خامنئي – نتنياهو بديل سايكس – بيكو
حسن صبرا
وفقاً لمصادر عربية مطلعة، فإن الولايات المتحدة الأميركية أقنعت إسرائيل بأن من مصلحتها اتفاق واشنطن مع النظام الإيراني، لأنه يحمل بقاء الكيان الصهيوني مسيطراً على البلاد العربية إلى زمن طويل، فضلاً عن أمنه لأجيال لا حدود لمداها.
الشرح الأميركي للصهاينة يوضح ان النظام الإيراني يعتبر ان العرب موزعون في مجموعة بلدان لا تحمل في مجتمعاتها إمكانية الاستمرار كدول مستقرة موحدة.. وان كل بلد في المشرق العربي والخليج عرضة لأن يكون مجموعة دويلات، وان فرنسا وبريطانيا اللتين كانتا تطمحان لحكم هذه البلاد العربية، التي كانت موحدة نظرياً تحت حكم الدولة العثمانية، حتى المئتي سنة الأخيرة من وجودها، دخلتا هذه البلاد بعد الحرب العالمية الأولى وفق برنامج وضعه وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا سايكس – بيكو، وسقوط الخلافة العثمانية واقامتا دولاً فيها حملت كل بذور الفتن بين أطيافها، وأقامت ربط نزاع بين الاعراق داخلها، ثم الطوائف.. فبريطانيا زرعت ربط نزاع بين الاكراد والعرب في العراق، وربط نزاع آخر بين السنّة والشيعة، وربط نزاع بين سورية وتركيا في الاسكندرون، وبين الاغلبية السنية والعلويين في سورية، بل انها أقامت دولة للعلويين أسقطها السوريون بأنفسهم، وربط نزاع بين العراق والكويت، وكذلك بين الامارات والسعودية، ورسمت مثلثات ومستطيلات بين دول الخليج العربي، تحت عناوين المناطق المحايدة، وكانت بريطانيا احتلت عدن عام 1839 وأقامت مجموعة إمارات قبلية في جنوبي اليمن.
تشرح أميركا لإسرائيل ان القومية العربية التي نظّر لها عدد من الكتّاب والادباء والسياسيين العرب في كل البلاد العربية، مهّدت بين فترة من الفترات لقيام أحزاب عربية تدعو إلى الوحدة، وانتشر بعضها بين العديد من البلاد العربية منطلقة دائماً من المشرق العربي (فسورية انطلق منها حزب البعث ولبنان انطلق منه الحزب السوري القومي، ومن لبنان انطلقت حركة القوميين العرب، وسابقاً حزب النجادة).
واشنطن شرحت لإسرائيل ان حكم هذه الاحزاب في بعض البلاد خاصة حزب البعث لسورية والعراق أجهض روح العروبة وكل ايمان بها في أجيال عربية متلاحقة منذ أكثر من خمسين سنة، وأفسح المجال لصعود الوطنيات لسنوات قبل ان تدخل إيران مدار التوسع الشيعي على حساب الوطنيات العربية بعد سقوط القومية العربية،
وقد واكب التوسع الشيعي الإيراني الانغماس السني في أفغانستان، وفي الحالتين كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق حاضرين في المشهد الاسلامي.. ودائماً على حساب الوطنيات العربية، بعد سقوط القومية عملياً مع بقائها شكلاً في أنظمة البعث والقذافي في سورية والعراق وليبيا.
أميركا تشرح لإسرائيل، ان الفراغ الذي حدث بسقوط القومية العربية، بعد اغتيال رمزها الاعظم جمال عبدالناصر في 28/9/1970 وتسلط آل الأسد المذهبـي على سورية بعد 49 يوماً من رحيل عبدالناصر، وانقلاب أنور السادات في مصر على الاتجاه الناصري، هذه وغيرها أطلقت موجات الصعود الاسلامي السياسي والثقافي الذي كان أقام علاقات استراتيجية مع الغرب، وتحديداً الاستخبارات الألمانية والبريطانية ثم الأميركية التي استخدمت احتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان لأعمق علاقة مع الجماعات الاسلامية في كل البلاد العربية، خاصة بعد ان دعا مسؤولون خليجيون وأنور السادات للجهاد في أفغانستان البلد الاسلامي لتخليصه من قبضة الالحاد الشيوعي.
كانت إيران شريكة الغرب في أفغانستان، حتى وهي ترفع شعار الموت لأميركا، وتعتبرها الشيطان الأكبر، وبعد احتلال استخبارات إيران للسفارة الأميركية في طهران في 4/11/1979 وأسر موظفي السفارة لـ444 يوماً وبعد المحاولة الفاشلة الأميركية في صحراء طبس لتحريرهم.
أميركا تشرح لإسرائيل، ان ما كان يتهددها هي شعارات القومية العربية، والعروبة التي تعتبر القضية الفلسطينية هي قضيتها المركزية، أي إزالة إسرائيل وإقامة دولة فلسطين، وان نجاح إيران الأول في اجتياح البلاد العربية، مر عبر جثة فلسطين التي كانت تتاجر بها أنظمة البعث في سورية والعراق ولبنان، وتضعها في تابوت ترفض ان تدفنه في باطن الأرض، حرصاً على ضمان التجارة فيها، وان طول تجارة البعث بفلسطين، خلق تجارات أخرى لدى العرب، خاصة بعد ان سلم بعث سورية جثة فلسطين لإيران لتعطيها تحنيطاً جديداً.. يوحي للعرب السذج ان فلسطين ما زالت حية، وكانت المقاومة التي اخترعتها إيران في لبنان بالاتفاق مع حافظ الأسد هي المصل الذي أمد أوهام الحياة في جثة فلسطين.
كانت التجارة بالمذهبية هي بديل التجارة بفلسطين، فالمذهبية شابة كلها حيوية منطلقة وفلسطين جثة هامدة كقضية واهتمام، والمتاجر بالمذهبية هو نفسه اشترى جثة فلسطين عبر مقاومة مذهبية حيوية انشأتها إيران للإمساك بالجثة الفلسطينية.
وتشرح أميركا لإسرائيل ان اجتياح إيران للبلاد العربية، نقل مركز العداء عند العرب من إسرائيل إلى إيران، وان إسرائيل التي فشلت في إحداث أي فتنة بين العرب طيلة ستة عقود. وظل احتلالها لفلسطين عنصر جمع قوي جداً بين العرب. تراقب اليوم كيف نجحت إيران في إحداث فتن مذهبية بين السنّة والشيعة في كل أرض تجمعهما، وان جثة فلسطين وارتها ايران الثرى منذ أمسكت بالعراق، وأرسلت عصاباتها المذهبية الشيعية في لبنان والعراق واليمن وإيران للقتال دفاعاً عن الحكم العلوي – العائلي لسورية بعد ان ان فرغت نهائياً من دفن جثة فلسطين كتجارة كانت رائجة.
أميركا تشرح لإسرائيل، وفق المصادر العربية، ان حدودها مع البلاد العربية باتت نموذجية في أمنها، فغزة تحكمها حماس وتشتبك مع الشعب المصري الذي خلع جماعة الاخوان الأم في مصر التي تنتمي إليها حماس، والاردن ملتزم باتفاقية وادي عربة (1994) وكامب ديفيد مع مصر تلتزم بها الانظمة المتعاقبة على حكم أرض الكنانة.
أما لبنان فإن اتفاقاً أميركياً مع إيران يقبل بأن تبقى جبهته هادئة لعشرات السنين، أي طالما استمر الاتفاق الأميركي – الإيراني.
أما سورية فإن تدمير بشار الأسد لإمكاناتها وفتح الباب واسعاً أمام دولة علوية في الساحل السوري، ودولة كردية في الشمال الشرقي ودول سنية في أرجاء البلاد تقبل بضمان أمن إسرائيل، المؤهلة لإقامة دولة اليهود في الجزء الأعظم من فلسطين.
أميركا تشرح لإسرائيل، ان واشنطن ستكون وسيطة مقبولة من طهران عندما تلتزم معها اتفاقاً من بندين أساسيين:
البند الأول: ان إيران توقف تطوير برنامجها النووي، وتتوقف قبل حدود البدء بإنتاج قنبلة ذرية.
البند الثاني: ان أميركا تطلق يد إيران في مشروعها التوسعي لإقامة دويلات مذهبية في أي أرض عربية تريدها.
والبندان هما لمصلحة إسرائيل بنسبة 100% وهما يكسبان أميركا ثقة إيران.
في البندين تريد إيران السيطرة على بلاد العرب، فالنووي الإيراني في أساسه موجه إلى العرب، لأن توازن الرعب بين ايران واسرائيل يمنع اي منهما من الاعتداء على الآخر، وايران لن تخسر شيئاً اذا أوقفت الآن برنامجها النووي..
لماذا؟
لأن العقول التي تملك تصنيع النووي موجودة في ايران، وكذلك المعدات والقدرات الفنية وخرائط كل خطوة من خطوات هذا التطبيع.. لم الخوف؟ لم العجلة؟ وفي هذا الامر اجماع ايراني وطني لا سابق ولا مثيل له..
ثم ان ايران لا تجرؤ على استخدام النووي اذا حصل اي تحد مع اسرائيل.. وعندما أعلن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك انه من حق ايران استخدام السلاح النووي وأثار الدنيا كلها، عاد ليشرح وجهة نظره بالقول، اذا استخدمت ايران سلاحاً نووياً فهذا سيكون آخر يوم في وجودها.
اذن النووي لمصلحة ايران تقدم ام تجمد، والتوسع العنصري الايراني لمصلحة نظام طهران والكيان الصهيوني.
هذا ما تشرحه اميركا لإسرائيل.. وتنصحها بأن يتكرر سايكس – بيكو من جديد، ليحمل هذه المرة اسم اتفاق نتنياهو – خامنئي بضمانة اميركية اكيدة.
عن صحيفة الشراع البيروتية