياناً مستقلاً ، أو شبه مستقل، لا قبل الفتح الإسلامي ولا قبل المسيح في العصور القديمة أيضا " و " كان موقعها الهام وبالاً عليها بصفتها جسراً برياً يربط بين آسيا وإفريقيا أو بين امبراطوريات وادي الرافدين وامبراطوريات وادي النيل "..." وبحرياً بين أوروبا وآسيا " ... " وغدتْ ممراً للغازين والمستعمرين خاضعة لهذا الفاتح أو ذاك دون أنْ تعرف استقلالاً تاماً او استقراراً حقيقياً منذ فجر التاريخ ... حتى مكانتها الدينية الرفيعة في الأديان الثلاثة كانت عاملاً سلبياً في نشوء كيان فلسطيني مستقل .. الى جانب ضيق رقعة فلسطين الجغرافية وانعدام السهول الخصبة الواسعة والمياه العذبة الوفيرة، كما هي الحال في مصر والعراق، مما حال ايضاً، كما يستنتج الباحث .. دون استقلالها سياسياً ، أو الظفر بكيان ذاتي متميز فعلاً. وهذا خلق معوقات للنهضة في فلسطين بوجه عام والنهضة الثقافية بوجه خاص ..في هذه المراجعة لهذا الكتاب القيم من المستحيل أنْ أسجل كل التفاصيل التي اعتمدها الدكتور جبران في بحثه واستنتاجاته، لبداية النهضة والعوامل السلبية في تعويقها .. ولكن من المهم الاشارة الى أنَّ العديد من الباحثين رأوا ما أكده هذا البحث من استنتاجات، وبأن ما انتج من أدب في فلسطين حتى بداية القرن العشرين كانت موضوعاته تقليدية لا تحمل سمات فلسطينية.الدكتور سليمان جبران لا يقبل استنتاجات بعض مؤرخي الأدب الفلسطيني الذين حدَّدوا بداية الأدب الفلسطيني بمنتصف القرن التاسع عشر، ويقدر أنَّ السبب قد يكون أنَّ هذا التاريخ كان بداية لظهور وانتشار مفاهيم القومية العربية ... ويؤكد رؤيته بأن الشعر الفلسطيني، بمعناه الوطني الدقيق ، لم يكتب قبل مطلع القرن العشرين .. أمَّا شعر القرن التاسع عشر، فلا يعكس مجتمعاً فلسطينياً وانتماءً فلسطينياً ، إنَّما هو شعرٌ اسلاميٌّ في معظمه، لم يجدد شيئاً في مفاهيم الشعر، أو مضامينه أو أساليبه.اما الاستناج المثير والهام برأيي فهو تأكيده أنَّ بداية الشعر الفلسطيني الحقيقية كانت في مطلع القرن العشرين، استجابة لأحداث كبرى ... أهمها المشروع الصهيوني الذي أخذ يتحقق للعيان، ثم الدستور العثماني ( 1908 ) ونشوب الحرب العالمية الأولى و"الثورة العربية الكبرى" ( 1916 ) ثم وعد بلفور ( 1917 ) حتى بداية الانتداب البريطاني ( 1922 ) – هذه هي الأحداث الكبرى التي هزَّت المجتمع الفلسطيني من الأعماق وشكَّلت العوامل الحاسمة في بلورة الانتماء الفلسطيني بعيداً عن الانتماء الاسلامي العثماني، ومتميزاً عن الانتماء القومي العربي. ويسجل جبران قصيدةً ( كتبت عام 1910 ) للأديب محمد إسعاف النشاشيبي، يرى أنها قد تكون أول شعر فلسطيني يكتب، رأيت أنْ أوردَها في هذه المراجعة: يافتاة جودي بالدماء بدل الدمع إذا رمْتِ البكاءفلقد ولَّت فلسطين ولم يبق يا أختَ العلا غير دماءأنَّ الاستعمار قد جاز المدى دون أنْ يعدوه عن سير عداءأنها أوطانكم فاستيقظوا لا تبيعوها لقوم دخلاءأذكروا إنْ غرَّكم مالهم عزة الأنفس دوما والإباء في القسم الثاني من الدراسة يتناول د. سليمان جبران موضوع: " الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب " وهي دراسة نقدية تحمل من الاثارة الثقافية والرؤية النقدية الموضوعية ما يستحق مراجعة أخرى مستقلة.ولكن المميِّز الأعظم لهذه الدراسة التاريخية الثقافية، هو وضع النهضة الثقافية الفلسطينية في مكانها وسياقها الصحيحين، برؤية موضوعية بعيدة عن الاستنتاجات العاطفية التي تغرق الكثير من الدراسات. ما أودُّ أنْ أسجلَّه إضافة لما سبق، ملاحظة عابرة، بأنَّ هذه الاستنتاجات أعادتني الى كتاب " الثقافة والامبريالية " للمفكر الفلسطيني الكبير، المرحوم إدوارد سعيد، حيث لاحظ أنَّ الثقافة الاستعمارية قادت دائما الى نشؤء " ثقافة مضادة " لدى الشعوب المغلوبة على امرها ( المستعمرة )، وأنَّ هذه الثقافة المضادة تطورت الى ثقافة وطنية لكل شيء، لها ميزاتها وأساليبها ومضامينها وطابعها الخاص.كتاب هام ونادر في موضوعه وموضوعيته، وهو يشكل قاعدة هامة لدراسة الأدب الفلسطيني والحياة الثقافية في فلسطين قبل النكبة وبعد النكبة، وخاصة تطور الشعر العربي والأدب العربي عامة داخل اسرائيل بعد (1948)، وهو الموضوع الذي يشغل الدكتور سليمان جبران الآن .. (1) كتاب " نظرة جديدة على الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب" للدكتور سليمان جبران ( إصدار منشورات الكرمل - جامعة حيفا / 2006 )(2) نبيل عودة- قاص ، روائي ، ناقد وكاتب سياسي / الناصرة – mostkbel@netvision.net.il

نظرة جديدة على الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب"

 دراسة أدبية تاريخية عن نهضة ونشوء الأدب الفلسطيني للدكتور سليمان جبران

 

بقلم : نبيل عودة

صدرت عن سلسلة منشورات الكرمل – جامعة حيفا ، ودار الهدى – كفر قرع دراسة نقدية أدبية تاريخية، هي الأشمل في موضوعها وموضوعيتها، تلقي الضوء، بمنهجية أدبية نقدية تاريخية علمية على نشوء ونهضة الأدب الفلسطيني، عبر دراسة للخصائص المميزة لهذا الأدب، والعوامل التي ساهمت في خصوصيته الوطنية والفنية ..

 

صاحب هذه الدراسة ، الدكتور سليمان جبران، هو ناقد وباحث أدبي معروف، وهو أستاذ الأدب العربي الحديث في جامعة تل أبيب، وكان رئيساً لقسم اللغة العربية وأدابها في الجامعة بين ( 1998 – 2002 )  ويرأس اليوم مجمع اللغة العربية في إسرائيل، وصدرت له كتب عدة من الأبحاث والدراسات الأدبية النقدية من أبرزها كتابه عن أحمد فارس الشدياق – " الفارياق : مبناه وأسلوبه وسخريته "( صدرت طبعته الثانية عن دار قضايا فكرية – القاهرة – 1993 ) وكتابه عن محمد مهدي الجواهري – " صل الفلا: دراسة في سيرة الجواهري وشعره" ( صدرت طبعته الثانية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت وعمان – 2003 ) الى جانب مؤلفات، أبحاث ودراسات مختلفة عن اللغة العربية وعن الأعمال الأدبية لأدباء عرب من إسرائيل وفلسطين وغيرها من الاقطار العربية ..

اعترف من البداية أنَّ هذا البحث فاجأني في عرضة واستنتاجاته، وفي عدم لجوء الباحث الى الاستنتاجات التي لا تعتمد على الحقائق الموضوعية، والامتناع عن صياغة المواقف بناء على الذاتية او الحماسة الوطنية التي تميز الكثير من الدراسات أو المراجعات الثقافية المشابهة ..

الباحث يلتزم بالحقائق والوقائع المثبتة، ولا يذهب نحو التأويلات الحماسية. من هنا أهمية هذا البحث، الذي دفع صاحبه الى قراءة كل ما وقع تحت يده من نصوص ومراجع ذات صلة، في مكتبات الجامعات والأصدقاء في البلاد وفي مكتبة الجامعة الأردنية في عمان، كما يشير الكاتب في مقدمته .

طبعا لن أتحدث عن كل مضمون الكتاب ( 217 صفحة من الحجم الكبير )، إنما ساحاول التعرض لأبرز ما يطرحه الباحث.

يقسم الباحث كتابه الى قسمين أساسيَّين، الأول ويشمل دراسة تتقصى المميزات المضمونية والأسلوبية، وتحديد نشوء ونهضة الأدب الفلسطيني بمفهومة أدباً وطنياً يعبِّر عن القضايا الوطنية للمجتمع الفلسطيني، وليس مجرد كتابات لا تحمل سمات فلسطينية، إنما سمات إسلامية عامة لا هوية وطنية له ..

ويعالج بتوسُّع الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب وشعراء هذه الحقبة التي بدأ يتجلَّى فيها الأدب الفلسطيني بمفهومه الجغرافي والاجتماعي كمعبِّر عن واقع فلسطيني بدأ يتبلور سياسياً واجتماعياً، وتقف أمامه تحديات مختلفة تهدِّد كيانه وصيرورته المستقبلية.

يشير الباحث الى كثرة عدد الشعراء من مطلع القرن العشرين وحتى النكبة، وهي الفترة التي يرى أنها كانت الحاسمة في نشوء الأدب الفلسطيني وتميزه القومي والجغرافي، ويتناول أربعة شعراء يرى أنهم يمثلون الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب خير تمثيل، سواء في مضامين هذا الشعر أو أساليبه الفنية، والشعراء هم: وديع البستاني، الذي يرى به رائداً للشعر الفلسطيني، والشاعر ابراهيم طوقان – شاعر فلسطين الأول، والشاعر عبد الرحيم محمود – الذي أتبع القول بالفعل، والشاعر عبد الكريم الكرمي -  الذي عاش نصف حياته مشرَّداً بعد نكبة فلسطين وهو شاعر الغنائية في الشعر الفلسطيني، كما يصفه.

القسم الثاني ملحق شعري لقصائد الشعراء الأربعة الذين تناولتهم هذه الدراسة ..

الفصل الذي يفتتح هذه الدراسة والمعنون بـ" نهضة الأدب الفلسطيني" هو رؤية ثقافية تاريخية، شديدة التركيز لنشوء ما صار يعرف اليوم بالأدب الفلسطيني. صحيح أنَّ فلسطين لم تعدم في تاريخها الأدب والأدباء، وهناك أسماء معروفة في الأدب الذي أنتجه أدباء عاشوا فوق الأرض الفلسطينية، ولكن السؤال الذي يشغل الباحث، هل يمكن اعتبار هذا الأدب أدباً فلسطينياً لأنه أنتِج جغرافياً فوق المساحة التي تعرف بفلسطين؟ أمْ  أنَّ لنشوء الأدب القومي (الفلسطيني في حالتنا، الذي يطرح قضايا المجتمع الفلسطيني، ومسائل المصير الفلسطيني) شروطاً ومميزات خاصة لم تكن قد نشأت تاريخياً ؟

أعتقد أنَّ هذا الفصل هو المميز الهامّ والأساسي في هذه الدراسة .... حيث يتابع  ما دار من نقاش في الصحافة العربية والفلسطينية حول الحياة الأدبية في فلسطين، وتجاهل العديد من الدراسات العربية لنشوء أدب فلسطيني وظهور أدباء فلسطينيين .. ويسجل ملاحظة هامة للدكتور اسحق الحسيني الذي كان سكرتيراً للجنة العربية الثقافية في فلسطين، التي نظمت المعارض والنشاطات الثقافية  المنوعة، وذلك بدءاً من الربع الأول للقرن العشرين وحتى النكبة، يشير فيها الحسيني الى أنَّ: "الناحية الثقافية في فلسطين لم تظفر بما تستحقه من عناية، ولم توضع في منزلتها من مظاهر الحياة الأخرى، ولم يعرف مبلغ تأثيرها في حياة الأمة .." الى أنْ يقول: "إنَّ الأمة العربية في فلسطين شاركت في قديمها وحديثها في التراث العربي مشاركة أصيلة".

الاستنتاج الذي يصل اليه الباحث أنَّ الأدب الفلسطيني حتى الأربعينات من القرن العشرين لم يظفر باعتراف الأوساط الأدبية المهيمنة في القاهرة وبيروت، بل اعتُبر رافداً تابعاً، حتى في نظر بعض أبناء البلاد أنفسهم .

ويستنتج الدكتور جبران أنَّ: "النظرة الموضوعية تقتضينا الاعتراف بأن النهضة الثقافية في فلسطين قد تأخرت فعلاً واختلفت عما شهدتْه مصر ولبنان من انبعاث ثقافي في العصر الحديث، وذلك لعوامل تاريخية هامة .."

يرى الدكتور جبران أنَّ: "أول هذه العوامل وأجلها خطراً ... هو أنَّ فلسطين لم تكن كياناً جغرافياً سياسياً متميزاً حتى الحرب العالمية الأولى، فقد كانت فلسطين بحدودها "الانتدابية" منذ الفتح الإسلامي، تشكل مع الأردن جندين من أجناد بلاد الشام  " .... " وفي الإمبراطورية العثمانية بقي هذا التقسيم مرتبطاً بوحدة بلاد الشام .. "

الإستنتاج الذي يصل اليه الباحث أنَّ فلسطين: "لم تكن في الواقع كياناً مستقلاً ، أو شبه مستقل، لا قبل الفتح الإسلامي ولا قبل المسيح في العصور القديمة أيضا " و " كان موقعها الهام وبالاً عليها بصفتها جسراً برياً يربط بين آسيا وإفريقيا أو بين امبراطوريات وادي الرافدين وامبراطوريات وادي النيل "..." وبحرياً بين أوروبا وآسيا " ... " وغدتْ ممراً للغازين والمستعمرين خاضعة لهذا الفاتح أو ذاك دون أنْ تعرف استقلالاً تاماً او استقراراً حقيقياً منذ فجر التاريخ ... حتى مكانتها الدينية الرفيعة في الأديان الثلاثة كانت عاملاً سلبياً في نشوء كيان فلسطيني مستقل .. الى جانب ضيق رقعة فلسطين الجغرافية وانعدام السهول الخصبة الواسعة والمياه العذبة الوفيرة، كما هي الحال في مصر والعراق، مما حال ايضاً، كما يستنتج الباحث .. دون استقلالها سياسياً ، أو الظفر بكيان ذاتي متميز فعلاً. وهذا خلق معوقات للنهضة في فلسطين بوجه عام والنهضة الثقافية بوجه خاص ..

في هذه المراجعة لهذا الكتاب القيم من المستحيل أنْ أسجل كل التفاصيل التي اعتمدها الدكتور جبران في بحثه واستنتاجاته، لبداية النهضة والعوامل السلبية في تعويقها .. ولكن من المهم الاشارة الى أنَّ العديد من الباحثين رأوا ما أكده هذا البحث من استنتاجات، وبأن ما انتج من أدب في فلسطين حتى بداية القرن العشرين كانت موضوعاته تقليدية لا تحمل سمات فلسطينية.

الدكتور سليمان جبران لا يقبل استنتاجات بعض مؤرخي الأدب الفلسطيني الذين حدَّدوا بداية الأدب الفلسطيني بمنتصف القرن التاسع عشر، ويقدر أنَّ السبب قد يكون أنَّ هذا التاريخ كان بداية لظهور وانتشار مفاهيم القومية العربية ... ويؤكد رؤيته بأن الشعر الفلسطيني، بمعناه الوطني الدقيق ، لم يكتب قبل مطلع القرن العشرين .. أمَّا شعر القرن التاسع عشر، فلا يعكس مجتمعاً فلسطينياً وانتماءً فلسطينياً ، إنَّما هو شعرٌ اسلاميٌّ في معظمه، لم يجدد شيئاً في مفاهيم الشعر، أو مضامينه أو أساليبه.

اما الاستناج المثير والهام برأيي فهو تأكيده أنَّ بداية الشعر الفلسطيني الحقيقية كانت في مطلع  القرن العشرين، استجابة لأحداث كبرى ... أهمها المشروع الصهيوني الذي أخذ يتحقق للعيان، ثم الدستور العثماني ( 1908 ) ونشوب الحرب العالمية الأولى و"الثورة العربية الكبرى" ( 1916 ) ثم وعد بلفور ( 1917 ) حتى بداية الانتداب البريطاني ( 1922 ) – هذه هي الأحداث الكبرى التي هزَّت المجتمع الفلسطيني من الأعماق وشكَّلت العوامل الحاسمة في بلورة الانتماء الفلسطيني بعيداً عن الانتماء الاسلامي العثماني، ومتميزاً عن الانتماء القومي العربي. ويسجل جبران قصيدةً ( كتبت عام 1910 ) للأديب محمد إسعاف النشاشيبي، يرى أنها قد تكون أول شعر فلسطيني  يكتب، رأيت أنْ أوردَها  في هذه المراجعة:

يافتاة جودي بالدماء

بدل الدمع إذا رمْتِ البكاء

فلقد ولَّت فلسطين ولم

يبق يا أختَ العلا غير دماء

أنَّ الاستعمار قد جاز المدى

دون أنْ يعدوه عن سير عداء

أنها أوطانكم فاستيقظوا  

لا تبيعوها لقوم دخلاء

أذكروا إنْ غرَّكم مالهم 

عزة الأنفس دوما والإباء

في القسم الثاني من الدراسة يتناول د. سليمان جبران موضوع: " الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب " وهي دراسة نقدية تحمل من الاثارة الثقافية والرؤية النقدية الموضوعية ما يستحق مراجعة أخرى مستقلة.

ولكن المميِّز الأعظم لهذه الدراسة التاريخية الثقافية، هو وضع النهضة الثقافية الفلسطينية في مكانها وسياقها الصحيحين، برؤية موضوعية بعيدة عن الاستنتاجات العاطفية التي تغرق الكثير من الدراسات. ما أودُّ أنْ أسجلَّه إضافة لما سبق، ملاحظة عابرة، بأنَّ هذه الاستنتاجات أعادتني الى كتاب " الثقافة والامبريالية " للمفكر الفلسطيني الكبير، المرحوم إدوارد سعيد، حيث لاحظ أنَّ الثقافة الاستعمارية قادت دائما الى نشؤء " ثقافة مضادة " لدى الشعوب المغلوبة على امرها ( المستعمرة )، وأنَّ هذه الثقافة المضادة تطورت الى ثقافة وطنية  لكل شيء، لها ميزاتها وأساليبها ومضامينها وطابعها الخاص.

كتاب هام ونادر في موضوعه وموضوعيته، وهو يشكل قاعدة هامة لدراسة الأدب الفلسطيني والحياة الثقافية في فلسطين قبل النكبة وبعد النكبة، وخاصة تطور الشعر العربي والأدب العربي عامة  داخل اسرائيل بعد (1948)، وهو الموضوع الذي يشغل الدكتور سليمان جبران الآن ..

 

(1)  كتاب " نظرة جديدة على  الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب" للدكتور سليمان جبران ( إصدار منشورات الكرمل - جامعة حيفا / 2006 )

(2)  نبيل عودة- قاص ، روائي ، ناقد وكاتب سياسي / الناصرة  – mostkbel@netvision.net.il  

 

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول