اعتقلت شرطة الاردن فريق المغتالين واضطرت حكومة اسرائيل الى أن تدفع أثمانا لم تكن دفعتها حتى ذلك الحين وهي الاعتراف بمسؤوليتها واعطاء الاردنيين مضاد السم الذي أنقذ حياة مشعل والافراج عن الشيخ ياسين
بثت القناة الثانية ليلة السبت تقريرا اعده شاي غال عن العملية الفاشلة لاغتيال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس في تشرين الاول 1997. ولم تكن الذكرى السنوية احتفالية لأن 16 سنة تعتبر متأخرة جدا قياسا بـ 15 ومبكرة قياسا بـ 20 – لكن التقرير الصحفي كان آسرا.
تحدث فيه كثيرون من المشاركين من مشعل نفسه والعاملين معه الذين أجريت معهم لقاءات في "الجزيرة"، ولقاء مع علي شكري رئيس ديوان الملك حسين وعدد من الاسرائيليين بينهم رئيس الموساد آنذاك داني يتوم ووزير الدفاع آنذاك يتسحاق مردخاي وافرايم هليفي الذي استدعي على عجل من بروكسل لمصالحة الملك، ويوسف شحنوبر الذي ترأس لجنة التحقيق، ويوسي سريد عضو لجنة التحقيق البرلمانية، ومشكا بن – دافيد مسؤول الموساد رفيع المستوى الذي كان مشاركا مشاركة عميقة في الاعداد والتنفيذ لتصفية خالد مشغل.
قال عدد من الاسرائيليين الحقيقة وغير آخرون الروايات وكذب عدد منهم بلا حياء – إما آنذاك في وقت الحدث وإما الآن. بينت مشاهدة التقرير لماذا لا تموت القضايا ما بقي المشاركون فيها أحياء: فالشهود يصوغون في كل مرة شهاداتهم من جديد حسب الظروف المتغيرة، وحسب مكانتهم وعلاقاتهم الشخصية بغيرهم، فشهاداتهم تكون بأثر رجعي.
نفذت حماس سلسلة عمليات "ارهابية" في صيف – خريف 1997. وأمر نتنياهو، الذي كان رئيسا للوزراء في ولايته الاولى، الموساد باعداد عملية تصفية. وكانت الخطة اصابة هدف في دولة اخرى لكن صدر في خلال شهر أيلول أمر بتنفيذ العملية لتصفية خالد مشعل الذي كان موجودا في الاردن.
كان مشعل آنذاك شخصا شبه مجهول في الشعبة السياسية من حماس في الخارج ولم تكن له صلة حقيقية بالعمليات في اسرائيل.
تشوشت العملية، اذ اعتقلت شرطة الاردن فريق المغتالين واضطرت حكومة اسرائيل الى أن تدفع أثمانا لم تكن دفعتها حتى ذلك الحين وهي الاعتراف بمسؤوليتها واعطاء الاردنيين مضاد السم الذي أنقذ حياة مشعل والافراج عن الشيخ ياسين – أبو "الارهاب" الحماسي، والقيام بسلسلة اعمال اخرى يائسة لمصالحة الملك حسين. ولم يبق رئيس الموساد داني يتوم في قيادة الموساد إلا بصعوبة، لكنه اضطر الى الاستقالة بعد ذلك بخمسة أشهر على أثر خلل آخر في تنفيذ عملية في سويسرا.
تقصيت في وقت الحدث عددا من الجوانب المركزية للقضية والتقيت مع عدد من المشاركين. وقد كان الاهتمام محصورا آنذاك بطبيعة الامر في الفشل العملياتي. إن هذه القضية مهمة ومشحونة بالتفاصيل السرية الآسرة لكنها بنظرة الى الوراء ليست القضية الأهم. وكانت اختلالات كثيرة في التنفيذ.
السؤال المقلق هو من الذي كان الحافز الذي أدخل الى عقل نتنياهو فكرة العمل في الاردن خاصة بعد التوقيع على معاهدة السلام بثلاث سنوات فقط حينما كانت العلاقات في وضع حساس جدا وكان لبناء الثقة الشخصية دورا مركزيا فيها. يبدو أن الولايات المتحدة ومصر والاردن هي الدول الثلاث التي لا يأمر رئيس وزراء حكيم بتنفيذ عمليات اغتيال فيها. هكذا هي الحال اليوم وكانت أكثر من ذلك في فترة حياة الملك حسين.
السؤال المقلق حقا هو لماذا أصغى نتنياهو الى المشورة واستقر رأيه على حرف العملية الى الاردن. ولم يتم التحقيق في هذا السؤال قط، فقد حصرت لجان التحقيق عنايتها في الجانب العملياتي ومثلها نحن الصحفيين، فقد كان الجانب العملياتي أكثر إثارة.
إن جميع المشاركين في تلك القضية موجودون اليوم خارج الجهاز. وقد توفي قليل منهم واعتزل أكثرهم طوعا أو قسرا إلا واحدا هو نتنياهو. ويجب أن ينحصر الاهتمام فيه أولا بطبيعة الامر.
هل استخلص الدرس؟ يبدو أن الجواب نعم. فبعد أن لذع مرتين بالماء الساخن (كان القرار المتعجل الثاني هو فتح نفق حائط المبكى)، تعلم كيف يكون حذرا من الماء الفاتر. وقد تميزت ولايتاه التاليتان لرئاسة الوزراء بأكبر قدر من ضبط النفس في كل ما يتعلق بعمليات مخطط لها للجيش الاسرائيلي أو "الشاباك" أو الموساد. وقد تعلم نتنياهو أن يكون نعجة بلغة خطابة ذئب.
هل بلغ سن البلوغ؟ يجب أن يبدأ جواب هذا السؤال بأسباب قراره الخاطئ في قضية مشعل. لماذا اخطأ على ذلك النحو، هل بسبب عدم التجربة أم بسبب مشكلة في شخصيته؟ إنه يملك الآن تجربة وافرة. فالتجربة تغلب الطبيعة الشخصية احيانا في ظروف ناجحة بصورة خاصة.
عن يديعوت أحرونوت