المحامية هديل جلاجل عزام
لا يخفى على كلّ متابعٍ للسياسة الإسرائيلية تراجع العمل السياسي للأحزاب التي تعرّف نفسها باليسارية وانعدام مقدرتها على التأثير على مجرى الحياة، السياسية كما الاجتماعية، داخل الخط الأخضر. في ظلّ هذا التراجع وانعدام الحيلة، يبقى السؤال عن الأطر البديلة لتغيير الأوضاع المعيشية الراهنة يراود هواجس وأفكار بعضنا بين الفينة والأخرى، فمنّا من يجد له إجابة ومنّا، أو لربما معظمنا، نظلّ تائهين حائرين ننتظر الأشياء دون البحث حقًا عنها؛ ولأنه ما من حلولٍ سحريةٍ لما نعيشه هنا، فاليأس والاستسلام هما عدوّان توجّب تجنبهما ورفضهما. في تموز من العام الماضي، ٢٠١٨، وجدت أخيرًا الإطار الذي لطالما صوّرته لي مخيلتي، فأصبح بيتي السياسي والاجتماعي الذي له أنتمي بصدقٍ خالص – ألحراك الشعبي الميداني العربي-اليهودي "نقف معًا".
منذ حُسِمت نتائج الانتخابات الإسرائيلية عشية التاسع من نيسان الجاري، ومع تفاقم الامتعاض والخيبة والبحث عن السبل البديلة، انضمّ لحراك "نقف معًا" أكثر من خمسمائة عضو وعضوة جدد، معظمهم المطلق من اليهود. كعربية أتساءل ما الذي يمنعنا كعرب من الانخراط بهكذا إطار؟ هل هو عدم ملاحظته أو معرفته؟ هل هو عدم الاكتراث بما يجري من حولنا؟ هل فقدنا إيماننا بأنه بإمكاننا فعل شيء ما؟ أو ربّما صراع البقاء الذي نعيشه لم يبقِ لنا فسحةً للنشاط الجماهيري؟ أو أن مصطلح "الشراكة العربية-اليهودية" يخيفنا؟ هذا المقال سيعرض غيض من فيض النضالات التي شارك بها، بل وغالبًا ما قادها، حراك "نقف معًا" والتي تخصّ المجتمع العربي في البلاد على وجه الخصوص، وذلك بهدف كشف هوية ونوايا الحراك وتحفيز الجماهير العربية على النشاط الميداني والأهلي وعدم الاستسلام للواقع الذي فرضته علينا سلطة اليمين المتطرفة، آملةً منا تقبله دون اعتراض.
خلال العام الماضي شارك "نقف معًا" في النضال من أجل القرى غير المعترف بها وضد سياسات هدم بيوت المواطنين
خلال العام الماضي شارك "نقف معًا" في النضال من أجل القرى غير المعترف بها وضد سياسات هدم بيوت المواطنين العرب في النقب. يؤمن الحراك بأن حكومة يمينيّة هي حكومة تعمل على خدمة ُخَب المال والاستيطان؛ وبهدف زيادة ثروات رؤوس الأموال، فإن هذه الحكومة مستعدة لنزع المواطن العربي أغلى ما يملك – بيته – بغية بناء مصانع على الأرض القائم عليها. بالإضافة فإن الحكومة ذاتها تسعى لتوسيع الاستيطان اليهودي في كل بقعة بالبلاد على حساب مسطحات البلدات العربية، لذا فإنها تهدم بيوت وتشرّد عائلات من أجل إقامة بلدات جديدة لليهود فقط، الأمر الذي بات قانونيًا بعد تشريع قانون القومية. من هذا المنطلق، ولأننا نسعى لتعزيز القيم الاشتراكية والمساواة التامة بين جميع من يعيشون هنا، نتواجد في كل ساحة نضال متاحة تخص حقوق المواطنين العرب بالنقب.
بالإضافة، كان لحراك "نقف معًا" دورًا بغاية الأهمية بتنظيم المظاهرات الضخمة التي انطلقت في صيف عام ٢٠١٨ ضد قانون القومية - ما قبل وما بعد سنّه. يعتبر هذا القانون من أكثر القوانين بشاعة، عنصرية وفاشيّة، لذا فإن التصدي له تصدّر سلم الأولويات في الحراك بأواسط العام الماضي، بينما تصدرته مواجهته بشتى الوسائل الممكنة في المنتصف الثاني لعام ٢٠١٨ وحتى يومنا هذا.
خلال فترة الانتخابات البرلمانية خاض الحراك حملة واسعة لتشجيع الشراكة السياسية العربية-اليهودية بالتعامل معها كشرط أساسي للتصدي لليمين الفاشي، كما وهدفت الحملة لتشجيع المواطنين العرب على ممارسة حقهم بالانتخاب. خلال الحملة هذه حارب الحراك حملات انتخابية شملت تفوهات ورسائل عنصرية اعتمدت كدعاية لها نزع الشرعية من المواطنين العرب ومن ممثليهم في البرلمان. في يوم الانتخابات، بينما حاول اليمين ترهيب المواطنين العرب من الإدلاء بصوتهم بواسطة زرع كاميرات في صناديق الاقتراع بالبلدات العربية، تنقّل نشطاء الحراك، عرب ويهود، بين هذه البلدات لتشجيع الناس على التصويت.
دعا الحراك في الشهر الماضي لوقفة احتجاجية نظمتها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية
هذا وقد دعا الحراك في الشهر الماضي لوقفة احتجاجية نظمتها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية على مدخل سجن النقب الصحراوي، تنديدًا بسياسات القمع والعنف تجاه الأسرى الفلسطينيين داخل السجون. منذ ذلك الحين تلقّى الحراك هجمات واسعة النطاق اتهمته"بدعم الإرهاب والمخربين". في هذا السياق أوضح الحراك مرةً تلو الأخرى أن حقوق الإنسان هي حقوق طبيعية يجب عدم المساس بها تحت أي ظرفٍ كان – في السجون أيضًا، وأنه يقف خلف مواقفه بشكلٍ تام.
ألنضالات أعلاه وغيرها – كالنضال ضد غلاء المعيشة، النضال ضد العنف تجاه النساء، النضال ضد ترحيل طالبي اللجوء، النضال على حقوق مجتمع الميم وغيرهم – تخصّ كل شخصٍ يعيش هنا. ألمستفيدون هم اثنين فقط: المستوطنون ورؤوس الأموال، ذلك بينما نخسر جميعنا. حراك "نقف معًا" يعنى بأمورنا الحياتية البسيطة بظلّ التعقيدات الجمة الموجودة من حولنا. ليس عبثًا انضم أكثر من خمسمائة شخص للحراك منذ يوم الانتخابات فقط. كلّ من يرى بالنضالات التي يقودها الحراك شأنًا خاصًا به وبأبنائه عليه أن يؤمن أيضًا بضرورة وجود هكذا حراك. ألنظر من بعيد لا ولن يحرك أمرًا. قوموا وافعلوا شيئًا. كونوا شريكين وشريكات في تحديد مسار حياتكم وبتغيير الواقع. إنضمّوا لحراك "نقف معًا".
كتبت المقال هديل عزّام-جلاجل، محامية وعضوة ناشطة في قيادة حراك "نقف معًا"