يُعتبر الربا من أكثر المسائل التي أوضحتها الشريعة الإسلامية وأكثرها تأكيدًا على مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس.
وتحريم الربا ليس مجرد قاعدة شرعية، بل هو تعبير عن روح التضامن والعدل الذي يجب أن يسود المجتمع المسلم.
ففي الإسلام، يُعتبر الربا من الأمور المحرمة بشدة، حيث تنص الكتاب والسنة على تحريمه، وقد أجمع العلماء السلف الصالح على هذا التحريم بناءً على دلائل شرعية متعددة.
ما هو الربا؟
يُعرف الربا بزيادة مقابل القرض بشكل غير مشروع، ما يؤدي إلى تفاقم الظلم والاستغلال في المجتمع.
ويتعين على المسلمين الامتناع عن مثل هذه الممارسات، والالتزام بالأساليب الشرعية في التعامل المالي، وهو ما يعكس رؤية الإسلام في تحقيق العدالة والإنصاف في الاقتصاد والمعاملات المالية.
أدلة تحريم الربا في الإسلام
القرآن الكريم
هو محرم في الإسلام وقد أُنكر عليه بشدة في القرآن الكريم، حيث بين الله أنه يتعارض مع الفطرة السليمة والعدالة الاجتماعية.
قال -تعالى-: (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّـهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّـهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ).
بيّن الله -تعالى- في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ*وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) تحريم الربا قَطعاً، وبيَّن قُبحه، والآثار المُترتِّبة عليه؛ من ظلمٍ، وأكلٍ لحقوقٍ الآخرين، وغيرها من الآثار.
قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّـهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
السنة النبوية
أكدت الأدلة في السنة على التحريم الصريح للربا من خلال نصوص صحيحة في السنة النبوية، حيث بيّنت بعض الأحاديث تحريمه كما هو مذكور في القرآن الكريم، وأشارت بعض الأحاديث أيضًا إلى أنواع أخرى منه لم يُذكرها في القرآن، وفيما يلي سنوضح تلك الأحاديث.
1- أكّد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على تحريم الربا؛ فقال في خُطبة حجّة الوداع: (أَلَا وإنَّ كلَّ رِبًا في الجاهِلِيَّةِ موضوعٌ، لكم رؤوسُ أموالِكم لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ غَيْرَ رِبَا العباسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فإنه موضوعٌ كُلُّهُ).
2-أكّد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على تحريم ربا النسيئة؛ فقال: (أَلا إنَّما الرِّبا في النَّسِيئَةِ)،[٧] ويُراد بربا النسيئة: الزيادة في أحد العِوضَين مقابل تأخير السداد.
3-حرّمت السنّة النبويّة ربا البيع؛ فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ).
الحكمة من التحريم
الحكمة من تحريم الربا على المسلم أنها تأتي ليكون مطيعًا لأمر الله، بغض النظر عما إذا كان يدرك حكمة الأمر أم لا.
فقد أمر الله -تعالى- المؤمنين أن يطيعوا دعوته ودعوة رسوله في أمورهم، وأن يقولوا "سمعنا وأطعنا"، وهؤلاء هم المفلحون، ومع ذلك، بذل العلماء جهودًا في تبيان حكمة تحريمه، ومن بين تلك الحكم:
1-الحد من الإسراف والرفاهية المفرطة، وتجنب الإفراط في استهلاك السلع التي يعتمد عليها الناس لحياتهم؛ فالإسراف من الأمور المذمومة.
2-يمنع الربا الغش بين الناس ويحفظ المال من الهلاك والضياع، ويمنع التحكم الكبير في الأسواق، حيث يؤدي انتشار الربا إلى تقييد حرية التبادل فيها.
3-يشجع الناس على استخدام النقود كوسيلة للتبادل، وذلك لأنه يؤدي إلى توقف العمليات المالية، كما أن قول النبي -عليه الصلاة والسلام- "ابيعوا الذهب بالفضة وابيعوا الفضة بالذهبولكن متى بعتم بيعا فاسمحوا بعضكم ببعض" يؤيد ذلك.
4-يمنع ما يؤدي إلى الارتكاب المحرم من نوع إلى السقوط في نوع آخر، فعلى سبيل المثال قد يؤدي الزيادة في أحد البدلين مع الزمالة في مجلس العقد إلى الزيادة الكبيرة مقابل التأخير في الزمالة.
أي أن الفائدة قد تؤدي إلى الضرر، ولهذا تمنع أي وسيلة تؤدي إلى التجمع.
5-يحظر لأنه من أخذ المال بدون مقابل، وأكل لأموال الناس بالباطل، وكذلك الذين يأخذون الربح على ما يتعبون من أجله بدون أن يخضع المال للربح أو الخسارة.
6-يحظر لأنه يحظر العمل والسعي والاكتساب القانوني مثل التجارة والزراعة والصناعة وغيرها من القوانين التي تؤدي إلى تحقيق الهدف من عمارة الأرض وهو ما يؤدي إلى التعامل معه.
طالع أيضًا:
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.