بقلم الأستاذ يوسف كيال
يجب أن تتوفر أربعة شروط أساسية ليكتب للحراك الشعبي النجاح، أولها شمولية الحراك، بمعنى أن يتكون الحراك من كافة قطاعات المجتمع على اختلاف انتماءاتهم سواء كانت سياسية، أو إجتماعية أو فكرية أو أيدلوجية، وأي تفرد لفئة في التحرك دون الآخرين أو نأيٍ لفئة معينة يترتب عليه استفراد السلطة الحاكمة بهذه الفئة، وأي تخلف لفئة يترتب عليه إقصاؤها عند جني الثمار إذا تحققت المطالب ونجح الحراك في مسيرته.
ثاني هذه الشروط هو وجود قيادة ذات مصداقية ومحل إجماع وموجهة للحراك وهي العنوان الموحد، وهذه القيادة يجب أن تكون موضوعية ومعبرة بصورة كاملة عن مطالب الجماهير، وتكون مرجعيتها الجماهير فقط ومحصنة من أي تأثير خارجي.
هناك نضالات جماهيرية من التاريخ فشلت بسبب القيادة رغم الثمن الغالي الذي قُدِّمَ من شهداء وجرحى ومعتقلين ونازحين ومهجرين ودمار بسبب خلل في القيادة، وثالث الشروط توفر استراتيجية واضحة ينتهي الحراك عند إنجازها وتحقيقها كاملة غير منقوصة ولا يخضع تحقيق هذه المطالب لأي مساومة وإلا فلن يُكتب النجاح للحراك وقد يترتب عليه انعكاسات سلبية.وإن تجربة الجزائر والسودان في هذه الأيام تخضع بصورة واضحة لهذا الإختبار .
أما رابع الشروط فهو وجود إستراتيجية نضال واضحة وعملية واستعداد للتضحيات ، فلا يعقل أن تكون هبة جماهيرية غير مسبوقة تصبو لإحداث تغييرات كبيرة على مستوى استعادة أرض أو تغيير نظام حكم أو رفع الظلم الممنهج أو نيل الحرية ويُتوقع أن تكون ردة الفعل من السلطة الحاكمة وردية ومتماهية، وهناك الكثير من الأمثلة من تاريخ هبات الشعوب التي انتصرت وحققت أهدافها بعد دفع الأثمان الغالية وعبدت الدماء والسجون فيها الطريق للوصول إلى الأهداف مثلما حدث في نضال السود في جنوب أفريقيا ضد نظام الأبرتهايد أو حراك الشعب الروماني ضد شاوشسكو أو يوم الأرض سنة 1976 أو كما حدث في بداية حراك السودان وقبل هذه الأمثلة كما حدث لأنصار النبي صلى الله عليه وسلم أول أيام الجهر بدعوته.
وللحراك الشعبي إيجابيات كثيرة فهو يرفع من مستوى الوعي لدى كافة قطاعات المجتمع فيرتقي مستوى التفكير والسلوك والإنتماء والهم ما يكفل تجنب أبناء المجتمع إلى حد بعيد الانشغال بالظواهر الإجتماعية السلبية،كالعنف والسرقة والإعتداءات على حرمات الآخرين، أيضا الحراك يساعد على تقوية الروابط بين أبناء المجتمع والتماسك والتكافل الإجتماعي .
الحراك الجماهيري أيضا له تأثير إيجابي على السلطة الحاكمة فهي لا تستطيع مقاومته وثنيه عن مطالبه ولا تصمد كثيراً أمامه، وللحراك كذلك تأثير إيجابي على المجتمعات الأخرى التي تمر بنفس المعاناة أو أشكال معاناة أخرى فيصبح الحراك مصدر إلهام لهذه المجتمعات كما انعكس الحراك التونسي على الشعوب العربية الأخرى .والحقيقة للحراك الجماهيري آثار ونتائج أخرى إيجابية ومؤثرة كثيرة لا يتسع المقال لسردها بتفاصيلها...
إذن فهو الحراك الجماهيري ، ليس مجرد واحدة من محطات النضال بل أهمها .
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.