نبيّنا شعيب، عليه السلام، الذي تمتع ويتمتع بمكانة بالغة الأهمية لا توصف، مهما كانت دقة وعظمة الكلمات والعبارات مؤثرة ومعبرة، يتميّز باللون الأخضر الذي يدبّ في النفس الحياة، الأمل، العطاء والتجدّد. كلّ ما يحيط به من جبال ومرتفعات وسهول ومداخل خضراء مزهرة في غاية الجمال، يبهر البصر؛ لا يقوى الزائر على التقاط أنفاسه، فتنحبس داخله من روعة هذه المناظر الخلابة، وقدسيّة المكان الّتي تلفّ الزائر بالأمن والأمان والخشوع.
هذه السنة أنسج كلماتي بهذه المناسبة العطرة والعزيزة دون أن أتطرّق، كما هو متبع، لسرد قصة النبي شعيب، عليه السلام. منذ الأزل، تناول الكتاب والرحّالة والمؤرخون قصّته، مشيرين إلى مكانته عبر التاريخ، ونوّهوا بشعور الزوار ومدى ازدحام المقام، وكيف تتمّ مراسيم الاحتفال. وإنما أتحدّث عن حقيقة ابتعادنا عن جوهر المناسبة، ومعانيها الأساسية، واتّباع المظاهر والاحتفال بطريقة ليس لها أي صلة وعلاقة... وعن أوضاعنا المزرية، المقلقة، والآخذة بالتردّي في مجالات الحياة ومرافقها على اختلافها، وفي مقدّمتها الصراعات الداخليّة، وعدم وجود إطار متفق عليه يشمل جميع قطاعات أبناء الطائفة، يكون مبنيًّا على أسس مدروسة ونوايا سليمة تعمل على دراسة مشاكلنا التي لا تحصى ولا تعدّ لحلها.
بدأت الاحتفالات بهذه المناسبة في عدد من القرى قبل أسبوع، وبرز منها الاحتفال الذي أقيم في مقام سيدنا الخضر عليه السلام بحضور شخصيات رسمية ورجال دين من مختلف الطوائف، وأصحاب المصالح، وفي كلمته القيّمة التي لاقت التشجيع قال الرئيس الروحيّ للطائفة الدرزية فضيلة الشيخ موفق طريف: في مثل هذه الأيام استضاف النبي شعيب، عليه السلام، النبي موسى، عليه السلام، وقدّم له الاستشارة والنصائح لتعيين القضاة ليحكموا ويحققوا العدل والعدالة. وهذه السنة صادف حلول عيد النبي شعيب مع عيد الحرية والربيع عند اليهود، والفصح لدى إخواننا المسيحيين، فما أروع أن تلتقي الأعياد معًا في جوٍّ من التآخي والتسامح، متمنّيًا لجميع المحتفلين الخير والبركة والسلام يعم شرقنا العزيز خاصةً، والعالم أجمع.
ثمّ ألقى الشّيخ عائد قويقس قصيدة زجليّة في المناسبة، وممّا جاء فيها:
نيسان فيك التقوا الإنجيل والقرآن وتوراة موسى بجنب لفات درزية الأعياد فيك التقوا تيفهموا الإنسان وجوده ع سطح الأرض نعمة سماوية
يا ريت كل الشهور بيشبهوا نيسان شهر التآخي، والمحبة الحقيقية
ما في ديانة بعثها خالق الأكوان بتدعي لقتل الخليقة والكراهية
وفصح النصارى انعرف من سالف الأزمان رمز القيامة لإخوتنا المسيحية
قيامة الفادي ابن مريم من الأكفان للبشر الله اعتبرها أعظم هدية
وبهالمقام العظيم اجتمعت الإخوان تيعيدونا بمحبة وعن صدق نية
ان شالله المقام يظل موحد الأديان درزي ومسيحي ويهودي ومسلم سوية
بهذه المناسبة، أوجّه صرخة من الصميم إلى أبناء طائفتي المعروفيّة أن نتعالى عن المصالح الشخصية الضيقة، والمواضيع الهامشية، والعمل على الألفة والتوحيد وتجنيد كلّ الطاقات العلمية والدينية والسياسية والثقافية لبناء جسور الحوار والتركيز فيما يصبّ في مصلحة الطائفة، وأن نتابع، عن كثب، أوضاع إخواننا دروز سوريا، ونستمرّ في تقديم الدعم لهم.
كلّي أمل أن يسود الاحتفال أجواء من صفاء القلوب والعقول، أعاده الله على الجميع بكل خير ومحبة.