تركض الأيام.. تعدو الأعوام.. يتكاثر الأنام..منهم من يتقدم للخلف، ومنهم من يرجع للأمام..منهم من يستيقظ متأخرا، ومنهم من يكره فئة النيام..الزعماء يخوضون الحروب، لكنهم يتحدثون في السلام.. المتمولون كلامهم أشبه بسحابة صيف وغمام.. الأغنياء يتلونون كالحرباوات والبسطاء يبقون كالحمام.. والفقراء وحدهم لا يملون الالتزام..
الزعران في غيّهم، والمستقيمون في حدّهم كالحسام.. العابثون لا يأبهون، والشرفاء يتعبهم الكلام..العاطلون لا همّ لهم، والعاملون يشكون السّقام..هي الدنيا مقلوبة، فالأسفل بات في أعلى مقام..والمواطن بات يخشى أن يسلبه المسلحُ المُقام.. فالقواد يظنّ أنّ البطولة في نحر البطون وهتك الأرحام.. والقويّ يدرك أنّ القوّة في قدرة الصبر على الآثام..
فالعمرُ يمضي والكسولُ كسولٌ والمقدامُ مقدام.. لا تقدّم النّصحَ لمن تهاون وما عاد يشعرُ بايلام.. ولا تردّ الباغي عن بغيه، فتلك لعمري من الأمور الجسام.. ولا تقوّم من اعوجّ وبات منحرفا، حيث لا ينفع الإقوام.. ومن رضيَ أن يعيشَ في الهامش مثله مثل الهوام.. اتركه ودع الدّنيا تعلّمه كيف يكون همام (حيث فقد العلام)..
كذب المنجّمون مهما استطلعوا أو نظروا، يبقون في انهزام..وكذب المستعمرون مهما ابتدعوا جيوشا وعصابات من تحت الرّكام.. كلّهم يبيعوننا ترهات وشعارات، أو يقدمون لنا ما لديهم من أوهام..لنعيش كما يريدون لنا في عالم من خواء وأضغاث أحلام..
هي الدنيا أمٌّ وأبٌ وأبقى من من كلّ من سار بهندام.. فان لم تترك أثرا في جسد، تركت في الروح مَرام.. وان لم تحظَ بأبناء يقدّمون لها آيات الاحترام.. لا بدّ وأن تنالَ التكريم، عندَ ربّ يوفيها حقّ الإكرام..
(شفاعمرو- الجليل)