الحرب الباردة هي مصطلح أطلق على الحروب بين القوى الكبرى بدون حدوث معارك مباشرة بينها، بل عن طريق المناورات والتحالفات العسكرية والسياسية والدعاية والتجسس وحشد الأسلحة والمساعدات الاقتصادية والحروب بالوكالة بين الدول الأخرى.
في الحرب العالمية الثانية تحالف الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ضد ألمانيا النازية، ظهرت بعدها توترات واضحة بين الحلفاء لإظهار مدى النفوذ والقوة والتفوق السياسي والعلمي، وبدأت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في صراع طويل الأمد مازالت آثاره حتى يومنا هذا.
أسباب الحرب الباردة
- التسابق للتسلح
نتيجة لاختبار الاتحاد السوفيتي لأول قنبلة ذرية في عام 1949، بدأ السباق بين الحليفين السابقين لتجميع أقوى الأسلحة النووية. وفي عام 1953 بدأت القوتين باختبار القنابل الهيدروجينية وبدأ التنافس في الإنتاج وعمليات البحث، واستخدمت الأسلحة النووية كرادع في الحروب وليست سلاحًا، وظهرت نظرية التدمير المتبادل (MAD) التي تنص على أن “الأسلحة النووية لن تطلق من جانب إلّا إذا كان الجانب الأخر هو الذي بدأ بالإطلاق”. وكان هذا من أبرز مظاهر الحرب الباردة وقتها.
- ظهور الاختلافات الإيديولوجية
ظهر الانقسام الإيديولوجي الذي نشأ منذ الحرب العالمية الأولى واضحاً في مؤتمري السلام في يالطا وبوتسدام في عام 1945، وهدفت المؤتمرات الى مساعدة الحلفاء على تقرير ما سيحدث لأوروبا وخاصة ألمانيا في نهاية الحرب الثانية. مع ظهور الشيوعية في روسيا عام 1917 زادت الخلافات بين الحلفاء والتي حلت محل حكومة روسيا المؤقتة حيث قام البلاشفة بسحب روسيا من الحرب العالمية الأولى وتركوا بريطانيا وفرنسا للقتال وحدهما.
بعد ذلك ظهرت الرأسمالية مقابل الشيوعية وكانت الأنظمة السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية الرأسمالية والاتحاد السوفيتي الشيوعي غير متوافقة، ففي الدولة الرأسمالية يكون الاقتصاد غير خاضع لسيطرة الدولة ويتم انتخاب الحكومة بطريقة ديمقراطية، أما في الدولة الشيوعية فتكون الحكومة مسيطرة على الاقتصاد والمجتمع بشكل حازم، وكل من الجانبين يحاول إقناع الدول بأيديولوجياته المتبعة لتحقيق مكاسبهم الخاصة.
ستالين تحالف مع هتلر عام 1939 عبر الميثاق النازي السوفيتي، ما ادى لزيادة التوترات بين الحلفاء لعدم التأكد من ولاء ستالين، وكان ستالين غاضباً لأن الولايات المتحدة وبريطانيا مكثا وقتاً طويلاً لفتح جبهة ثانية للقتال ضد القوات الألمانية في أوروبا الغربية وهذا سمح لهتلر بتركيز قواته ضد السوفييت، مما جعل ستالين يبحث عن مزيد من الأمن لبلاده فأراد إنشاء منطقة عازلة جغرافية لحماية دول أوروبا الشرقية من العدوان المستقبلي الغربي.
ازدادت الاختلافات الإيديولوجية بين الحلفاء مما اجبر الرئيس الأمريكي لإعلان سياسة الاحتواء في خطابه الذي ألقاه في مارس عام 1947 والذي ينص على أنه إذا صعب القضاء على الشيوعية فيجب الحد من انتشارها وأصبح هذا يعرف باسم “عقيدة ترومان”، واتهم ترومان الاتحاد السوفيتي بتشجيع الأنظمة الدكتاتورية وخنق الاقتصاد العالمي. ومن أجل ضمان سياسة الاحتواء قامت الولايات المتحدة بتقديم المعونات والمساعدات الاقتصادية إلى دول أوروبا المعرضة لخطر الاستيلاء عليها من قبل الشيوعيين، بما في ذلك المواد الغذائية والآلات ومواد البناء والأموال.
وصلت الانقسامات الناتجة عن الاختلافات الأيديولوجية الى أوجها عند تشكيل حلفا الناتو ووارسو وهي من اهم مسببات الحرب الباردة، فقد تشكلت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 1949 لمواجهة خطر التوسع الشيوعي في أوروبا الغربية، وأنشئ حلف وارسو في عام 1955 كردة فعل على انضمام ألمانيا الغربية إلى الناتو حيث أراد ستالين مواجهة ما سماه بالتحالف العدواني.
- الخلاف حول ألمانيا
عقب انتهاء الحرب في يوليو عام 1945 في مؤتمر بوتسدام، اتفقت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وبريطانيا على تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق وأن تدار كل منطقة من المناطق من قبل أحد الحلفاء المنتصرين وهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا. وبرغم ذلك أراد ستالين تدمير اقتصاد ألمانيا لكيلا تستطيع النهوض ثانية، بينما أراد الحلفاء الغربيون أن تكون ألمانيا قوية لتتمكن من المساهمة في التجارة العالمية، فظلت القطاعات الفرنسية والأمريكية والبريطانية حرة في التجارة وإعادة الإعمار، أما ستالين فقد تعامل مع المنطقة الروسية بقسوة ورفض السماح لها بالتجارة مع مناطق أخرى وصادر الكثير من إنتاجها.
في عام 1947 انشات عملة جديدة لتوحيد الاقتصاد في المناطق البريطانية والأمريكية ولتعزيز الاقتصاد في المناطق الغربية، مما اثار غضب ستالين فقد كان يخشى من انتشار هذه الأفكار الجديدة والعملة في المنطقة السوفيتية وإنقاص جهوده لإضعاف ألمانيا، فرد على ذلك بإنشاء عملة ألمانية شرقية جديدة.
في يونيو من عام 1948 أغلق ستالين كل الطرق البرية في برلين وقام بحصارها ومنع الحلفاء الغربيين من الوصول إليها براً، مما اضطر الحلفاء طيلة 11 شهراً إلى توفير الإمدادات التي تحتاج لها برلين من خلال الطائرات، وفي 12 مايو 1949 رفع ستالين الحصار إلا أن الحصار أدى إلى ازدياد التوتر.
- أزمة كوريا
بدا توسع الشيوعيون في الشرق عام 1949 واستولوا على السلطة في الصين، وفي عام 1950 قام كيم إيل سونج بغزو كوريا الجنوبية بمساعدة من روسيا والصين وحصلت الولايات المتحدة على تفويض من الأمم المتحدة لاتخاذ الإجراءات المناسبة لردع انتشار الشيوعية ومنع نظرية الدومينو التي تنص على أن “سقوط أي دولة تحت حكم الشيوعية فإن باقي الدول سوف تسقط بعدها عاجلاً أم آجلاً”.
هبطت في سبتمبر قوات الناتو بطائراتها في كوريا وغزت كوريا الشمالية كليا، وفي نوفمبر من عام 1950 قام متطوعو الشعب الصيني (الكونغو) بمهاجمة الأمريكيين واستعادوا كوريا الشمالية وتقدّموا إلى كوريا الجنوبية، امتدت الحرب حتى عام 1953، في هذه المرحلة عرض الرئيس الأمريكي الجديد أيزنهاور السلام وهدد باستخدام القنبلة الذرية إذا لم تقبل الصين به.
الآثار العامة للحرب الباردة
- كان للحرب الباردة اثارا بعيدة المدى في الشؤون الدولية ظهرت في التسابق لتصنيع أسلحة أكثر تطوراً وتشكيل تحالفات مختلفة مثل حلف الناتو وزيادة التوتر العالمي.
- جعلت مكتب الأمم المتحدة غير فعال لأن كلا من القوتين العظمتين حاولتا معارضة الإجراءات التي اقترحها الخصم، وكانت الأزمة الكورية وأزمة الصواريخ الكوبية وحرب فيتنام وغيرها من الأمثلة دليلًا على ذلك.
- تسببت في إنشاء عالم ثالث، حيث ان عدد كبير من دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ابتعدت عن التحالفات العسكرية للقوتين العظميين وظلت محايدةً، ادى ذلك إلى تشكيل حركة عدم الانحياز التي اعتبرت نتيجة مباشرة للحرب الباردة.
- كان التطور في إنتاج الأسلحة عائقا امام تقدم العالم، وأثر سلبياً على بعض البلدان ومنع تحسين مستويات معيشة الناس.
- خلقت الحرب الباردة نوعا من العداء بين البلدان.
- انتجت التحالفات والتحالفات المضادة المزيد من القلق في العالم، بالرغم من أن روسيا وأميركا تعتبران قوى عظمى لكنهما لم تستطيعا إقامة سلام دائم في العالم.
المراجع
THE COLD WAR ، من موقع: www.jfklibrary.org، اطّلع عليه بتاريخ 13/09/2019.
Cold War History ، من موقع: www.history.com، اطّلع عليه بتاريخ 13/09/2019.