قبل اسبوع تقريبا، أي مساء الثلاثاء المنصرم أُعلن اتفاق المصالحة الفلسطينية بعد أكثر من 7 سنواتٍ من الانقسام و 7 محاولاتٍ سابقة لإنهائه.
تسمّر الفلسطينيون قبالة شاشات التلفاز والكمبيوتر مراقبين الحدث بأعينٍ غير مصدقة لما يجري.
ولكلّ مشكك بجدوى المصالحة وجديتها أسبابه، فالمصالحة هذه ليست الأولى من نوعها، وإن كان يرى محللون أنها لها ظروفها الخاصة التي تميزها عن سابقاتها.
مصالحة قديمة..جديدة.
تعود جذور الانقسام الفلسطيني الى مرحلة مبكرة قبل عام 2006، العام الذي فازت فيه حركة المقاومة الإسلامية حماس بأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، لكنّه ظهر بشكله البارز والحاد بدءاً من هذه السنة، عندما أُلحق الاختلاف السياسي والأيديولوجي بين أكبر فصيلين فلسطينيين بانفصالٍ في الجغرافيا والحكم.
وثيقة الأسرى. محاولة رقم 1:
كان الأسرى هم أول من استشعروا خطورة ما يجري وسعوا لتهدئة النفوس، ففي أيار 2006 أطلقت قيادات الأسرى الفلسطينيين وثيقة للمصالحة سميت لاحقا بوثيقة الأسرى التي جاءت بنودها على أهواء الجميع!، فإلى جانب بنود مهمة عديدة حضت الوثيقة على المقاومة، ودعت الى استمرار المفاوضات في ذات الآن، لاقت الوثيقة في حينها ترحيبا من جميع الأطراف، وعلى أثرها عُقد مؤتمر الحوار الوطني في غزة ورام الله يومي 25،26/ أيار/2006 الذي أكد على حرمة الدم التي لم يجدِ المؤتمر في تحريمها على ارض الواقع، إذ ظل الانقسام قائما ولم تتوقف الاشتباكات المسلحة، وفشلت وساطات عديدة بينها الوساطة القطرية في أكتوبر/ 2006 في تهدئة الأوضاع.
اتفاق مكة. محاولة رقم2:
واستمرت أجواء التوتر مع دخول عام 2007، إذ بادر الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى دعوة حركتي فتح وحماس إلى التحاور في السعودية وفي مدينة مكة تحديدا، ووقعت الحركتان على ما بات يعرف بـ “اتفاق مكة" في شباط2007 الذي نص على "الاتفاق -وبصورة نهائية -على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الطرفين، والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية لتكريسها." والمضي قدمًا في إجراءات تطوير وإصلاح (منظمة التحرير الفلسطينية) وشكلت الفصائل حكومة وحدة وطنية برئاسة إسماعيل هنية لم يقدر لها الصمود طويلا.
إذ بعد اتفاق مكة بأسابيع قليلة تجددت الاشتباكات بين مسلحي فتح وحماس، وهو ما انتهى بسيطرة حماس على قطاع غزة، ليتحول الانقسام السياسي إلى انقسام جغرافي يوم 14 يونيو/حزيران 2007.
إعلان صنعاء.. محاولة رقم3:
في 24 آذار من العام 2008 وقّع عزام الأحمد ممثلاً عن حركة فتح وموسى أبو مرزوق ممثلاً عن حركة حماس على ( إعلان صنعاء) في حضور الرئيس اليمني المتنحي علي عبد الله صالح، والذي كان نصّه كالآتي:
"نوافق نحن ممثلو حركتي فتح وحماس على المبادرة اليمنية كإطار لاستئناف الحوار بين الحركتين للعودة بالأوضاع الفلسطينية إلى ما كانت عليه قبل أحداث غزة تأكيداً لوحدة الوطن الفلسطيني أرضاً وشعباً وسلطة واحدة."
ولا ريب أنّ هذا الإعلان لم يُؤت أُكله، إذ اختلف الطرفان في حينه على إن كان إعلانا مُلزماً كما تريده حركة فتح، أم إطاراً للحوار كما أرادته حركة حماس.
الورقة المصرية... محاولة رقم4:
صمت المتنازعون لعامين على انقسامهم بعد فشلهم في تنفيذ ما اتفقوا عليه في مكة، وبدأ الفلسطينيون في قبوله-على مرارته-أمرا واقعا، حتى قام العدوان الإسرائيلي على غزة في نهاية عام 2008، ومع بداية عام 2009 تجددت الوساطة بين الفصائل الفلسطينية لتكون هذه المرة مصرية حيث أعدت القاهرة خلاصة أفكارها فيما باتت تعرف بـ “الورقة المصرية" وطرحتها في سبتمبر/أيلول 2009 م.
لكنّ هذه الورقة لم يتم التوقيع عليها من الحزبين أساساً، فبعد أن سارعت حركة فتح للتوقيع عليها، تراجعت حركة حماس عن إرسال وفدها إلى القاهرة، إذ قيل في بيان لمركزها الإعلامي نشر على الإنترنت، "مرة أخرى دخلت جهود تحقيق المصالحة الفلسطينية دوامة المجهول بعد أن نجحت حركة "فتح" في نيل مرادها بإدخال تعديلات على الورقة المصرية للمصالحة، ومحاولة تسويقها على أنها نسخة نهائية غير قابلة للنقاش ولا التعديل."
وأضاف البيان في حينة أن مختلف الفصائل الفلسطينية سجلت تحفظاتها على الورقة المصرية "التي جرى تعديلها لتوافق تحفظات حركة فتح بعد التوافق عليها من أغلب الفصائل؛ بما فيها حركة حماس."
وبناء عليه طلبت حركة حماس وقتا لدراستها قبل أن تطلب إدخال تعديلات عليها، لكن السلطات المصرية رفضت الطلب، وهو ما أدى إلى تجميد الأمور بين الحركتين لسنوات أخرى مقبلة.
عاد الحراك مجددا إلى ملف المصالحة بعد لقاء جمع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ورئيس المخابرات المصرية عمر سليمان أواسط 2010، عقد على أثره لقاء بين فتح وحماس بالعاصمة السورية دمشق في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2010.
ورغم الإعلان عن جلسة جديدة أواخر ديسمبر/كانون الأول 2010، فإن اللقاء لم يعقد في حينه، وتبادلت الحركتان الاتهامات بالمسؤولية عن تعطيله.
القاهرة مجدداً.. محاولة رقم 5:
في تاريخ 4-5-2011 وقبيل أربعة أشهر من اعتزام الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس التوجه للأمم المتحدة للمطالبة بتحصيل اعتراف دولي بفلسطين كدولة عضو. احتفلت الفصائل الفلسطينية بتوقيع اتفاق المصالحة بحضور محمود عباس وخالد مشعل.
الاتفاقية التي وقعت في مقرّ المخابرات المصرية للنظام المعزول اشتملت على بنود مختلفة عن التفاهمات السابقة، إذ نصّت على "تشكيل لجنة أمنية عليا يصدر الرئيس الفلسطيني مرسوماً بها، تتكون من ضباط مهنيين بالتوافق، وتمارس عملها تحت إشراف مصري وعربي، وعلى انتخابات تشريعية بنظام مختلط ورئاسية بإشراف مصري ودولي، وكذلك انتخابات على النظام النسبي للمجلس الوطني الفلسطيني."
لكنّ المحاولة لم ترَ النور مثل المحاولات الأربع السابقة.
قطر هذه المرة.. محاولة رقم6:
بعد أقلّ من سنة على مرور اتفاق القاهرة، وفي تاريخ 6-2-2012 اجتمع المُنقسمون في الدوحة، وبعد ثلاثة اجتماعات على مدار يومين وقع كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل وبرعاية أمير دولة قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على إعلان الدوحة، الذي نصّ على تشكيل حكومة توافقية من شخصيات مستقلة برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس تشرف على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أقرب موعد إجرائي مناسب لوضع حد للانقسام الداخلي المستمر منذ يونيو 2007.
ولاقى هذا الاتفاق انتقادات عديدة في حينه، بسبب عدم تضمين الاتفاق مواعيد زمنية محددة بشأن تشكيل حكومة التوافق وتحديد موعد الانتخابات العامة إلى جانب عدم تحقيق تقدم جوهري في باقي ملفات المصالحة ما يبقي الباب مفتوحا أمام الانقسام عوضا عن إنهائه.
و الأهم بسبب تكليف عباس برئاسة حكومة التوافق الذي يعتبر خروجا عن القانون الأساسي في ضوء التعديلات التي جرت على النظام الأساسي الفلسطيني عام 2003 التي قضت بالفصل بين منصب رئيس السلطة ورئيس الحكومة.
القاهرة مرة أخرى.. محاولة رقم7:
هذه المرة اتفاق المصالحة في القاهرة جاء برعاية الحكومة المصرية الجديدة وفي عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، في 9-كانون الثاني-2013 وبعد سنةٍ تقريبا من إعلان الدوحة اجتمع وفدٌ فتحاوي برئاسة محمود عباس مع آخر حمساوي برئاسة خالد مشعل وناقش الاجتماع الذي استمر لساعات ثلاث سبل تنفيذ اتفاق الوفاق الوطني الذي وقع في القاهرة في مايو/أيار 2011 عبر البدء الفوري في تنفيذ آليات الاتفاقيات السابقة بين الطرفين".
الى هذه المرحلة كان يبدوا أنّ كل الكلام قد قيل، وأنّ المصالحة ينقصها التنفيذ الفعلي للبنود التي خاضوا كثيرا في نقاشها وتفننوا في صياغتها على الورق لكنهم فشلوا في تطبيقها، وكانت المصالحة التي شاهدناها على التلفاز ووسائل الإعلام المختلفة هي المحاولة الثامنة، لكنّها الأولى التي تجري وتوقّع على أرض الوطن، ومن قلب مخيم الشاطئ في غزة المحتلة.
لماذا هذه المصالحة تختلف عن سابقاتها؟
يرى محللون أنّ المصالحة الفلسطينية هذه المرة تختلف عن سابقاتها في الظروف التي تحيط بالحزبين المتنازعين، والتي أجبرتهم على السعي نحوها وإن لم تكن نواياهم صادقة حقا، إذ أن ما حث حركة فتح وحركة حماس على توقيع الاتفاق هو الإحساس بالخطر الشديد وكذلك مصلحتهما بالمصالحة لانقاذ مواقفهما المتأزمة. فبالنسبة لحركة فتح جاء الاتفاق ردا على مماطلة الاحتلال الإسرائيلي في المفاوضات ورغبتها بفرض شروطها على الفلسطينيين، إذ تشهد المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي أزمة حادة قبل نهاية مهلتها المقررة في يوم غد أي 29 من الشهر الجاري علما أنها استؤنفت نهاية يوليو الماضي بوساطة أمريكية بعد توقف استمر ثلاثة أعوام.
أما بالنسبة لحركة حماس، فإنّ الصعوبة التي تشهدها نتيجة ازدياد الموقف العربي والمصري المعادي لحركة الإخوان المسلمين التي تنتمي لها شكّل عامل ضغط عليها ودفعها نحو المصالحة لضيق الإفق وقلّة المخارج إذ تشهد العلاقات بين القاهرة وحماس توترا منذ احتجاجات 30 يونيو التي أدت إلى عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في الثالث من يوليو الماضي صاحبها تدمير الجيش المصري لمعظم الأنفاق بين الجانبين، وتقليص العمل على معبر رفح البري الذي يعد منفذ سكان قطاع غزة إلى العالم الخارجي.
تعددت المصالحات.. والرد الإسرائيلي واحد.
مع كلّ توقيع لاتفاقية كان الاحتلال الإسرائيلي يعلّق باتجاه واحد: "أولئك الذين يختارون حماس لا يريدون السلام".
وهي ذات العبارة التي قالها رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو الأربعاء المنصرم.
وليس من الإسرائيليين ببعيد صرّح الأمريكيون بتصريحاتٍ ذات نغمة مشابهة للنغمة الإسرائيلية إذ عبّرت الولايات المتحدة الأربعاء عن خيبة أملها من إعلان المصالحة الفلسطينية، وقالت إنه يمكن أن يعقد جهود السلام بشكل خطير, ومجددا عادت الادارة الامريكية للتلويح بعصا المساعدات المالية إذ هددت بقطع المساعدات عن الفلسطينيين في حال مضوا بتشكيل حكومة تضم حماس و قال مصدر مسؤول في الإدارة الامريكية إن أي حكومة فلسطينية تقام مستقبلا يتوجب عليها الاعتراف بإسرائيل ما أكدت حماس في تصريحات لطاهر النونو مساء أمس رفضها القاطع له.
بقي أمام البدأ بتنفيذ أول بنود اتفاق المصالحة قرابة الشهر، ومع الضغوط الدولية والإسرائيلية وضعف الأًسس التي بُني عليها الاتفاق يبدو أنّ التعويل على نجاح هذا الاتفاق ليس بالأمر السهل، خاصة أنّ الرد الإسرائيلي الأول على الاتفاق كان قصفا نفذته طائرة استطلاع إسرائيلية على دراجة نارية تزامن مع توقيع الاتفاق ما أدى إلى إصابة رجل وطفلتيه كانوا يمرون في المكان.