بضغوطات من الجهات الأمنية في البلاد، بادرت وزارة العدل، بتوصيةٍ من وزارة الأمن الداخلي والشاباك، إلى مداولة مسودة مشروع قانون "التغذية القسرية" الذي يسمح لسلطات السجون، بعد موافقة المحكمة المركزية، على إطعام الأسير المضرب عن الطعام قسراً، وإرغامهم على كسر إضرابهم عن الطعام. ولبلورة موقف لجان الأخلاقيات الطبية في المستشفيات، بادرت إدارة اللجان بعقد يوم دراسي في مستشفى هلل يافه في الخضيرة وذلك يوم امس الأربعاء.
شارك في الندوة مندوبين عن اللجان الأخلاقية وزارة الصحة ومصلحة السجون. هذا وقد تم دعوة السيد قاسم بدارنه، مدير جمعية التاج، لشرح موقف الإسلام من الإضراب عن الطعام ومن إرغام الأسير على تناول الطعام.
وللتعريف، فالأضراب عن الطعام هو امتناع الأسير (كلي او جزئي) عن تناول الطعام والشراب بقصد الضغط على آخر، لفترة محددة أو لحين تحقيق الهدف، مثل رفع ظلم معين عنه. والاضراب عن الطعام هو حق لكل اسير ويُعتبر كفاح لاعنفي مشروع. وتَغْذِيَةٌ قَسْرِيَّة طبياً: هو إعطاء الغِذاء السائِل عبر أُنْبوب أَنْفِيٌّ مَعِدِيّ (الزوندا) في حالة رفض الشخص تناول الغذاء أو بسبب عدم وجود رغبة لديه، ويتم ذلك بعد تكبيله أو عبر الوريد بعد حقنه بالمهدئات، وفي الحالتين رغماُ عن إرادة ورغبة الأسير، وفيه تعدي على استقلالية الأسير، واختراقاً لحقوقه، ويعتبر عنف نفسي وتعدي جسدي على الأسير الأعزل. والعديد من السجون تقوم بنقل الأسير حال تدهور صحته إلى المستشفى لأبعاد المسئولية الجنائية عنه.
وكان رد اتحاد الأطباء في البلاد مطابقاً لموقف مؤسسة الأطباء من أجل حقوق الإنسان والصليب الأحمر الدولي، بمعارضة صيغة القانون المقترح ومطالبة الأطباء برفض المشاركة في هذا العمل التعسفي ضد كيان الأسير لمنعه عن ممارسة حقه الشرعي، وأعتبر إطعام الأسير أو السجين قسراً عمل غير لائق مهنياً، وحذر الكادر الطبي في المستشفيات والسجون من خرق اسس الاخلاقيات الطبية واعتبر التغذية القسرية سلوكاً همجياً يمنعه القانون الدولي.
وتعتبر الشريعة الإسلامية الأضراب عن الطعام تصرف غربي ولم يتطرق اليه الإسلام، ولم يُذكر عدا في حالة إسلام سعد بن أبي مالك، حين امتنعت أمه من تناول الطعام حتى يرتد عن الإسلام، وفي ذلك نزلت الآية الكريمة: " وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا " (لقمان، 15).
هناك إجماع لدى الفقهاء بامتناع الأسير من الوصول إلى الموت بسبب الاضراب عن الطعام. وأختلف الفقهاء في موقف الإسلام من الأضراب عن الطعام، بين مؤيد ومعارض:
الرأي الأول: أن الإضراب عن الطعام محرم شرعا، لضرره على الصحة الجسدية والنفسية، ولم يذكر في القرآن أو الأحاديث النبوية، وحفظ النفس من كليات مقاصد الشريعة والضروريات، ومن مات بهذا الإضراب يكون مُنْتَحِرًا، والانتحار من كبائر الذنوب. وقد اتفق العقلاء أن" المنكر لا يزال بأكبر منه" وأن "درء المفاسد أولى من جلب المصالح". وإن حفظ النفس إحدى الضرورات الخمسة في الشريعة الإسلامية، معتمداً على الآيات: "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " (النساء، 29)، " وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ " (البقرة، 195) والإضراب عن الطعام فيه تعريض النفس للتهلكة ولو بعد حين، " وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ " (الإسراء، 33)، وأن تجويع النفس بالإضراب عن الطعام يفضي إلى قتلها بغير حق. وقد حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من قتل النفس: " كان فِيمَنْ قبلكم رجلٌ به جُرْحٌ، فَجَزَعَ، فأخذ سِكِّينًا فَحَزَّ بها يده، فما رَقَأَ الدَّمُ حتى مات، قال الله تعالى: " بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ"، وكذلك قوله: " لا ضرر ولا ضرار "، وما قيل في الإطعام قسراً: " لا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ ". واعتبروا الموت في هذه الحالة انتحاراً وهو من كبائر الذنوب لا يُغَسَّل ولا يُصَلَّى عليه، واعتمدوا في ذلك على المبدأ الفقهي: " أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وفتوى الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين: "حكم من توفي وهو مضرب عن الطعام أنه قاتل نفسه وفاعل ما نهي عنه". ولا يعتبر الاضراب عن الطعام صوماً لأن به وصال (متابعة الصيام ليلاً ونهاراً)، وقد منع الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك.
الرأي الثاني: يسمح بمشروعية الإضراب عن الطعام طالما أنه هو السلاح الأخير في أيدي هؤلاء الأسرى، والذي يغيظ الحاكم والسجان، فكل ما يغيظ الكفار فهو ممدوح شرعا، قال تعالى: " يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ " (الفتح، 29). ولحصوله على حقوقه الأساسية التي سُلبت منه، وأن المسلم مأموراً بأن يجاهد ويقاوم الظلم الذي يقع عليه، ولكون الأضراب يغيظ الاحتلال فهو ممدوح شرعاً، لقول تعالى في مدح الصحابة: " يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ " (الفتح، 29). فالأسرى يعبرون بالأضراب عن رأيهم، ويلفتون أنظار المجتمع الدولي إليهم وأنهم أصحاب قضية عادلة، والإضراب حق معترف به عالميًّا لفضح الجرائم وكشف الظلم الذي يقع عليهم. ومنهم من يجيز الإضراب حتى الموت لاعتبار الأسير مجاهداً بنفسه وشهيداً في سبيل لقضيته العادلة، ولا يقارن بالانتحار الذي يلجأ اليه الإنسان بسبب ضائقة مادية أو نفسية.
وأفتى الدكتور أحمد الكردي، خبير في الموسوعة الفقهية وعضو هيئة الإفتاء في دولة الكويت، ما يلخص الموقفين: "في الأصل لا يجوز الإضراب عن الطعام، لما فيه من الإضرار بالنفس أو قتل النفس، ولكن إذا علم المسجون ظلما أنها طريق وحيدة لفكاكه من هذا الظلم، فله ذلك بشرط عدم الاستمرار فيها إلى الموت أو قريب منه أو الضرر الشديد".
الرأي العالمي: الاتحاد الطبي العالمي (WMA)، أقر في مؤتمره بطوكيو عام 1775، ومن ثم قام بحتلنة القرار في مؤتمراته عام 1991 في مالطا وعام 1992 في إسبانيا وأخيراً عام 2006 في جنوب أفريقيا، بالتنديد بإطعام الأسير المضرب عن الطعام قسراً وأعتبرها إهانة لكرامة وحقوق الإنسان وعمل مخالف للأسس الأخلاقية للمهن الطبية، ونهى عن مشاركة الأطباء فيها. بينما أعتبرت مؤسسة هيومن رايتس ووتش: إن "تغذية شخص بالقوة لا تشكل انتهاكا أخلاقيا فحسب بل يمكن أن يعتبر تعذيبا أو سوء معاملة"، مخالفة للمعايير الأخلاقية المهنية.
وبسبب ازدواجية الولاء لدى أطباء السجون، بين ولائه لمصلحة المريض ولمشغله وكون أرائه السياسية معادية للأسير، تطالب منظمات حقوق الانسان ومندوبي الأطباء بالسماح لدخول أطباء محايدين لفحص الاسرى والتأكد من مقاصد الاضراب ورغبتهم الصادقة حول أبعاده. وفي اطعام الأسير قسراً تدنيس لأهم الحقوق للإنسان في اتحاذ القرار حول جسده وخاصة كونه بالغ وعاقل،
أن التغذية القسرية في سجن غوانتانامو هي سوء معاملة يجب أن يتوقف، ويعتبر وجود سجناء في سجن غير شرعي لا تراعى فيه الأصول والاعتبارات القانونية، وتدعو كل المنظمات والهيئات الحقوقية إلى إغلاقه لأن ما بني على باطل فهو باطل. وكشفت وثيقة مسربة من داخل معسكر جوانتانامو عن تلقي معتقليه تغذية قسرية شديدة الإيلام، بعد وضع الأقنعة على الأفواه، وشدٍّ الأسير إلى الكرسي الحديدي، ودفع الأنبوب (الزوندا) داخل المعدة. ويلزم بموجبها التغذية القسرية في حالة تخلى المضرب عن تسع وجبات متتالية أو نقص وزنه عن نسبة 85% من وزنه المثالي أو وزنه السابق.
هناك استياء من القانون المقترح لكونه لا يبحث عن سُبل لمساعدة الأسير وإنما لقمعه وإهانته، والالتفاف على مواقف اللجان الاخلاقية، ليس قلقاً على صحة الأسير بل حفاظاً على مصالح وأمن الدولة، وتخوفاً من ردود فعل باقي الأسرى والشعب الفلسطيني لاستشهاد الأسير في السجن، ومنع توقف عملية التحقيق مع الأسير. وأن ما يحدث للأسرى في غوانتانمو بعد أكثر من عشرة أعوام من تعذيب واطعام قسراً بدون محاكمة لأفضل إلهام لنوايا أجهزة الأمن في البلاد. وحسب المعطيات الرسمية، لقد أستشهد ثلاثة أسرى فلسطينيين خلال الاطعام قسراً (من مضاعفات إدخال الأنبوب عبر الأنف للمعدة بعد تقييد الأسير) خلال سنوات الثمانينات وهم راسم حلاوة وعلي الجعفري وعبد القادر أبو الفحم، ولم يتوفى أي أسير من الإضراب عن الطعام.