حذرت دراسة صادرة عن جامعة حيفا، من كوارث خطيرة جراء تلوث البيئة في منطقة خليج حيفا، الذي يضم عددا كبيرا من المنشآت الصناعية العاملة في مجالات منها البتروكيماويات وتكرير النفط والصناعات الثقيلة، مؤكدة أن مدنا تقع ضمن لواء حيفا شمالي إسرائيل، شهدت في الآونة الأخيرة حالات ولادة أطفال يحملون تشوهات، من بينها صغر حجم الرأس.
وأشارت الدراسة التي سلطت وسائل الإعلام العبرية عليها الضوء، إلى أن التلوث البيئي الناجم عن المصانع التي يكتظ بها الخليج الوحيد الكبير على البحر المتوسط، تسبب في ظهور حالات عديدة، يبلغ فيها حجم رأس المواليد أقل بنسبة 20 إلى 30% عن الحجم الطبيعي، مؤكدة أن تلك المعطيات الخطيرة ظهرت بعد دراسات عميقة وعمليات مسح شامل للمناطق المتاخمة لخليج حيفا.
وحددت الدراسة ثلاث بؤر أساسية ظهرت فيها الحالات المشار إليها، وهي مدن “كريات حاييم، وكريات بياليك، والكرمل“، وهي مدن تقع على مقربة من المنطقة الصناعية بالخليج، لافتة إلى أن الباحثين الذين شاركوا في إعداد الدراسة وجدوا أن نسبة الإصابة بسرطان الرئة والغدد الليمفاوية والربو تبلغ خمسة أضعاف المتوسط الطبيعي في باقي أنحاء إسرائيل.
وفحص الباحثون المنتمون لـ”جامعة حيفا”، والذين بلغ عددهم 20 باحثا، بالتعاون مع ممثلي وزارة الصحة ووزارة حماية البيئة، اتجاه الرياح بالمنطقة، وتبين لهم أن المواد العضوية المتطايرة مع غازات المداخن تتجه مع الرياح إلى هذه البلدات على وجه التحديد، وأنها المسؤولة قطعا عن ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض السرطان المختلفة، ولا سيما بين الأطفال والمواليد الجدد، فضلا عن ظاهرة الرأس الصغيرة.
وأشارت مصادر إسرائيلية إعلامية إلى أن تلك المعطيات وضعت في الأيام الأخيرة أمام لجنة خاصة لتقييم نتائجها واستخلاص ما بها من دروس استعدادا لطرحها أمام الحكومة الإسرائيلية والكنيست. ومع ذلك ردت مصادر حكومية رسمية على ما سربته وسائل الإعلام من الدراسة، زاعمة أنها لم تستكمل بعد، وأنه ليس من المعروف أي منهج اتبعته، وأن دراسة من هذا النوع لا يمكن البناء على نتائجها.
ونقل الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مسئولين إسرائيليين أن المعطيات التي وردت بالدراسة غير دقيقة، وأن هناك ثغرات مهنية واضحة، وأنه لن يُنظر إلى الدراسة التي أعدها باحثو بجامعة حيفا قبل تعديل ما بها من أخطاء مهنية وعلمية.
لكن الموقع نقل أيضا عن متحدث بإسم وزارة البيئة الإسرائيلية بأنها على علم تام بأن نسبة التلوث في منطقة خليج حيفا مرتفعة للغاية، وأن لديها خطط وتدابير تتخذها في هذا الصدد، في محاولة منها لتخفيف آثار التلوث الناجم عن المنشآت الصناعية بالمنطقة، زاعمة أن نسبة التلوث تراجعت بقرابة 11% مؤخرا، ولكنها مازالت مرتفعة مقارنة بمناطق أخرى في البلاد.
وتشكل منطقة خليج حيفا مصدرا رئيسيا للانبعاثات الضارة الناجمة عن مجمعات البتروكيماويات، فضلا عن وجود قرابة 20 مصنعا، تعتبر غالبيتها الأكثر تلوثيا للبيئة في إسرائيل، كما تضم مستودعا لتخزين غاز الأمونيا بسعة 15 ألف طنا، حيث طالب سكان المنطقة مرارا وتكرارا بنقله دون يجدوا آذانا صاغية، على الرغم من طرح احتمال نقل المنشآت الملوثة للبيئة جنوبا.
وبلغت أزمة خليج حيفا ذروتها في نيسان/ أبريل من العام الماضي، حين أوصت وزارة البيئة الإسرائيلية بإعلانه “منطقة منكوبة بيئيا” في أعقاب صدور تقارير تفيد بأن 50% من حالات إصابة الأطفال في حيفا بمرض السرطان ناجمة عن التلوث الجوي، فيما نشرت وزارة الصحة الإسرائيلية وقتها تقريرا، يفيد بأن الفترة بين 1998 حتى 2007، شهدت دلائل على أن نصف عدد الأطفال الذين أصيبوا بمرض السرطان في حيفا، كان بسبب التلوث الجوي.
وفي حديث مع المحامية جميلة هردل واكيم – من جمعية محامون لاجل البيئة – لاذاعة الشمس حول هذه المعطيات فالت ان: "هذه المعطيات تعود كل سنة على نفسها من جديد وتشير الى وجود نسبة امراض عالية نتيجة التلوث الصناعي الموجود وبين الناس الموجودين في التجمعات السكنية القريبة من هذه المصانع، ونسبة الاصابة بسرطان الرئة هي اضعاف ما هو متعارف عليه، كذلك الامر بالنسبة للمواليد الجدد الذين تبين ان رؤوسهم اصغر بنسبة 20% من المواليد العاديين في مناطق اخرى، هناك تناقض موجود بين رغبة السلطة المحلية بتشجيع الصناعة وفتح ابواب عمل من جهة وفي ذات الوقت هذه المصانع هي نفسها التي تجلب الامراض والتلوث، انا اؤكد ان معايير العمل في حيفا هي بمعايير اوروبية عالمية، لكن المشكلة في الرقابة على هذه المعايير، هناك فرق كبير بين ما نصرح به للصحافة اننا ضد التلوث والمصانع، لكن في الحقيقة السلطات الرسمية تتعامل رسميا مع هذه المصانع، البلدية والوزارة والمصانع ليس لها اية مصلحة ان تخرج بهذه المعطيات للجمهور".
فيما قال د. سهيل اسعد – نائب رئيس بلدية حيفا – في حديث لاذاعة الشمس حول هذا البحث: "ان احد الاطراف الذين طلبوا هذا البحث هو اتحاد المدن الذب تتبع له مدينة حيفا، المشكلة في حيفا صعبة جدا في هذا الجانب، اعتقد ان المفروض ان الحل ان يكون هناك تدخل مباشر من الدولة في هذا الامر، على هذه المصانع ان تغير من المعايير التي تعمل بها لان اوروبا تعمل بمعايير تفوق بكثير معايير العمل في الخليج، يجب ان يكون واضحا اننا لن نسمح ان هذا الموضوع يكون فيه أي نوع من تغيير المسار، هناك محاولات كثيرة، ممنوع لا بلدية حيفا ولا رئيس بلدية حيفا ان يضع راسه في الرمل ولا يرى حوله ما يحدث، المصانع جزء من مبنى الميناء الجديد، والمصانع الجديدة المفروض ان تستعمل مواد غير ملوثة مثل المازوت والسولار، وانما الكهرباء والغاز، لا يمكن الاستمرار بهذا الوضع".
للاستماع الى المقابلتين كاملتين