أكثر من خمس سنوات ونظام الأسد يواصل سفك دماء شعبه بشتى الوسائل، لم يعد يوفر فيها استخدام أي وسيلة غير المشاهد الأخيرة المذهلة الخاصة بنتائج القصف الجنوني وتبعاته على مدينة حلب واستهداف المدارس مشروعة، واستعان بأرذل البشر على شكل ميليشيات مسلحة لمعاونته على قتل شعبه. وبالتالي هذه والمستشفيات ودور العجزة والمساجد فيها، ومشاهد جثث القتلى بالعشرات وجلهم من الأطفال والشيوخ والنساء، وحمامات الدماء في كل مكان حولهم، ما هي إلا تأكيد جديد على الجريمة الأعظم في تاريخ البشرية المعاصر. الجريمة مستمرة ويوفر لها الغطاء الدولي المناسب.
روسيا بوتين تضع جميع ثقلها السياسي والدبلوماسي خلف نظام الأسد وهو يدمر حلب بالكامل ويسويها بالأرض إن أمكن لإرسال رسائل للعالم بأن كبرى المدن السورية لن يسمح لها بالخروج على النظام. مسألة بقاء الأسد في الحكم تم «حسمها» في لقاء بوتين مع نتنياهو الأخير في موسكو، وذلك بحسب تقارير استخباراتية مختلفة أفادت بأن بوتين طرح «بدائل» للأسد في الحكم، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض الأسماء المقترحة كلها، وقال إنه لا يثق بأحد قادر على حماية السلام والحدود مع إسرائيل، إلا بنظام الأسد، وهي مسألة اعتبرها بوتين ضوًءا أخضر لتصعيد وتيرة القتل مع قوات الأسد في حلب تحديًدا. كل ذلك كان يحصل وسط خجل دبلوماسي غربي لا يمكن إغفاله، ولا التعامل معه ببراءة.
عندما تحدث أية حادثة إرهابية في أوروبا يتفاعل معها العالم ويتعاطف، وما يحدث اليوم في حلب من استهتار بالدماء والأرواح والتفرقة الواضحة بين ثمن روح وأخرى لهو مسألة مقززة على أقل تقدير. سقطت الأمم المتحدة وسقطت منظمات حقوق الإنسان في مستنقع الثورة السورية، وفقدت الحجة الأخلاقية التي كانت بمثابة الضمير المدافع عن الإنسانية. فشل المجتمع الدولي في وضع حد لينهي غطرسة نظام الأسد وإجرامه في حق شعبه، يقدم علامات تعجب واستفهام أكثر مما يقدم من إجابات عن أسئلة محيرة بخصوص الموقف المأساوي المؤسف.
عندما يسمح بأن يقدم نظام بحرب فيها إبادة جماعية بحق مدينة بأكملها، وبقصف جوي بالصواريخ والقذائف والقنابل والبراميل المتفجرة دون أن يكون هناك أي رادع أو حد لإيقافه، يكون الكل مشارًكا في هذه الجريمة، ولعل هولوكوست حلب ومحرقتها اليوم بحاجة لمعجزة حتى تنتهي. هناك تاريخ من الكراهية من نظام بشار الأسد لمدينة حلب وأهلها، وكل السوريين يعرفون ذلك، فحافظ الأسد لم يزرها سوى مرة واحدة طيلة فترة حكمه، وعاقبها بعد حادثة الكلية الحربية التي شهدت اغتيال بعض عناصره المقربين، وبعدها جاء ابنه إلى الحكم فزرع طبقة جديدة وغريبة عن أهل حلب فيها تسلط عليها، ودمروا بنيتها الاجتماعية، كل ذلك نتاج حقد متأصل قديم، وها هي حلب اليوم تنال العقوبة الأعظم من النظام الأكثر إجراًما. حلبُتباد والعالم نيام، هذه الجملة تروي باختصار المشهد الأليم وسط عجز مخٍز تام للضمير والإنسانية.