من المجد الى الجدل! هل تراجعت شعبية كريستيانو رونالدو في السعودية؟

shutterstock

shutterstock

في نهاية عام 2022، عندما حطّ كريستيانو رونالدو رحاله في الرياض، لم يكن الأمر مجرد صفقة رياضية. كان حدثًا ثقافيًا واجتماعيًا، لحظة اختراق لواقع كروي جديد أرادت فيه السعودية أن تتصدر واجهة الكرة العالمية. جاءت صفقة انتقاله إلى نادي النصر السعودي مقابل أكثر من 200 مليون يورو سنويًا، فكتب العنوان العريض: "CR7 يغزو آسيا".



لكن بعد مرور أكثر من عامين، وأداء فني فردي مدهش من حيث الأرقام، تبرز مفارقة صارخة: النجم البرتغالي الذي ملأ الملاعب بالجماهير وأشعل مواقع التواصل بالمحتوى، يواجه الآن موجة فتور واضحة في شعبيته بين جماهير نادي النصر. بل إن بعض الأصوات بدأت تتساءل: هل أصبح رونالدو عبئًا على الفريق؟ وما الذي جعل أسطورة بحجم "الدون" يفقد وهجه محليًا؟




أولًا: أرقام مذهلة بلا تتويج حقيقي


في الميدان، لا يمكن إنكار أن كريستيانو رونالدو كان فعالًا. فقد سجّل أكثر من 90 هدفًا خلال أول 100 مباراة مع النصر، وتصدر قوائم الهدافين في الدوري السعودي، وحسم العديد من المباريات بيمناه أو يسراه أو رأسه، كما اعتاد أن يفعل في ريال مدريد ومانشستر يونايتد.


لكن، ما يريده جمهور النصر ليس فقط أهدافًا. بل ألقابًا. هنا تكمن الإشكالية. منذ قدومه، لم يفز الفريق بالدوري، وخرج من دوري أبطال آسيا في نسخته الجديدة بطريقة قاسية، واكتفى فقط بكأس العرب للأندية 2023، وهو لقب يعتبره كثيرون بطولة "ودية الطابع" رغم اسمها البراق.


في المقابل، تفوّق نادي الهلال بموسم تاريخي، فاز بالدوري، وبلغ نهائي دوري أبطال آسيا، وضم لاعبين عالميين مثل نيمار، وسافيتش، وميتروفيتش، ومالكوم، مما زاد من الضغط النفسي على جمهور النصر، وجعل بعضهم يرون أن صفقة رونالدو لم تترجم إلى تفوق رياضي في الترتيب العام.


ثانيًا: الأداء الجماعي تحت المجهر


رغم تألقه الفردي، بدا واضحًا أن الفريق ككل لا يتناغم دائمًا مع أسلوب لعب رونالدو. تغيّرت طريقة لعب النصر بشكل جذري لتناسب تحركات النجم البرتغالي، لكن ذلك جاء أحيانًا على حساب اللاعبين المحليين والديناميكية الجماعية. أصبح الفريق يُبنى حول "CR7" بشكل مطلق، وهو أمر قد يكون فعالًا في أوروبا، لكنه في سياق الدوري السعودي الذي يتميز بتقلباته وسرعة لعبه، قد لا يصب في مصلحة الفريق على المدى البعيد.

جماهير النصر التي كانت تُصفق لكل لمسة أولى لرونالدو، بدأت تشعر بالإحباط عندما تحوّل الفريق إلى "آلة تخدم نجمًا"، بدل أن يكون النجم هو من يخدم الفريق.


ثالثًا: تصرفات مثيرة للجدل


جانب آخر ساهم في تراجع شعبية رونالدو هو سلوكه داخل وخارج الملعب. لم يعد يمرّ أسبوع دون لقطات لصرخات، اعتراضات، أو إشارات غاضبة من رونالدو تجاه زملائه أو الحكم أو المدرب أو حتى الجمهور. في إحدى المباريات ضد الاتحاد، أظهرت الكاميرات لحظة تهكم من رونالدو على زملائه بعد هدفٍ في مرماهم، وقد أثار المقطع غضبًا عارمًا على مواقع التواصل الاجتماعي.


كما أن احتفالاته الاستفزازية بعد بعض الأهداف، ودخوله في أكثر من صدام مع جماهير الفرق المنافسة، خلقت صورة سلبية عند بعض متابعي الدوري. في بيئة كروية جديدة، مثل السعودية، حيث الحساسية الاجتماعية والدينية تلعب دورًا مهمًا، لم يُبدِ رونالدو دومًا قدرة على التكيّف مع التوقعات المحلية.



رابعًا: من ظاهرة جماهيرية إلى "نجم محتوى"


لم يعد وجود رونالدو في السعودية يُناقش فقط من زاوية كروية. بل بات يُنظر إليه كنجم "محتوى"، تُستخدم صوره وفيديوهاته في كل إعلان أو ترويج للكرة السعودية. هذا الاستخدام المكثف لصورة رونالدو جعل البعض يشعر أن النجم البرتغالي بات جزءًا من حملة تسويق أكثر من كونه مشروعًا فنيًا.


صحيح أن الدوري السعودي استفاد إعلاميًا من وجوده، لكن في لحظة ما، بدأ الجمهور يشعر أن الصورة تطغى على الإنجاز، وأن ما يحدث خلف الكواليس لا يرقى إلى الطموحات الرياضية الكبيرة التي بُنيت على مجيئه.


خامسًا: شائعات الرحيل والتسويق الداخلي


وقد ازدادت هذه النقاشات تعقيدًا، بعد أن تناقلت بعض الصحف السعودية والعالمية أن إدارة نادي النصر فكرت – في مرحلة ما – بعرض رونالدو على أندية سعودية أخرى خلال فترة الانتقالات الماضية، رغبة في فتح صفحة جديدة للفريق، أو ربما للتخفيف من الضغط المالي والإعلامي.


لكن حسب تلك التقارير، لم تُبدِ أي من الأندية الكبيرة اهتمامًا فعليًا بالتعاقد معه، لأسباب تتعلق بالسن، والتكلفة، وربما الحضور الطاغي الذي قد لا يناسب مشاريع فنية أخرى. هذه الشائعات، سواء كانت دقيقة أو لا، زادت من إحساس الشارع الرياضي بأن العلاقة بين الطرفين بدأت تهتز.


سادسًا: بين شغب جماهيري وأسطورة حية


ورغم كل ما سبق، لا يمكن تجاهل أن هناك شريحة من جمهور النصر، ومن محبي كرة القدم عمومًا، ترى في هذا الطرح نوعًا من "الشغب الجماهيري" غير المنصف تجاه أسطورة بحجم كريستيانو رونالدو. هؤلاء يرون أن أي لاعب في العالم، حتى لو كان الأفضل في التاريخ، لا يمكنه أن يحمل فريقًا بمفرده، وأن الإخفاق في تحقيق البطولات ليس مسؤولية فرد واحد مهما بلغ من المجد والمهارة.


يعتقد هؤلاء أن التراجع في الشعبية هو ظاهرة مفتعلة على منصات التواصل، وأن رونالدو لا يزال يقدم أرقامًا مذهلة، ويجذب الأنظار العالمية للدوري السعودي، وهو ما لم يفعله أي لاعب قبله.



رأيي: هذا ليس تراجع شعبية… بل صعوبة في استيعاب العظمة


في رأيي، ما يُوصف اليوم بـ"تراجع شعبية كريستيانو رونالدو في السعودية" ليس سوى ضريبة التوقعات المفرطة، ومحاولة تحميل أسطورة كل نتائج فريق كامل. رونالدو لم يأتِ إلى النصر في عز مجده، بل جاء وهو يتجاوز سن الـ37، ومع ذلك أعاد تشكيل صورة الدوري السعودي عالميًا، جعل الملاعب تمتلئ، والقنوات العالمية تتابع، والصفقات الكبرى تنهال على الأندية المحلية.


من الظلم اختزال مشروع رياضي كامل في أقدام لاعب واحد. نعم، لم يُتوّج النصر بالدوري، لكن هل ننسى كم مرة أنقذ الفريق بأهدافه؟ كم مرة أُقصي النصر بسبب ركلات ترجيح أو تفاصيل صغيرة لم يكن له ذنب فيها؟

المشكلة ليست في رونالدو، بل في البيئة التي لم تنجح بعد في التعامل مع لاعب بحجمه. نحن أمام لاعب صنع ثقافة احتراف جديدة، غير في عقليات اللاعبين والجماهير، لكن لأنه لا يبتسم دائمًا، أو لأنه يطالب بالكمال من زملائه، يُوصف بأنه متعالٍ أو عبء!


من السهل انتقاد من يتواجد دائمًا في الواجهة، لكن من الصعب الاعتراف بأننا لسنا مستعدين بعد لاستقبال هذا النوع من العظمة. رونالدو لم يفشل في السعودية، بل نحن من لم ننجح بعد في قراءته.

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول

Download on the App Store Get it on Google Play