لم يَتجاوز احمد زويل ال 23 عاما عندما وَصَل الى بنسلفانيا في الولاياتِ المتحدة لاستكمال تعليمهُ في الدراساتِ العليا الدكتوراه، وكان قد أنهى درجة الماجستير في جامعةِ الاسكندرية للعلوم. دخل الى الولايات المتحدة وفي جيبه 40 دولار فقط، لغتة الانجليزية ضعيفة والى جانبهِ زوجَّتَه التي تَزوجّها قبل ايام من سفره. ولكنه كان يملك إرثا مصريا طيبا مغروسا في العمق في حبه لبلده وإنتمائه وفي إصراره الكبير على النجاح. لم تورثه عائلته مالا وغنى ولكنها أعطته ثقة كبيرة بأنه يستطيع ان يصبح ما يريد، وساهمت في تنشئته على حب المعرفة والسؤال و البحث والاستكشاف.
في كتابهِ الشيق " رحلة عبر الزمن" خَصَص احمد زويل فصولا لحياته ونشأته كطفل ولعائلته ولبيئته في بلدة الدسوق. فيقول عن بلدته انها عروس النيل ، والذي يعتبره مكونا اساسيا من هويته. ويقول كنت أحب حياتي البسيطة الممتدة بين ضفاف النيل وبين الاسواق وبين جامع سيدي ابراهيم . عندما تتجول بين صفحات الكتاب تشعر بعبق الذكريات وبشوقه وحنينه الى ايام رمضان في جامع سيدنا ابراهيم والى جلسات العلم والمعرفة مؤكدا انها كانت ملهما له فيما بعد وعنصرا مبلورا في تحدياته ونجاحاته.
احب القراءة والموسيقى منذ نعومة أظفاره وفي قلبه إحتلت أم كلثوم مكانة خاصة ولهذا نراه يتحدث عنها وعن قصائدها المغناة في كتابه ،ويقول تلامذته انه كان احيانا يُسمِعهم بعض أغانيها ويبدأ بالشرح حول المعاني والمقاصد .
منذ كان طفلا كان متداخلا مع بيئته ملما بما يحدث فيقول " ارسلت رسالة للرئيس جمال عبد الناصر ،تمنيت له التوفيق في عمله وبرامجه في اعطاء فرص متساوية لابن الفلاح ولابن الريس . لم يكن يتوقع ان يستلم ردا, ولكنه فوجئ باستلام رسالة خطية من رئيس الجمهورية يدعوه فيها الى العمل الجاد والنجاح من اجل حياه افضل له وللمجتمع . لقد كان ابن عشر سنوات عندما إستلم هذه الرسالة ولكنه وبدون شك حدثا كبيرا أن يستلم طفلا رسالة من رئيس بمقام عبد الناصر غنت له العرب من الخليج الى المحيط، فكان هذا الحدث بمثابة علامة تركت أثرا كبيرا في توجهاته ومسؤولياته ومسيرته للنجاح .
في عام 1974 وبعد ان اتم الدكتوراه بنجاح كبير في جامعة بنسلفينيا ،انتقل لجامعه بيركلي لإتمام بحوث "ما بعد الدكتوراه" مع زوجته وطفلتهم الجديدة مها والتي سارت على نهج والدها في العلوم والبحوث ولاحقا أصبحت بروفسور في قسم الكيمياء وتعمل اليوم في جامعة Southwestern في تكساس.
بعد بيركلي تلقى الزويل عروضا كثيره ولكنه اختار معهد “"كالتك " للتقنيةفي جنوب كاليفورنيا, وانطلق في مسيرة علمية ابهرت العالم واستطاع ان يحق نجاحات هائلة في اقل من ثلاث سنوات من بداية عمله في المعهد. اكتشف عالم جديد في علم الكيمياء أطلق عليه اسم كيمياء الفيتمو وهو علم يربط بين مقياس الزمن والذرات.
اكتشافه الرائع، يحتاج الى عدة كتب لشرحها وفهم اثارها وإبعادها العلمية والإنسانية ويتمثل باختراع كاميرا على أساس أشعه اليزر ، تُمَكن من رصد حركة الذرات والجُزيئات والتفاعلات التي تحصل بينها. والأمر الرهيب في هذا الاكتشاف يكمن بقدرتها على رصد الحركة للجزيئات ولتفاعلاتها والتي تحصل بمقياس زمني وقدره 0.00000000000001 الثانية. لنتذكر بان العين المجردة تستطيع رصد التحركات تحدث خلال 0.1 الثانية.
إن استعمال الزويل للكاميرا الليزر شُبّه باستعمال جاليلو للتلسكوب . فهذا الاكتشاف مَكّن العلماء وللمرة الأولى من فهم كيفية تحرك الجزيئات والذرات في فلكها ولهذا أهميه كبيره في الحياة العامه والعلمية لان كل ما نحن عليه ما هو إلا جزيئات تتفاعل مع بعضها البعض. كما ان هذا المجال فتح أفاق جديدة في عدة مجالات ودحض مفاهيم سابقه. وتقديرا لهذا الاكتشاف حصد البروفسور احمد الزويل عشرات الجوائز وأوسمة الشرف ووُضِع أسمة على مراتب الشرف بجانب أكبر العلماء. وتُوجت هذه الجوائز بجازة نوبل سنة 1999 . وأكدتالأكاديميةالسويديةفيحيثياتمنحهاالجائزةلأحمدزويلأنهذاالاكتشافأحدثثورة حقيقية فيعلمالكيمياءمن ناحية فهمنا وقدرتنا على تنبؤ التفاعلات المختلفة .
في هذه السنة دخل زويل الى وعي الناس العاديين في العالم العربي التواقين الى مجد يَستَحدث مُسَاهماتهم العلمية للإنسانية كأمة والى اخذ دورهم في هذا المضمار اسوة بشعوب العالم .
فكانت هذه الجائزة للزويل مَصدَر فخر لكل ناطق بالضاد، فحرك مشاعر وأحاسيس كانت مفقوده بالأخص انها الجائزة الأولى من نوعها في مصر والعالم العربي.
بعد هذا التتويج تابع الزويل في خدمة البشرية من اجل عالم أفضل وتابع أبحاثه وطور مجالات علوم جديدة مثل الميكروسكوب رباعي الأبعاد والذي أضاف عامل الزمن إلى هذا المجال. حاول الزويل أن يُقَرب العلم إلى قلوب الناس العاديين والطلاب عن طريق محاضرات خاصة ومقابلات في التلفزيون يشرح فيها أهمية العلوم . وأنتُدِبَ الزويل سفيراً للبيت الابيض في العالم العربي في كل ما يتعلق بالعلم والأبحاث .كان أول من بادر الى تثبيت البحث العلمي كرافعة للتقدم والتنمية في مصر وبمبادرته اقيمت مدينة الزويل للعلوم والتكنولوجيا والتي هدفها ضم خيرة طلاب مصر والمنطقة لمشاركة في الأبحاث العلمية التطبيقية التي تعود بالخير على الفرد والمجتمع .
رحلة الزويل يتمناها كل منا أو حتى القليل منها، وهي ليست بالمستحيلة. المعادلة للنجاح ليست صعبة ،فكثير من الشغف لموضوع تحبه والعمل الجاد مع بعض الحظ الذي ينحاز الى ذهن متقد لتصل إلى أعلى القمم.
احمد زويل سيبقى ذكراه خالدا في وعي وإدراك رواد العلوم في العالم وأبناء العالم العربي.
وفي ختام هذه الكلمات نستذكر قول ابو العتاهية : كم من عزيز أذل الموت مصرعه كانت على رأسه الرايات تخفق
رحمه الله