امريكا تقول ان التدخل العسكري الروسي في “القرم” غير قانوني وغير شرعي.. جميل وماذا عن تدخلها في العراق وافغانستان!
عبد الباري عطوان
هناك حالة من الهيستيريا تجتاح الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها الاوروبيون بسبب تدخل الروس عسكريا في شبه جزيرة القرم الاوكرانية، ويعتبرون هذا التدخل غير شرعي وغير قانوني.
لسنا هنا في صدد الاغراق في تفاصيل الازمة وجذورها، فقد سال حبر كثير في هذا المضمار، لكن ما نريد التوقف عنده هو هذه اللهجة الامريكية التهديدية للروس بالمقاطعة التجارية والحصار الاقتصادي والعواقب “الوخيمة” الاخرى حتى لكأن روسيا جزيرة “غرانادا” او دولة بنما الصغيرة، وليست دولة عظمى تملك قنابل نووية واوراق اقتصادية وحلفاء في وزن الصين والهند.
شبه جزيرة القرم روسية، اهداها الرئيس الروسي ليونيد بريجنيف الى اوكرانيا عندما كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي وهو في حالة ثمالة، والغالبية العظمى من سكانها من اصول روسية، وكذلك اجزاء كثيرة من شرق اوكرانيا، وما كانت الامور تصل الى هذه الدرجة من التوتر لولا التدخلات الامريكية السافرة في الفناء الداخلي الروسي.
جون كيري وزير الخارجية الامريكي يهدد بطرد روسيا من مجموعة الدول الثماني الكبرى، وفرض عقوبات اقتصادية ضدها، وتهدد دول الاتحاد الاوروبي التي عقد وزراء خارجيتها اجتماعا طارئا لبحث هذا الامر، بالاجراءات نفسها مثل الببغاوات وهي التي ستدفع ثمن اي حرب او حتى حصارات اقتصادية، بينما اعلن رئيس وزراء اوكرانيا الجديد صارخا “اننا على ابواب كارثة”، واستدعى الاحتياط كرد على التدخل الروسي في القرم، والغى قرارا سابقا باعتبار اللغة الروسية، التي يتحدثها اكثر من نصف السكان كلغة رسمية للبلاد في استفزاز متعمد لهؤلاء ومشاعرهم وثقافتهم، مثلما هو استفزاز لروسيا وقيادتها.
***
الغالبية العظمى من الشعب الاوكراني صوت ضد الانضمام الى حلف الناتو في استطلاعات رأي محايدة مثلما صوت ضد الغاء المعاهدات الاقتصادية مع روسيا لحساب الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، حتى ان الرئيس الاوكراني المنتخب فيكتور يانوكوفيتش جعل من معارضيه الانضمام لحلف الناتو على قمة برنامجه الانتخابي ونجح بسبب ذلك ولاعتبارات اخرى، ومع ذلك يقرع المستر اندرياس فوغ راسمسن طبول الحرب، ويتأهب للتدخل، ويقول في مؤتمر ميونخ للامن “لولا هذه الوحوش الروسية لكانت اوكرانيا جزءا منا”.
هذا هو الفجور الامريكي الاوروبي في ابشع صوره وشاكلته، فأي دولة لا تخضع للشروط الامريكية عليها ان تواجه الحرب او الحصار لشعبها، او الاثنين معا، صغيرة كانت مثل غرانادا او دولة عظمى جبارة مثل روسيا.
من المعيب ان تصف الادارة الامريكية التدخل العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم بانه غير شرعي، فهل كان تدخلها الدموي في العراق وافغانستان شرعيا؟ وهل دعمها اللامحدود للعدوان الاسرائيلي على الامة العربية واحتلال شعوبها ومطالبتها للشعب الفلسطيني الاعزل باسرائيل دولة يهودية عنصرية اخلاقيا وقانونيا ايضا؟
امريكا تدخلت عسكريا وقتلت اكثر من مليون عراقي تحت ذرائع كاذبة بوجود اسلحة دمار شامل، ولنشر قيم العدالة والديمقراطية، والشيء نفسه فعلته في كل من ليبيا وسورية بطرق مباشرة او غير مباشرة، ولكنها تفعل عكس ذلك تماما في اوكرانيا، وتحشد البوارج الحربية وتهدد بالعقوبات لدعم انقلاب على رئيس شرعي منتخب في انتخابات حرة نزيهة، بغض النظر عن كل الاتهامات له بالفساد، ونحن لسنا معه اذا ثبت فساده فعلا، ولكن من يحاسبه هو القضاء وليس الوزير كيري.
كان امرا مثيرا للسخرية ان يتحدث الاعلام الغربي عن قصر الرئيس الاوكراني يانوكوفيتش وبذخه، فمن يتأمل الصور التلفزيونية يجد ان القصر المملوك اساسا للدولة وسياراته ايضا يتواضع جدا اما قصور رؤوساء ورؤوساء وزارات اوروبيين، ونحن لا نتحدث هنا عن قصور ملوكنا وامرائنا ورؤوسائنا العرب.
استخدموا الاسلوب الرخيص في الحديث عن قصور الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وبهدف التشويه والتحريض والتضليل نفسه، ورددنا على ذلك في مقابلاتنا التلفزيونية بان هذه القصور ستبقى للشعب العراقي، مثلما بقيت قصور اسرة محمد علي ومن قبلها مقابر الفراعنة (الاهرامات) للشعب المصري، وهذا ما حصل فعلا فمن يقيم في قصور صدام الآن في العراق؟ ومن سيقيم في قصر الرئيس الاوكراني المعزول لاحقا؟
امريكا تعيش حالة من السعار، وتريد جر العالم الى حرب عالمية ساخنة، ومن المؤسف ان اوروبا تجاريها في ذلك، وتلث خلف نواياها التدميرية هذه وهي مفتوحة الاعين.