كنا يوم السبت الماضي (4/6) على موعد مع مؤتمر "تحصين المجتمع ومكافحة العنف" في كلية القاسمي في باقة الغربية، وبدأ المشاركون بالوصول ببطء وتمهل وابتدأ المؤتمر بتأخير ساعة تقريبا، ( لم يعد الأمر مستهجنا وتعودنا عليه في سائر المؤتمرات واللقاءات العامة). افتتح المؤتمر بجلسة احتفالية كالعادة تضمنت كلمات من الهيئات المبادرة والراعية للمؤتمر، بعضها طال من أكثر تحية وترحيب، الحضور تزايد قليلا، والبعض ذكر الحضور القليل والبعض أجرى احصاء سريعا حول عدد النواب العرب ورؤساء السلطات العربية، كان الحضور هزيلا، البعض تساءل عن الغياب الشعبي، البعض استغرب غياب وسائل الاعلام. رغم أن الحضور ازداد الا أن القاعة لم تمتليء بالحضور، الذي عاد وتناقص مع بدء جلسات البحث والتفكير وتقديم المعطيات والاقتراحات من قبل المحاضرين والمختصين، كما هي العادة، وتوقف عند العشرات.
لن أتوقف كثيرا عند الملاحظات والنواقص التي اعتدنا عليها في مؤتمرات كهذه، لن أتطرق للتنظيم والسجال المتكرر الى حد الملل، حول الفجوة بين القيادة والقاعدة الشعبية، لن أوجه سهام النقد للمنظمين وهو أمر سهل، رغبة مني في منح اللجنة التحضيرية ولجنة مكافحة العنف المنبثقة عن لجنة المتابعة، فرصة لاثبات أن هذه فعلا خطوة أولى وانطلاقة لمشروع مختلف وجدي. لكن أسمح لنفسي ببعض الملاحظات كانسان متابع ومهتم وقلق، تجاه هذه المعضلة التي تعصف بمجتمعنا وشعبنا والتي نقف حائرين أمامها، ومن واجبنا أجمعين أن نتكاتف لايجاد وسائل وطرق للحد من نتائجها المدمرة والتي تهدد مجتمعنا بأسره، فالوقت وقت العمل وليس وقت الهجوم المتبادل أو توجيه سهام النقد اللاذع، لأن القضية عامة وتهم كل فرد منا رغم عدم الحضور الجدي والواسع الى المؤتمر. وهي أهم من السجال بين من رأى نصف الكأس الفارغة ومن رأى نصفها الملآن.
أظن أن اللجنة التحضيرية استدركت مسألة الحضور مسبقا، ولهذا اعتمدت تسمية "مشروع انطلاقة" ولم تطلق تسمية "مؤتمر" على اللقاء المذكور وهذه كانت محور نقاش بين أعضاء اللجنة التحضيرية، وأكد أحدهم عليها ليهديء من روعنا لعدد الحضور القليل. فلم تكن هناك دعوة عامة عبر وسائل الاعلام لهذا اللقاء واقتصرت الدعوات على وسائل الاتصال الاجتماعي الألكتروني. وفعلا يمكن الاشارة الى خصوصية اللقاء أنه جمع بين المسؤولين السياسيين في مجتمعنا وعدد كبير ونوعي من الباحثين والأكاديميين المختصين في مجال العنف والمجتمع، لوضع "خارطة طريق" تحوي أفكارا واقتراحات عملية لمكافحة العنف وايجاد البدائل له، وليس لمجرد القاء الكلمات واطلاق الشعارات التي تفاداها معظم السياسيين وطرحوا هم أيضا أفكارا هادئة وعملية للبحث والصقل والبلورة. وأظن أن هذه هي النقطة الايجابية الوحيدة والبارزة في اللقاء المذكور، والتي يجب العمل على عدم التوقف عندها والانطلاق فعلا نحو وضع "خارطة طريق" فكرية وعملية لمعالجة هذه المعضلة بشكل جدي ومدروس.
من الأفكار العملية التي طرحت، وكانت مبادرة جريئة وشجاعة وتحتاج الى ارادة وتصميم لتنفيذها ويمكن أن تحقق نتائج عملية ملموسة خلال فترة وجيزة، تلك التي أطلقها رئيس لجنة المتابعة السيد محمد بركة ومنحها تسمية "حملة نظّف بيتك"، ومن هنا نبدأ فعلا. نظف بيتك من السلاح، نظف بيتك من الوسائل الحادة غير المنزلية، نظف بيتك من بيئة المخدرات والسموم، نظف بيتك من الأفكار المسمومة والأدمغة المسطولة، نظف بيتك من السلوكيات العنيفة والغريبة والألفاظ البذيئة.
جرى التأكيد في المؤتمر على دور الاعلام العربي والاعلاميين، لكن لم يحضر منهم العدد الأدنى رغم أني علمت أنه تمت دعوة الاعلاميين ووسائل الاعلام مسبقا وأكثر من مرة عبر البريد الألكتروني، بينما تأخر المسؤولون في اطلاع وسائل الاعلام على المشروع والتواصل معها، بل أن وسائل الاعلام التي اهتمت بالقضية كان ذلك بمبادرة منها، من أجل أن تساهم بدورها وتقوم بواجبها نحو المجتمع بالتوعية ودق جدران الخزان، ولهذا غابت وسائل الاعلام عن الحدث.
لا يمكن اغفال حقيقة واقعة بأن جمهورنا ملّ من المؤتمرات والاجتماعات، ومن اطلاق الكلمات والشعارات والتصريحات، وبات يتجنب ردود الفعل المتكررة، من شجب وادانة واستنكار، ويتوق لخطوات عملية تخمد جرائم القتل والدمار. ومن الضروري اليوم اشراك الجمهور بالخطوات والاجراءات، كي نضمن حضوره وتفاعله ومساهمته في ايجاد الوسائل العملية لتحجيم ضربة العنف المستشرية في مجتمعنا، وهذا سيتم من خلال ورشات العمل القادمة في مناطق مختلفة ولشرائح متعددة في مجتمعنا.
ما نتوخاه حقا أن تترجم جلسات المؤتمر الى أعمال في الميدان، كي يبقى التفاؤل بأن أوان الشعارات ولى وأوان العمل حان.