*صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية :"إذا أردت أن تعرف رأي العرب في أميركا فانظر في رسوم ناجي العلي".
*الاتحاد العالمي لناشري الصحف: ناجي واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن الثامن عشر".
* محمود درويش: "لم يكن سهلا ان تناقش ناجي العلي الذي يقول: لا أفهم هذه المناورات لا أفهم السياسة، لفلسطين طريق واحد وحيد هو البندقية"
فنان معجزة
لم يكن ناجي العليّ مُحايدا أبدا، كان يعيش تناقضات الواقع الفلسطيني والعربي بوعي إبداعي جريء، وظلّ يفكّك تلك التناقضات وينقلها إلى لوحاته بالأبيض والأسود تاريخا ضديدا للتاريخ الرسميّ الملوّن، ذلك أنه آمن بأنْ لا توسّط في الرؤية، ولا مهادنة في الموقف، ولا مناورات في الفن.
اختمرت فيه مرارة التهجير من فلسطين، ووجدت في روحه تربة صالحة للغربة، بل وجاهزة لتجريبها بعمق. فشرّق في الأرض وغرّب بعيدا، متوهِّجًا بملحمة فنيّة تتخذ الكاريكاتير سبيلاً إلى مساءلة السائد وكشف تورّماته وحدّة كدماته. وكان في ذلك يروم خلخلة يقينيات الواقع الذي عشّشت فيه استكانة المواقف وزيف الخطابات الرسمية وتكالب الثورجيّين على المتاجرة بفلسطين عبر مغالطات "قضية العرب الأولى" و"الثورة المباركة" و"دولة المواجهة" و"سنرمي بهم في البحر".
لم يكن هذا الفنان مقتنعا بشيء قناعته بأنّ "لفلسطين طريقا واحدا ووحيدا هو البندقية"، ولكن أيّ بندقيّة، وبنادق العرب غمرها الصديد، ومالت فوهاتها إلى صدور مواطنيها؟
الفنّ هو البندقيّة، والحبرُ رصاصها، بهذا اقتنع ناجي العلي، وعليه راح يخوض حربَه شاهدا وشهيدا، ووجّه رصاصات وريثه الرمزيّ "حنظلة"، بيد صارمة، إلى كلّ الأنظمة الشمولية، وإلى صدور دعاة الطائفية والتحزّب الضيّق والمساومين بحُرمة الأرض وقداسة التاريخ، حارب هؤلاء جميعا دون خوف من تهديدهم أو نكوص أمام وعيدهم، ولم يسع إلى إرضاء أحد منهم حتى فاجأته رصاصة غادرة من مسدّس كاتم للصوت بشارع «ايف ستريت» بلندن في 22 يوليو 1987، لتدخله في فترة غيبوبة رحل بعدها إلى بارئه في مثل هذا اليوم 29 أغسطس من العام 1987، بعد أن صار أشهر رسامي الكاريكاتور العربي وأحد أشهر رسامي الكارتون في العالم، وأضاف قاتلُه إلى صفاته السابقة صفة جديدة هي أنه الكاريكاتوريست الوحيد الذي اغتيل في العالم.
قالوا عن ناجي العلي:
* محمود درويش: "لم يكن سهلا ان تناقش ناجي العلي الذي يقول: لا أفهم هذه المناورات لا أفهم السياسة، لفلسطين طريق واحد وحيد هو البندقية"
* يمنى العيد: "كان ناجي يقاوم قبل أن تصيبه الرصاصة، ومن أجل أن تصوب الرصاصة إلى أعدائه، أعدائنا، هناك حيث يحلم أن يعود، حيث مكان الذاكرة المبعدة عن عالم طفولتها. بقعة الدم الحمراء تتوالى وتتسع، تظلل الرؤية ، تملأ شاشة العين، تكفن الطرقات من أرصفة بيروت وبيوتها إلى شوارع روما ولندن.
* غسان كنفاني: "أن الحدة التي تتسم بها خطوطه، وإن قساوة اللون الراعبة، وإن الانصباب في موضوع معين، تدل على كل ما يجيش في صدره بشكل ٍ أكثر من كافٍ".
* صلاح عيسى: "حاولوا اغتيال "حنظلة”، براءتنا التي تقاوم التلوث، وطهرنا الذي يرفض الدنس، وأملنا الذي لا يتنازل عن المستحيل، لأن هذا المستحيل هو – ببساطة- حقنا، تشهد بذل أقدامه الحافية، وملابسه المرقعة، وجوعه الذي لا يشبع للحرية والعدل، وأحضانه المشوقة إلى دفء الأمومة، وبصيرته النافذة إلى حجب الغيب تتعلق بأول أشعة الشمس القادمة من الظلام ".
* شـربل داغــر: "لا أحد يقوى بعد اليوم على اغتيال ناجي العلي! بات بعيداً عن أية رصاصة، لا يُطال، محفوظاً مثل أيقونة".
* محمـد خــالد: "كان ناجي العلي يرسم يوميا "مانفستو" الثورة الفلسطينية باندفاع جنوني نحو موته المؤجل".
* طلال سلمان: "ناجي العلي هو اسمنا الحركي الذي نقرأه فنبكي.. خجلا من أنفسنا، ومن غربتنا عما يفترض أن نكون ويبقى أن نصير "نحن" "هي" ليطل فجرنا العظيم وعندها سيستدير "حنظلة" ويبتسم مرحباً بإطلالة الغد الأفضل المرتجي.
* إسماعيل شموط: "في كل رسومات ناجي العلي، نرى الغضب المتمرد.. الرافض للواقع المذل، ونرى دعوة يومية للثورة، لذلك أحبها الناس. وناجي لا يجامل ولا ينافق .. ولا يتستر ولا يمنح شهادات براءة".
ولا شكّ في أن سيرة ناجي العلي ومسيرته الفنية مثّلتا منبعا متحت منه أجيال من الفنانين الفلسطينيين والعرب مفاهيمها الكاريكاتيرية، وحوّلتاه إلى مدرسة في الرسم "المناضل" لها أشياعها ومريدوها.
ورغم مضي كل هذه السنوات لا تزال رسومه التي اشتهرت بانتقاداتها الحادة واللاذعة بلغة وطنية صادقة، تحاكي الذاكرة الجمعية الفلسطينية والعربية. وظل (حنظلة) الطفل الفلسطيني الذي يعطي ظهره للجمهور، يمنح الرسومات الكاريكاتيرية بعداً شخصياً لدى مريدي ناجي، الذي لم يقتصر هجومه وانتقاده برسومه الساخرة على عدوّه المغتصب لوطنه وسياسات حليفته (الولايات المتحدة الأميركية)، وإنما طال الأنظمة العربية الرجعية، والرجعية الفلسطينية الغارقة في وحل الذل والاستسلام.
من اعظم رسامي الكاركاتير في القرن العشرين
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية كتبت عنه ذات يوم إلى أنه "إذا أردت أن تعرف رأي العرب في أميركا فانظر في رسوم ناجي العلي". وقال عنه الاتحاد العالمي لناشري الصحف إنه "واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن الثامن عشر".
بعد مرور 26 عاماً على رحيل الفنان ناجي العلي، لنا أن نتساءل ما الذي يقوله رسامو الكاريكاتير الفلسطينيون؟، من الذين حملوا مشعل "الشهيد الشاهد"، متابعين مسيرته الفنية والنضالية، عن الأثر الذي خلفه ناجي الإنسان والموقف والفنان في منجزهم البصري ورحلة عطائهم.
وفي هذا التحقيق، سنتعرّف إلى آراء ثلاثة فنانين تأثّروا بتجربة ناجي العلي، وسنقف على مدى تمثّلهم للمضامين التي نهضت عليها لوحاته.
الرسامون الذين سجلت لهم "العرب" شهاداتهم هم: هاني عباس (فلسطيني يقيم في سوريا)، وناصر الجعفري (فلسطيني يقيم في الأردن)، ومحمد سباعنة (من أبناء محافظة جنين في الضفة الغربية).
الشاهد والشهيد
زهدي الجعفري
رسام الكاريكاتير الفلسطيني الأردني عبد الناصر زهدي الجعفري، المولود في عمّان عام 1970، يصف ناجي العلي بقوله: "ممعناُ في الولوج حتى آخر الجرح، حميماُ ودافئاً يقطر بسمة وألماً ومرارة. ناجي سليم خليل العلي، فنان معجزة، اشتق الحرف من الخط أو الخط من الحرف، ناطقاً بحوار مدهش يصيبك بالذهول.
خط رسم كلمة فترى مأساة مجسدة أمامك بكل تفاصيلها الملحمية، مرارة اللجوء، ووجع الترحال، ليتسع أكثر في المخيلة ثم العطاء، فترى في لوحته فقراء النيل، ومعدمي السودان، وباتساع أوجاع وجراح الأمة من محيطها إلى خليجها. اليوم وبعد هذه السنوات الطوال على غيابه، يتردد سؤال يتكرر ما بين مريديه، ترى لو كان هنا ناجي ماذا سيقول؟ ناجي أو (حنظلة) احترف الغياب كما احترف الحضور، لم يقل وقد قال كل شيء، وأسس لنهج كاريكاتيري ملتزم عبر تحت ظلاله كل جيلي من رسامي الكاريكاتير، واكتسبنا ثقة واحترام شارع اقتنع برسالة ناجي أولاً فبات يحب فن الكاريكاتير ويتابعه، ويجد به فسحة أمل وفضاء حرية.
لم ينجح مغتالوه بقطع الحبل السري ما بينه وبين الناس، فتكاثر (حنظلة) ودخل عصر آخر بكل سلاسة، فهو المنتشر اليوم عبر صفحات الانترنت التي لم يعاصرها، وله مثل كل الناس صفحات وصفحات على "الفيس بوك"، وله حفاوة على "اليو تيوب"، حين لا يعلم أحد أو لا يهتم أحد لمصير جلاديه البائس في زوايا معتمة وبشعة من التاريخ.
(حنظلة) اليوم كما أمس الشهيد الشاهد، يرصد الحلم والغد ويستمر كما علم هو مبكراً، أكثر بأجيال وأجيال من جلاديه".
مبدع لا يتكرر
محمد سباعنة
رسام الكاريكاتير محمد سباعنة، المولود بمحافظة جنـين في الضفة الغربية عــام 1978، والذي أشتهر برسومــه المناهضة للعــدوّ الصهيوني والتي تحكــي معاناة الأسرى الفلسطينيين في السجــون الاحتلال وعضو "الشبكة العــالمية لفناني الكاريكاتير كارتون موفمنــت"، تحدّث إلينا قائلا: "أعترف كفلسطيني عــاش في الاغتراب لسنوات أن ناجي العلي كــان النافذة الأهم لنا لرؤية الوطن باللونين الأبيض والأسود.
ناجي المحاط بكل هذا الشوق والشوك كان اللغة البسيطة التي علمنا إياها أبوينا في سنين الاغتراب لنتعلم لغة الوطن كأول لغة وأول كلمات، قد يكون الشوق المحاط بالبعيدين عن فلسطين سبباً مهماً للتراكض نحو لوحات ناجي. وكإنسان اختار طريق ناجي ليعلن موقفه السياسي ومدى حبه لهذا الوطن، ولأن ناجي كان الصورة الأولى لهذه الطريق أعترف بأني سجنت كثيراً بتأثيره الكبير علي في الخطوط واللغة وأحياناً الموقف السياسي، الشيء الذي بذلت من أجل التخلص منه الشيء الكبير ليس تقليلاً من أهمية تجربته ولكن لأكون تجربتي الخاصة بي.
ولأن ناجي لا يتكرر فقد تمكنت من الخوض بعيداً عن تجربته ولكن ضمن فلكها لأننا جميعاً متفقين على الهدف الذي ندور في فلكه جميعاً.
تمتع ناجي ضمن عمله في مرحلة سياسية ساخنة باقترابه من الشارع والتصاقه به، وتواصله الكبير معه رغم غياب كل الأساليب الحديثة لهذا التواصل من مواقع تواصل اجتماعي وغيرها، وأحسده على كون هذا الشارع الفلسطيني في تلك المرحلة كان لديه انتماء للوطن أكثر من انتمائه للحزب.
قال ناجي العلي:
* الذي يريد أن يكتب لفلسطين، والذي يريد أن يرسم لفلسطين, عليه أن يعرف أنه ميت.
* هكذا أفهم الصراع: أن نصلب قاماتنا كالرماح ولا نتعب.
* الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة، إنها بمسافة الثورة.
* متهم بالانحياز، وهي تهمة لا أنفيها، أنا منحاز لمن هم "تحت".
* أن نكون أو لا نكون، التحدي قائم والمسؤولية تاريخية.
* سترون وجه "حنظلة"، عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته.
فرغم انتقاد ناجي للأحزاب الفلسطينية إلا أن الشارع الفلسطيني بقي مخلصاً لأعماله ومتابعاً لها على العكس مما يحدث اليوم، فيكفي أن تنتقد حزب سياسي فلسطيني ما حتى تنهال عليك الشتائم والمسبات!.
لم تأت تجربة إلى الآن كتجربة ناجي العلي لا من حيث التجربة ذاتها ولا الظروف المحيطة بها، وأعتبر كل من يعلن انه تكرار أو أنه الوريث الشرعي لناجي العلي ما هو إلا متسلق على هذا الرث.
ناجي الذي استطاع أن يحوّل (حنظلة) إلى رمز من رموز فلسطين حتى أصبح الكثير من دول العالم يعرفون فلسطين من خلال (حنظلة)، محاط بقدسيّة الشهادة وقدسيّة الفدائي الملثم.
ولم يأت لناجي العلي وريثاً وإن أتى فالشارع هــو الــذي ينصبه في هذه المكانة والمرتبة وليــس من حق أحد أن ينصب نفسه على عرش نـاجـي أو أن يتسلـق عليــه".
كان يرسم بلا مواربة أو خوف
هاني عباس
الفنان هاني عباس، رسام كاريكاتير سوري من أصول فلسطينية، ولد بمدينة دمشق عام 1977، في رصيده أكثر من خمسة عشر معرضاً فردياً بعنوان "شخابير سياسة"، ونال جوائز وطنية وعالمية، وقد تحدّث عن ناجي العلي قائلا: "كان ناجي يقول ما لا يقال ويرسم ما لا يرسم، ليبقى العلامة الفارقة في حرية التعبير في زمن التكميم والقتل.
بعيداً عن التقنية والتكنيك في الرسم سأركز على جانبين أساسيين في رسوم ناجي العلي، الجانب الأول هو الحميميّة والاقتراب من الناس حد الالتصاق بهم والجانب الثاني هو نطق الحقيقة بكامل تفاصيلها في رسومه. لم يكن الرمز (حنظلة) فقط هو ما جذب الملايين لمتابعة رسوم ناجي، بل إن الجميع قد وجد نفسه في كل كاريكاتير كان يرسمه، فاطمة وأبو حسن والرجل الطيب، الأطفال الصغار، الحجر الفدائي والبندقية.. لتصبح مساحة الكاريكاتير هي لسان حال كل إنسان بسيط ومتعب على هذه الأرض، ما مكّن الحالة السابقة هو الحقيقة المجردة التي كان ناجي يطلقها في رسومه دون مواربة أو خوف، وهي التي حشدت الملايين حول رموزه المنتقاة بعناية من الشارع آنذاك. أيام ناجي العلي كانت البوصلة واضحة تماماً، العدو واضح تماماً، لناجي وجماهيره كان العدو الصهيوني هو العدو الأول يليه من تآمر مع الصهاينة من العرب والفلسطينيين.
إذن البوصلة كانت تشير إلى عدوّين حقيقيين للشعب، وبنفس الاتجاه، لا فرق هنا بين الحالتين بل ربما الحالة الثانية كانت أقسى وأصعب على ناجي العلي.
لو كان ناجي العلي بيننا الآن، ماذا كان ليرسم؟ هذا هو السؤال الذي يخطر ببال الكثيرين الآن، ولا أجد صعوبة في التخمين ولا يحتاج ناجي لرسوم جديدة، المعادلة الكيمائية في رسوم ناجي دقيقة وصحيحة والعناصر التي كانت تتفاعل أيامه هي نفسها التي تتفاعل الآن، مع تغيير النظارات الزجاجية فقط. لقد استشرف ناجي مبكراً خطر دود الخل الذي هو منّا وفينّا، وبدأ يصرخ منادياً بتطهير الثورة من كل الديدان الطفيلية، لكن المواجهة كانت أصعب مما تخيل.
عازف الوجع الجماعي كان يعزف منفرداً. ولأنه لم يكن انتهازياً لأيّ طرف، لم يرغب أي طرف في حمايته. لكن عندما استشهد ناجي الكل بكى وتباكى، على قميصه المضرج بالدماء، وصاحوا جميعاً: لقد أكله الذئب، لقد أكله الذئب".
عن العرب اللندنية