المتنبي ذلك الاسم الذي بمجرد سماعه أول ما يتبادر إلى أذهان الجميع واحدًا من أهم وأعظم شعراء العرب الذي لمع صيته على مر العصور نظرًا لعظمة شعره بمختلف أنواعه، فهو يعد حقًا من أفضل من أتقن اللغة العربية بقواعدها ونجح في استغلالها بالشكل الأمثل في الشعر إلى جانب إبداعه الغير محدود في صياغة الكلمات بشكل قوي ومحكم، تجعل من يقرأ أو يستمع لشعره يشعر بالإبداع الحقيقي إلى جانب المتعة.
فهو يختلف كثيرًا عن غيره من شعراء ذلك العصر الذين اعتمدت أشعارهم في الغالب على التكلف والتصنع في إيصال المعنى فعلى الرغم من تفقه المتنبي الشديد في مفردات اللغة إلا أنه كان يحرص دائمًا على البساطة والوضوح في أبياته الشعرية مع الابتعاد نهائيًا عن التكلف المبتز.
أهم ملامح نشأة المتنبي
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أو كما عرفه الجميع باسم أبو الطيب المتنبي، والذي ولد عام 303 هجريًا في مدينة الكوفة، حيث كان ينتمي إلى قبيلة كندة أشهر قبائل مدينة الكوفة في ذلك الوقت، وعاصر أزهى عصور الحضارة الإسلامية التي أثرت عليه بشكل كبير وكان لها دورًا كبيرًا في تنمية موهبته الشعرية منذ الصغر، حيث بدأ الشعر وهو في صغره وقام بكتابة بعض الأبيات التي تم حفظها في بعض الدواوين الخاصة به، وأخذ على عاتقه دراسة الشعر العربي وأصوله وبالأخص دراسة شعر أبي تمام والبحتري، فكان المتنبي يشتهر أيضًا بسرعة حفظه لأي كتاب بمجرد النظر إليه للمرة الأولى فقط، حتى أنه نجح في حفظ ما يقرب من 30 صفحة في أحد الكتب منذ النظر إليه للمرة الأولى.
أهم النقاط البارزة التي ساهمت في تحول حياة المتنبي وشاركت في تنمية موهبته الشعرية
عُرف المتنبي دائمًا بالشغف والتطلع لتعلم المزيد والمزيد في بحور الشعر العربي، فكان دائمًا يعيش في رحلة بحث مستمرة ويتنقل بين المكان والآخر ليعمق معرفته الشعرية، فلم يستقر في الكوفة إدراكًا منه لأهمية السعي والتنقل بين العديد من الأماكن لاكتشاف كل ما هو جديد وإثراء موهبته في حلقات الشعر والأدب العربي المختلفة، وبعد ذلك نجح المتنبي في احتراف الشعر وبدء بمدح كبار رجال الدولة في كلًا من الكوفة وبغداد، ثم بدء يتقرب إلى الأمراء وكبار رجال القبائل والتودد إليها ببعض الأبيات الشعرية، إلا أنه قد وقع في ذلك الوقت في خطأ فادح تسبب في الزج به بين جدران السجون، حيث قام بالتدخل في أخطر القضايا الشائكة بين الكوفة والشام، وقام عدد كبير من الناس بإتباعه،مما دفع الأمراء في ذلك الوقت بالحكم عليه بالسجن حتى لا يستشفي الأمر.
كان لدخول المتنبي السجن أثرًا كبيرًا عليه وعلى شخصيته، حيث كان دائم القلق والخوف ويعتريه شعور الإحساس بالظلم وفشله في تحقيق أحلامه، وبعد خروجه من السجن استئناف من جديد رحلة بحثه بين المدن حتى استقر في أنطاكيا، وأصبح في تواصل دائم مع سيف الدولة وظل يمدحه فترات طويلة، الأمر الذي أثر عليه بالإيجاب في جميع نواحي الحياة مما وفر له حياة كريمة ساعدته كثيرًا في إثراء شعره، وأصبح من أشهر الشعراء وأكثرهم تميزًا في تلك الفترة، الشيء الذي استفز عدد كبير من الشعراء الآخرين وجعلهم يتجهوا إلى محاولات إحداث الوقيعة بين المتنبي وسيف الدولة حتى يتم إزاحة المتنبي عن طريقهم، وبالفعل نجحوا في إحداث تلك الوقيعة وتم انفصال المتنبي عن سيف الدولة وتحول مديحه له إلى عتاب.
لم يسلم المتنبي طوال حياته من مؤامرات الوقيعة التي يحدثها الآخرين بينه وبين الولاة، فعقب تدهور علاقته مع سيف الدولة في أنطاكيا، فكر المتنبي في الرحيل إلى مصر رغبة منه في الوصول إلى الولاية، مما جعله يقدم العديد من التضحيات والتنازلات في سبيل تحقيق هذا الحلم، إلا أنه كان دائمًا ما يشعر بالوحدة في مصر الأمر الذي جعله يشتاق دائما إلى سيف الدولة ونظرًا لما عرف عنه بالصراحة الشديدة وعدم قدراته على إخفاء مشاعره في أبياته الشعرية بدء يعبر عن هذا الاشتياق، مما جعل البعض يستغل هذا الأمر في الوقيعة بين المتنبي ووالي مصر في ذلك الوقت، وتم النجاح في الأمر وفشل المتنبي في تحقيق الحلم الذي أتي به إلى مصر، وبدء يهجو وينتقد والي مصر انتقادًا حادًا.
أجمل القصائد والأبيات الشعرية للمتنبي
تميزت جميع قصائد المتنبي بالروعة وخفة الأسلوب والكلمات، حيث علق الكثير منها في أذهاننا جميعًا، فقد برع في جميع المجالات الشعرية والتي من أبرزها شعره في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك .. ومن أبزر أبياته الشعرية:
• "أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي …. وأسمعت كلماتي من به صمم”.
• “الخيل والليل والبيداء تعرفني …. والسيف والرمح والقرطاس والقلم".
• "فــرُبَّ كَــئِيبٍ لَيسَ تَنـدَى جُفونُـهُ ورُبَّ نَــدِيِّ الجَــفنِ غــيرُ كَـئِيبِ".
• "ومـن صَحِـبَ الدُنيـا طَـويلاً تَقَلَّبَـتْ عـلى عَينِـهِ حـتَّى يَـرَى صِدْقَها كِذْبا".
• "أَرَى كُلَّنــا يَبغِــي الحَيــاةَ لِنَفْسِـهِ حَرِيصـاً عليهـا مُسْـتَهامًا بِهـا صَبَّـا فحُــبُّ الجَبــانِ النَفْسَ أَورَدَهُ البَقــا وحُـبُّ الشُـجاعِ الحَـرْبَ أَورَدَهُ الحَرْبا ويَخــتَلِفُ الرِزْقــانِ والفِعـلُ واحِـدٌ إلـى أَنْ تَـرَى إِحسـانَ هـذا لِـذا ذَنْبا".
• "وكــــم ذَنْـــبٍ مُوَلِّـــدُهُ دَلالٌ وكـــم بُعـــدٍ مُوَلِّــدُهُ اقــتِرابُ وجُـــرمٍ جَــرَّهُ سُــفهاءُ قَــومٍ وَحَــلَّ بِغَــيرِ حارمه العَــذابُ".
• “وأَظلَـم أَهـل الظُلْـمِ مَـن بـاتَ حاسدًا لِمَــن بــات فــي نَعمائِـهِ يَتَقَلـبُ”.
• "وغايـــةُ المُفْــرطِ فــي سِــلْمِهِ كَغَايـــةِ المفُــرطِ فــي حَرْبِــهِ فَـــلا قَضَــى حاجَتَــهُ طــالِبٌ فُـــؤادُهُ يَخـــفِقُ مــن رُعْبِــهِ".
• "إذا رأيت أنياب الليث بارزة .. فلا تظن أن الليث يبتسم
• إذا أنت أكرمت الكريم ملكته .. وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا".
• "فَــاطْلُبِ العِـزَّ فـي لظَـى وَدَعِ الـذُّل وَلَــو كــانَ فـي جِنـانِ الخـلُودِ يقتــل العـاجِزُ الجبَـانُ وقَـد يَـعـ جــزُ عَــن قَطْـعِ بُخْـنُقِ المولـودِ".
فدائمًا وأبدًا ما يظل المتنبي من أفضل ما أنجبت الأمة العربية في مجال الشعر والأدب العربي، ومهما مر من الزمان ستبقى قصائده وأبياته الشعرية فخر ممتد إلى جميع الأجيال.