حمل الكتاب عنوان: "إذاعة الشمس على خط التماس بين المراقبة، السياسة والاقتصاد". اعد الكتاب شلومو ديسكال وتهيلا شفارتس الطشولر. عدد صفحات الكتاب 275 صفحة.
في مقالي سأعطي فكرة سريعة عن مضمون الكتاب والأسئلة التي يثيرها بكل ما يتعلق بالإعلام العربي وإذاعة الشمس خاصة، على أمل ان أعود للكتاب لتناول قضايا إعلامية هامة عديدة يثيرها الكتاب.
أولا المعهد الإسرائيلي للديمقراطية هو معهد مستقل، غير حزبي ويتركز بأبحاثه عن خط التماس بين الأكاديمي والسياسي. تكتسب أبحاثه أهمية كبيرة في الأوساط الأكاديمية والسياسية في إسرائيل.
تناول الكتاب بداية صعود إذاعة الشمس إلى الفضاء بصفتها مشروعا اقتصاديا يهوديا عربيا قبل ان تصبح بملكية عربية شاملة. هدف الكتاب كما جاء في مقدمته فحص ما تبثه إذاعة الشمس وعلاقتها مع السلطة التنظيمية (الرقابة) المسئولة عنها (القصد الشبكة الثانية للتلفزيون والراديو).
يطرح المؤلفان في المقدمة تساؤلات هامة: هل الشمس إذاعة قومية معادية للدولة أو هي على عكس ذلك إذاعة ملاحقة سياسيا من المؤسسة الإسرائيلية الصهيونية المعادية؟
يؤكد المؤلفان ان الهدف، وهذا يجري لأول مرة مع الإعلام العربي، هو وضع خارطة إعلامية أولى من نوعها من اجل فهم الرسالة الإعلامية التي تطورت في إذاعة الشمس، دراسة عملية التطور، تحليل برامجها وتحديد طابعها الإذاعي بجانبيه الكمي والنوعي، عبر الفصل بين البث الروتيني، وبين البث بمناسبات قومية إسرائيلية وعربية (فلسطينية)، إلى جانب الاحتكاك بين الإذاعة والمؤسسة الإسرائيلية- القصد الرقابة من الشبكة الثانية.
يوضح المؤلفان من البداية فهمهم ان المشكلة هي في ساعات بث برامج الأحداث الجارية (اكتواليا) حيث نسبة المستمعين تصل إلى أعلى مستوى وهناك تقع أكثرية "الاحتكاكات" مع الشبكة الثانية- مع الرقيب. رغم ان المؤلفان يؤكدان على موضوع هام، هو ان إذاعة الشمس لا توفر نقدها ضد أوساط في المجتمع العربي.. وليس فقط ضد مؤسسات الدولة وأسلوب تعاملها مع الوسط العربي.
يؤكد الباحثان ان الشمس ليست "صوت فلسطين" وبنفس الوقت ليست "صوت إسرائيل بالعربية". الشمس ليست بوقا للمؤسسة الإسرائيلية الصهيونية، الشمس هي صوت إسرائيلي بالعربية، صوت عربي محلي، مُقصى وليس منعزلا. صوت مجتمع مضاد يطمح بطريقته إلى الاندماج.
من جهة أخرى حين يتحدثون عن الشبكة الثانية (المراقب) يؤكدون انه يرى بوسائل الإعلام العربية "جنودا" في النزاع العربي – الإسرائيلي، لذا إذاعة عربية مستقلة، إلى جانب كونها أداة لخدمة الدولة ومواطنيها العرب، هي بنظر المؤسسة أداة ذات قدرة للتحريض أو للحرب النفسية. بالوقت الذي يريد المراقب ان تكون إذاعة باللغة العربية "جسرا للسلام" أو "أداة لتقريب القلوب" ، ومهما كان الأمر إلا انه في عيني المجتمع اليهودي، حتى إذاعة محافظة كإذاعة الشمس، هي ليست إلا السوء بأقل أشكاله، أي نوع من العلاقة التي تسمى بالعبرية "احترمه وشك به"!
تشير الدراسة إلى أمر هام جدا، تجعلني استهجن صمت المؤسسات العربية عنه، وخاصة صمت "الزعماء". يكشف المؤلفان امرأ خطيرا وهاما، انه لا يوجد للصوت العربي داخل مجلس الشبكة الثانية التي تمارس الرقابة على إذاعة الشمس عمليا، تمثيلا مناسبا ويستحق ان يكون ممثلا للصوت العربي. هناك غياب عمن يمكن ان يكون ممثلا للمزاج السائد في الوسط العربي أو الشفيع للاستقامة العامة لإذاعة الشمس.
يؤكد المؤلفان ان أكثرية الاحتكاكات بين الرقابة وإذاعة الشمس هي حول مواضيع وطنية وليس حول المواضيع الروتينية التي تحكم العلاقة بين الرقيب والإذاعة، ان كان في المجال الاقتصادي (الإعلانات) أو الفني (تقوية قوة البث للإذاعة) مع إضافة الخلفية القومية ذات التأثير الواسع، أي النزاع اليهودي – العربي، وشعور التمييز والإقصاء، مما يجعل "المراقب" بعيني عاملي الإذاعة عدوا قوميا.
لست في باب استعراض تفاصيل هذا الكتاب الفريد والهام في تناوله للشمس تحديدا والإعلام العربي عامة، فهو يتناول في فصله الأول (الذي قد أعود إليه بمقال خاص) بشكل تفصلي مجمل الإعلام العربي في إسرائيل، الصحافة المطبوعة، التلفزيون ومواقع الانترنت.
في الفصل الثاني يتناول المؤلفان البث باللغة العربية فيتحدثون عن صوت إسرائيل بالعربية وعن الإذاعة التجارية باللغة العربية.
الفصل الثالث خصص لإذاعة الشمس، ثم فصلا عن برامج الأحداث الجارية (اكتواليا) والهوية القومية في بث إذاعة الشمس. ويبحث ببث إذاعة الشمس في أيام الاحتفالات بمناسبات قومية(القصد للدولة والمجتمع اليهودي والمناسبات القومية الفلسطينية، مثل يوم النكبة الفلسطينية، يوم الذكرى والاستقلال، الكارثة، الذكرى السنوية لأحداث أكتوبر، يوم الأرض وتلخيص للمواضيع.
في النهاية يطرح الكتاب العلاقة بين المراقب وإذاعة الشمس عبر المفاهيم المختلفة والوظائف المختلفة، وينتهي الكتاب بتقرير عن الرقابة وتأثيرها على حرية التعبير لإذاعة الشمس.
الكتاب موضوعي ويطرح المواضيع بطريقة عقلانية وحيادية كدراسة أكاديمية تعتمد الوثائق والحقائق وبشكل علمي كامل بعيدا عن أجواء الرأي المسبق الذي يميز أوساطا واسعة من السلطة والمجتمع اليهودي في إسرائيل.
آمل ان يترجم الكتاب للغة العربية لأهميته الشاملة لموضوع الإعلام العربي في إسرائيل ودور إذاعة الشمس الخاص في إطار هذا الإعلام.