حكم الحياة من الصعب جدًا الحديث عن باب حكم الحياة ، في مقالٍ من عددٍ من الأسطر، مهما طالت، وبعددٍ من الكلمات، مهما كثرت، فإنها لن تعطي المعنى الحقيقي لـ " حكم الحياة "، فالحياة ملئ بالكثير من الحكم والمواقف، التي تُعلم الإنسان كل يوم، بل وكل ساعة شأنًا جديدًا من شؤون حياته.
ولا يمكن اختزالها في مقالٍ أو في مجموعة من الكلمات، إلا أن يمكن أن نعطي نبذة مختصرة عن أهم وأبرز حكم الحياة ، في موجزٍ مبسطٍ نحاول من خلاله الإلمام بأهم العناصر والجوانب في الموضوع، دون إفراطٍ أو تفريط.
تعريف الحكمة
قبل أن نخوض في سرد حكم الحياة ، وما أكثرها، بوسعنا أولًا الحديث عن مفهوم الحكمة وتعريفها، وإن كان ذلك من الأمور المُختلف عليها، باختلاف الموضوع الذي تتناوله الحكمة، إلا أننا يمكن سرد مفهوم عام، يكون جامعًا لكل كافة صنوف الحكمة، ومانعًا لاختلاط المفاهيم حولها.
فالحكمة كما يُعرفها بعض العلماء والباحثين، هي باب مهم من أبواب العلم، يبرز من خلاله حقائق الأشياء، كما خلقها الله عز وجل في الدنيا، وما هي عليه وفقًا لتقدير البشر وحجم قدراتهم، وهي علم نظري غير آلي أو تطبيقي.
ويمكن تعريف الحكمة أيضًا على كونها هيئة القوة العقلية العلمية التي تتوسط بين الغريزة التي تتملك الإنسان في كثيرٍ من الأحيان، فهي الضابط لسلوك الإنسان في هذا المقام، ما بين حالتين من الإفراط في مجالٍ معين، أو التفريط فيه على النقيض من ذلك على نحوٍ يوصل الإنسان إلى حد البلادة فيه.
وإذا أردنا أن نعرج على رأي الدين في الحكم، فبوسعنا الرجوع إلى أصلها في الدين الإسلامي، فقد فسرها الإمام ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه، بأن الحكمة في القرآن الكريم، تتعلق وترتبط بالأساس بتعلم الحلال والحرام.
أما في اللغة العربية، فهي تجمع بين معنيين رئيسيين، هما العلم مع وجود العمل، وفي هذا السياق قيل أيضًا، أن الحكمة تتلخص في حجم الاستفادة التي تعود على الشخص في مجالٍ ما، وفقًا للطاقة البشرية.
وعن الحكمة قيل أيضًا، أن أي كلامٍ وافق العقل والمنطق والحق فهو بابٌ من أبواب الحكمة، وقيل أيضًا أن الحكمة، هي الكلام المثقول المفصل والموجز في نفس الوقت والبعيد عن الثرثرة والحشو الكثير، وفي الحكمةِ قيل أيضًا، هي وضع الأشياء في موضعها الصحيح، وكذلك هي ما له عواقب تكون محمودة ومقبولة.
ومن الحكمة، أُخذ مصطلح "حكيم"، فهي تصف الشخص الذي تتوافر فيه السمات السابقة، من رجاحة العقل، وقبوله مع المنطق والحقيقة، وكذلك كلامه البعيد عن الثرثرة والحشو الذي لا معنى له، فالحكيم هو ذات الشخص الذي بوسعه أن يرجح كفة الأمور تجاه الصواب، بما يمتلكه في عقله وفي حياته من خبراتٍ طويلة، وتجارب لا حصر لها مر بها في حياته.
وتاريخ البشرية يذخر بالعديد من الأسماء والشخصيات، من بين من يمكن وصفهم بالحكم، سواء من العرب أو من غيرهم، حيث تصبح الحكم جزءًا أصيلًا لا يتجزأ من العادات والتقاليد التي ينبغي على الإنسان مراعاتها خلال تأديته لأعماله اليومية، بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو عقيدته أو عرقه وقوميته التي ينتسب إليها.
فالحكمة في أسمى معانيها، هي عمل ما ينبغي فعله وما يجب الإقدام عليه، أي بمعنى أدق، هو وضع الأمور في قالبها الصحيح، وفي نصابها السليم، فالحكمة إذن يصلح الكثير منها للتطبيق في كل زمان ومكان، ومنها ما يصلح للتطبيق في زمانٍ بعينه، وفي ظروفٍ محددة، كما أن الحكمة تتنوع أبوابها ومجالاتها.
حكم الحياة
وإذا أردنا الحديث عن بعضٍ من أشهر حكم الحياة العظيمة، فيمكننا أن نرد في ذلك أقوالٌ مأثورة، من أفواه الحكماء في كلِ زمانٍ ومكانٍ، كما يمكننا أن نعود إلى نصوص ثابتة في القرآن الكريم أو السُنة النبوية المطهرة، مع تفصيلٍ مبسطٍ وشرحٍ لأهم معاني تلك الحكمة، وذلك من خلال السطور التالية.
فالحكمة في أسمى معانيها، هي خلاصة وعصارة تجارب حياتية عديدة عاشها الإنسان، ونتاجًا لحوادث ونوازل كثيرة عاصرها الإنسان ومر بها، وقد تأتي أحيانًا متوافقة لحالة معيشية معينة عاشها الشخص، فمنحته إلهامًا بعد تفكيرٍ عميق، وتدبيرٍ للأمور، فحولت منه من إنسانٍ نمطي، إلى شخص يمتلك من الرصانة والعقل والمنطق الكثير،
فالحكمة أيضًا هي نتاج لقناعة راسخة في عقل الإنسان، وهي أيضًا، نظرةٌ في المصير الذي يتعرض له الإنسان، وفقًا للأحداث التي يمر بها، كما أنها خلاصة لعاقبة تكاد تكون متوقعة على نحوٍ كبيرٍ، بعد استبصارٍ لشكل المستقبل، وما سيكون عليه الحال، وفقًا للواقع ومقتضياته.
من أشهر حكماء الأمة، هو نبي الله أيوب، الذي جاء ابتلاه بالمرض الشديد، الذي طال أمده، فصبر عليه، حتى أصبح به حكيمًا يرجع إليه الناس في شؤونهم، فمن أشهر ما قال أيوب في الحكمة، حيث تسأل مستنكرًا عن الحكمة، ومكان وجودها، وعن الفطنة ومقرها، مستغربًا عدم إلمام الإنسان به، أو منحها ما تستحق من الاهتمام.
نماذج من حكم الحياة على لسان المسلمين الأوائل
من أشهر الحكماء في التاريخ القديم، هو سيدنا لقمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فهو رجل، اختار الله واصطفاه، فأنار بصيرته في الحق، وكان حكيمًا بين بني قومه، كما عاصر نبي الله داود، وقد ذكر اسمه كثيرًا في القرآن الكريم، إلى الحد الذي وضعت باسمه سورة قرآنية كاملة، ويعود أصله إلى سيدنا أيوب عليه السلام، فاسمه الكامل هو لقمان بن ياعور، وهو ابن أخت سيدنا أيوب، أو ابن خالته، وفقًا لبعض الروايات، ويعود أصله إلى مدينة أسوان في صعيد مصر، وقد كان لسيدنا لقمان عشر حكمٍ ذكرها لابنه، من بين ما نُقل عنها قوله:
• "إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فعليك بالافتخار بحسن الصمت، فالصمت أحيانًا قد يكون أصدق الحديث".
• كما قال لقمان الحكيم، أن هنالك ثلاثة أشخاص لا يعرفون إلا في ثلاثة مواقف، وهم الشجاع في الحروب والنازلات، والكريم حين الحاجة إليه، والحليم في أوقات الغضب.
• وقال لقمان أيضًا مطالبًا ولده بالكف عن الكثير من الاعتذارات، حيث أن الكذب كثيرًا ما يصاحب الأعذار الكثيرة.
ومن بين ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، من الأحاديث النبوية الشريفة في الحكمة، وإن كان من باب الأمانة العلمية، الحديث هذا قد ضعفه كثيرٌ من أهل الحديث وعلماؤه، حيث قال "الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق الناس بها"، إلا أنها تكاد تكون صادقة في كل معانيها.
هذا ما كان بوسعنا ذكره في بابٍ كبيرٍ من أبواب، حكم الحياة الكثيرة، وهو مجال لا يمكن اختزاله كما ذكرنا سلفًا في مقالٍ واحدٍ ، أو ربما في عدة مقالات، لتشعباته الكثيرة، وانفتاحه على الكثير من المجالات، لكن يمكن الاستعانة بهذا المجال، لأخذ نبذة مختصرة وسريعة عن ذلك الباب الهام من أبواب الحكمة.