المجتمع التركي ضاق ذرعا بأخطاء أردوغان المتراكمة وتوجهاته التي تسعى إلى أسلمة الدولة التركية.
الأتراك متمسكون بالطابع العلماني للدولة
كما لفظ المجتمع المصري الإخوان من الحكم لمحاولتهم أخونة مصر وتغيير نمط حياة المصريين، فإن أخطاء أردوغان وحزبه المتراكمة وتوجهاته التي تسعى إلى أسلمة الدولة والتدخل في حياة الأتراك، هي القشة التي ستقصم ظهر حكومته وتزيحهم عن المشهد السياسي برمته.
فبعد صدور القانون الذي يقيد بيع الخمور واستهلاكها والذي غذى الاحتجاجات ضد الحكومة ثم المرسوم الذي يجيز وضع الحجاب في أماكن العمل الرسمية، طلع أردوغان على الشعب التركي بسعيه إلى منع مساكن الطلاب المختلطة في إطار الحفاظ على الأخلاق. ويذهب حقوقيون أن هذه المبادرة تثير صعوبات قانونية، فكيف يمكن للدولة التدخل في شؤون طلاب بالغين إن قرروا العيش معا فيما يضمن الدستور التركي بوضوح المساواة بين الجنسين والحريات الأساسية.
ويمكن أن يكون هذا التوجه البدايات الفعلية نحو السيطرة على مؤسسات الدولة تمهيدا لأخونتها، ذلك أن التنظيم العالمي للإخوان أبان عن رغبة دفينة في الانقضاض على الحكم وتغيير ملامح الدولة المدنية المؤسسة على الديمقراطية واحترام الحريات والخصوصيات الذاتية. ونعرض هنا لقرائنا الكرام موقفين متباينين من القضية الأول لرئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو الذي يرى أن همّ أردوغان بات ينصب على سبل إلغاء التعليم المختلط، وليس السكن المختلط فحسب، ويريد تحويل تركيا إلى بلد شرق أوسطي.
والثاني لنائب رئيس البرلمان التركي صادق ياقوت العضو في الحزب الإسلامي المحافظ الذي ذهب إلى أن بلاده قد ارتكبت خطأ عند سماحها بالاختلاط في المدارس.
أردوغان يعمل على تغيير الطابع العلماني لتركيا
تأكيد العقلية الديكتاتورية
يرى رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار أوغلو أن أردوغان يعمل جاهدا على تغيير الطابع العلماني لتركيا من خلال القرارات والقوانين التي يحاول أن تكون سارية المفعول في المجتمع التركي.
ويذهب كرد فعل على مشروعه الذي يدعو إلى منع الاختلاط إلى أن همّ أردوغان بات ينصب على سبل إلغاء التعليم المختلط، وليس السكن المختلط فحسب.
ويرى أن في الأساس ليست هناك مساكن جامعية مختلطة، هناك مساكن خاصة بالطالبات وأخرى بالطلاب، فمن أين يخترع هذا الواقع؟
ويحذر كيليتشدار أوغلو من أن الممارسات ضد النساء خلال عشر سنوات من حكم حزب العدالة والتنمية تضاعفت بنسبة 1400بالمئة.
ويدعو زعيم حزب الشعب الجمهوري النساء إلى مقاومة هذا الواقع ورفض ممارسة السياسة على ظهر زي المرأة وجسدها.
ويتهم كيلتشدار أردوغان بأنه يريد أن يحوّل تركيا إلى بلد شرق أوسطي، مذكرا بأنّ النساء في السعودية يخضن معركة لقيادة السيارة، ويخاطب النساء التركيات بالقول لا تتعجبن إذا جاء يوم تمنعن فيه من قيادة السيارة في تركيا.
وتوجه كيليتشدار أوغلو إلى أردوغان قائلا: كن رجلا.. لقد أصبحت في الستين من العمر، فكيف يمكن لك أن تنظر هكذا إلى قضية المرأة؟
ويسخر رئيس حزب الشعب الجمهوري، من تصريحات أردوغان قائلا: يبدو أن الأمر قد تشابه على رئيس الوزراء، وكان يتحدث عن أميركا.
وينتقد أوغلو سياسة أردوغان من التظاهرات بعد تدخل قوات الشرطة لإخلاء ميدان تقسيم وقال: إن قرار إخلاء الميدان والتدخل الشرطة ليس فقط جريمة ضد الديمقراطية ولكنه جريمة ضد الإنسانية.
ويؤكد أوغلو أن تركيا وصلت إلى هذه الصورة بسبب عقلية أردوغان الديكتاتورية وطموحه الشخصي، ويعبر عن احترامه للمتظاهرين الذين طالبوا بحقوقهم وحرياتهم بالطرق الديمقراطية. ويرى زعيم حزب الشعب الجمهوري أن رئيس الوزراء التركي يقسم تركيا على أساس النزعات الدينية .
ويقول: إن أردوغان ديكتاتور من العصر الحديث.. لم أر في حياتي رئيس وزراء بعيدا عن الثقافة والديمقراطية والعلم مثله. ويضيف كيليتشدار أوغلو إن أردوغان شخص انفصالي ويقسم المجتمع وأينما ترى طائفية يجب أن يكون أردوغان هناك.
ويرى كيليتشدار أن أردوغان يبدو كشخص متدين لكنه في الواقع تاجر ديني، متسائلا هل قال أردوغان أي شيء عندما كان يذبح آلاف المسلمين في العراق.
ويضيف إن الشخص المتدين يمتلك أخلاقا ويحب الناس الآخرين ويحترمهم لكن التدين في حزب أردوغان حزب العدالة والتنمية شيء مختلف.
كما ينتقد كمال كيليتشدار أوغلو بشدة سياسات رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان ضد سورية ووصفها بأنها قائمة على الخداع.
ويقول إن تأسيس السياسة الخارجية على قاعدة الخداع هو سياسة خارجية خاطئة وتلحق الضرر بمكانة تركيا في الشرق مشددا على وجوب إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع سورية وليس الدخول بحرب معها. ويصف كيليتشدار أوغلو أردوغان بأنه قناع للقوى الغربية في الشرق الأوسط مخاطبا إياه قائلا: إنك أداة بيد القوى الغربية والأداة تعني أنك تعمل لمصلحة الآخرين وحسابهم.
أردوغان يسعى إلى اعادة الهوية الإسلامية للبلاد
تركيا تسعى إلى تصحيح خطأ تاريخي
على عكس كمال كيليتشدار أوغلو يذهب نائب رئيس البرلمان التركي صادق ياقوت العضو في الحزب الإسلامي المحافظ إلى أن سياسة أردوغان تسعى إلى إعادة تركيا إلى هويتها الإسلامية.
ويرى أن الخطأ الكبير الذي ارتكبته تركيا يتمثل في السماح بالاختلاط.
وقد تسبب هذا الرأي في اندلاع جدال جديد حول مكانة الدين في تركيا العلمانية، بعدما قال: "إن بلاده قد ارتكبت خطأ لدى سماحها بالاختلاط في المدارس"، واعدا بتصحيحه.
ويقول ياقوت: "ارتكبت تركيا خطأ تاريخيا لدى سماحها بالمدارس المختلطة على غرار البلدان الغربية" بعدما أنشأ مؤسس تركيا الحديث مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية في 1923.
ويشدد ياقوت العضو الواسع النفوذ في حزب العدالة والتنمية (المنبثق من التيار الإسلامي) برئاسة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، على ضرورة "تصحيح" هذا الوضع، ملمحا إلى أنه سيتقدم بمشروع قانون لمعالجة هذا الأمر.
وطالب نائب رئيس البرلمان التركي، عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، بإلغاء التعليم المختلط بكافة مراحله بالمدارس التركية، مؤكدا أنه من الخطأ الكبير السماح لتعليم الأتراك بالمدارس المختلطة.
وقد نقلت صحيفة "ميلليت" التركية عن ياقوت تأكيده إجراء تعديل قانوني بالدورة البرلمانية القادمة لفصل الطلاب عن الطالبات بالمدارس في كافة المراحل، مشيرا إلى أن هناك عدة مدارس يتم فيها الفصل بين الجنسين ومنها مدرسة "غلطة سراي" للتعليم الفرنسي، والمدرسة الأميركية باسطنبول وهما للطلاب فقط، والمدرسة الإيطالية وهي للطالبات فقط.
ويذكر نائب رئيس مجلس الأمة صادق ياقوت أن المجلس يحاول وضع دستور يحافظ على الحريات الشخصية الأساسية ويكون أكثر حرية .
وينبه إلى أن مجلس الأمة يبذل قصارى جهده لصياغة دستور يمنح الأفراد أكبر حرية ممكنة ويشير إلى أن اللجنة المشرفة على صياغة الدستور تتكون من أعداد متساوية من جميع الأحزاب المنضوية تحت سقف مجلس الأمة. وأن تركيا تقوم لأول مرة في تاريخها بصياغة دستور مدني .
غير أن اللجنة البرلمانية المكلفة بتعديل الدستور التركي الموروث عن الانقلاب العسكري سنة 1980.
كما وعد رئيس الوزراء الإسلامي رجب طيب أردوغان، فشلت في مهمتها، وأن اللجنة البرلمانية التي كلفت بإعداد قانون أساسي جديد لم تتوصل إلى التوافق حول أي بند منذ أربعة أشهر و يبدو من الصعب صياغة دستور جديد قبل الانتخابات العامة المقررة في 2015 .
ويرى نائب رئيس مجلس الأمة أن التعديلات الدستورية التي يطالب بها نواب حزب العدالة والتنمية هي محاولة لتصحيح العديد من الأخطاء التي ضمنت في الدستور القديم حسب رأيه، وأن تركيا في عهد أردوغان تحاول أن يلبي الدستور جميع رغبات الأتراك، فمن حق المتدين أن يمارس شعائره بكل حرية.
لذا فإن قانون ارتداء الحجاب في الأماكن العمل الرسمية هو خطوة في اتجاه ترسيخ تلك الحريات.
ورغم أن النائب ياقوت أشار إلى أن موقفه من الاختلاط والتعليم يعبر عن موقف شخصي، إلا أن الكثيرين يؤكدون أن ذلك يعبر عن أراء كل نواب حزب العدالة والتنمية الساعي إلى ضرب أسس الدولة المدنية في تركيا والقضاء على مبادئ العلمانية التي لطالما دافع عنها الأتراك وحموها من كل من يحاول المساس بها.
الأتراك متمسكون بمبادئ العلمانية
يسعى أردوغان وحزبه العدالة والتنمية إلى تغيير ملامح تركيا العلمانية من خلال العمل على سن القوانين و إجراء التعديلات الدستورية. ويذهب مراقبون أن الهدف الحقيقي لتلك المساعي ليس ضمان الحريات ولا إرساء مبادئ الديمقراطية، بل إن الهدف الأساسي هو تغيير نمط حياة الأتراك والخروج عن الطابع العلماني للدولة التركية التي أسس معالمها كمال أتاتورك.
وتشير التوجهات السياسية التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية إلى ملامح تغيرات بدأت تتراءى للأتراك من خلال قمع المظاهرات المطالبة بالحفاظ على الحريات وعلى نمط العيش في تركيا و كذلك من خلال تبدل النظرة إلى كمال أتاتورك ودوره الأساسي في التاريخ التركي.
فقد أشارت صحيفة "حرييت" التركية إلى أن الذكرى 75 لرحيل مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية وزعيم الاستقلال، مرت بدون مراسم احتفال مشرقة كما كان الحال في السنوات السابقة.
ففد رفعت الحكومة صورته من على أعلى وسام في تركيا، كما تم إزالة واحدة من أكثر الشعارات المعروفة في مدينة ديار بكر الجنوبية الشرقية والمكتوب عليها "سعيد هو من يطلق على نفسه أو نفسها تركي".
وأضافت الصحيفة أنه هناك ردات فعل متزايدة ضد أتاتورك من قبل حزب العدالة والتنمية، فقادة الحزب يحذرون في تصريحاتهم العامة بشأن أتاتورك، ولكن تلميحاتهم مثيرة للاهتمام، على سبيل المثال يقول الرئيس عبد الله غول إنه لا توجد مشكلة في مدح أتاتورك، بينما يمتنع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عن استخدم لقبه وهو ما يعني أب الأتراك، ويفضل استخدام مصطفى كمال.
وتسعي حكومة أردوغان إلى تقييد حرية المرأة من خلال العديد من القوانين التي تحاول تكريسها في المجتمع.
وكما أشارت صحيفة "هافنغتون بوست" الأميركية فإن المرأة التركية لها أسباب كثيرة للوقوف في وجه حكومة أردوغان، بدءا من محاولة حكومته الإسلامية الحثيثة تجاه فرض الحجاب على المرأة، وإقرارها قوانين تمنع الإجهاض، وفرضه غرامات على المرأة التي تنجب أكثر من ثلاثة أطفال.
كما أظهرت استطلاعات للرأي أن العنف ضد المرأة خاصة جرائم العنف المنزلي وممارساته تزايدت بشدة في عهد أردوغان فضلا عن ارتفاع معدلات ما يعرف بجرائم الشرف وحالات الزواج القسري.
وعلى الرغم من توجهات أردوغان وحزبه فإن عددا من المحللين السياسيين يذهبون إلى أن إرث تركيا العلمانية الدستورية وإرث كمال أتاتورك سوف يحول دون أسلمة تركيا، بل على العكس فإن تركيا وشعبها تدير ظهرها للمحاولات البائسة لزعماء حزب العدالة والتنمية في أسلمة وأخونة تركيا العلمانية. فمعظم يشيرون إلى أنّ التظاهرات التي اجتاحت المدن التركية هي ليست احتجاجا على تحويل حديقة تاريخية إلى مركز ثقافي وتجاري فحسب، بل لأن حكومة أردوغان تمادت في الاستبداد، والتضييق على الحريّات الشخصيّة، وتقليص العلمانيّة، وتطبيق أحكام دينية تدريجيا، رغم وعوده في البداية أنّه حريص على العلمانية والحريّات الشخصية.
كذلك، استغل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الربيع العربي، فطرح نفسه مع دولة قطر، على أنّه من أنصار الديمقراطية في البلاد العربية، ويدعو إلى تصالح الإسلام السياسي مع الديمقراطية والحداثة.
وينظر العلمانيون في تركيا إلى الحجاب باعتباره شعارا لما يسمى "لإسلام السياسي"، ويعتبرون ارتداءه في الأماكن العامة تحديا للأسس العلمانية للجمهورية التركية التي أرساها مصطفى كمال أتاتورك، وفق رأيهم.
وتبدو محاولا ت أردوغان حثيثة لتغيير ملامح الدولة التركية لكن الأتراك الذين تشبعوا بمبادئ العلمانية لسنوات طويلة عازمون على التمسك بالخيار العلماني كنمط وحيد لتركيا. ذلك أنه لا أحد قادر الآن على تحويل اهتمامات الشعب التركي وتبديل حياته نحو الرؤية الإخوانية التي تقيد الحريات وتتدخل في الخصوصيات وتسن القوانين حسب مرجعيتها الدينية والتي تريد أن تجد لها صدى في مؤسسات الدولة.
لقد أحس الشعب التركي بالخطر الذي يمثله حزب العدالة والتنمية على قيم العلمانية التي عاش في ظلها الأتراك سنين طويلة وليس من السهل عليهم أن يتحولوا بين عشية وضحاها نحو رغبات أردغان وحزبه الساعين لفرض رؤاهم بشتى الأساليب.
وكانت التحركات الاجتماعية في جوهرها تعبير عن رفض لسياسة أردوغان ولمنطقه الديكتاتوري الذي ينشد السيطرة والتمكين.