بقدر ما يدمي القلب حادث قتل الأم الحامل في شهرها التاسع اليوم في طمرة، وغيره من أعمال القتل التي أصبحت للأسف الشديد أمراً مألوفاً في مجتمعنا العربي في الداخل الفلسطيني، يدميه قتل أخلاقنا وهويتنا الأخلاقية أيضاً فكل حادث قتل لا يودي بنفس بشرية فقط بل يودي بجزء من أخلاقنا وبجزء من هويتنا كعرب وبجزء من وعينا الوطني كعرب في الداخل الفلسطيني. فنحن كعرب بشكل عام وكعرب نعيش في هذه البلاد في أمس الحاجة إلى الحفاظ على هويتنا الأخلاقية لأنها هي الحصن الواقي من ذوباننا وانصهارنا في غيرنا من الأمم ولبقائنا وثباتنا على هذه الأرض.
فانشغالنا في التداوي والتشافي والتعافي كمجتمع وكأفراد من الألآم التي يخلفها كل حادث قتل،فيلهينا ويشغلنا عن تنمية وعينا ووعي أطفالنا لما نعيشه من ضنك العش وعما نعانيه جراء الممارسات العنصرية التي تمارسها السلطات علينا ومن ضمنها التغاضي عن ضبط ومعاقبة من يقومون بأعمال القتل في الوسط العربي في البلد.
بالرغم من ذلك لقد أصبحنا في هذه الأيام غرباء عن عروبتنا الأصيلة وعن أخلاقنا وقيمنا واتعمد ألا أقول عن ديننا لأن التزامنا بديننا في هذه الأيام أصبح " نص كم" حيث لا ينهانا ديننا عن شيء ولا يأمرنا بشيء. قد يعترض البعض على هذا الكلام ويقول أي أمة وأي عروبة وعرب مع ذلك نحن عرب وهناك عروبة لها أخلاق وقيم وشيم فاضلة تمتاز بها عن كثير من الأمم والتاريخ يحكي ذلك وسيبقى يحكي ذلك إلى الأبد.
فالعربي الأصيل لا يقتل المرأة حتى في الحرب، إلا إذا عرضت حياته للخطر المحقق وإلا لا يمسها بسوء والا يقتل الرجل حتى لو كان قاتل أبيه، إذا كان خالي من السلاح وحتى لو تعارك معه ووقع سيفه من يده، لا يقتله حتى يأخذ سيفه ثانية ولا يقتل الجريح ولا الأسير.
من هنا فإن كثرة حوادث القتل في مجتمعنا وشيوع هذه الظاهرة تشير إلى أننا فعلاً قد تخلينا عن عروبتنا وعن أخلاقنا العربية الأصيلة، ألم يقل الشاعر مصداقاً لذلك "انما الأمم الاخلاق فإن ذهبت اخلاقهم هم ذهبوا" فالأخلاق هوية ضياعها يعني ضياع الهوية.
نحن نعيش اليوم في عصر الانطواء والانكماش بمعنى أن كل منا كفرد يعيش في بيته بعيداً عن عائلته الموسعة وعن مجتمعه، خلافاً لما كان متبعاً في الماضي حيث كان كل منا يعيش بين أكناف عائلته، يتشرب من قيمها وأخلاقها من خلال الجلوس في الديوان أو المجلس العائلي الذي كان يشكل نادياً يرتاده الصغير والكبير الضيف والمضيف، وقد حل مكان هذا الديوان أو المجلس العائلي المقاهي وغيرها من الأماكن التي تخلو من تعليم ما كان يعلمه الديوان والمجلس العائلي.
لا يعني ذلك بأننا يجب ألا نواكب التقدم والحداثة التي تغطي العالم بأسره، بل يجب علينا أن نواكبهما ونستغل كل ما يوفرانه من إمكانيات تقنية وفنية إلى جانب الحفاظ على أخلاقنا وهويتنا العربية الأصيلة التي لا تتعارض مع ذلك البتة.
في غياب الديوان والمجلس العائلي الذي كان يشكل مدرسة للأخلاق وظل وجود الحداثة والتقدم الذي يجب أن يعيه المعلمون في مدارسنا أكثر من غيرهم ونظرا لوجوب حرصهم المفروض على تعليم الجيل الصاعد الأخلاق والأداب إلى جانب تعليمهم العلوم المختلفة تقع مسؤولية تأديب الجيل الصاعد وتعليمه الأخلاق العربية الأصيلة والتاريخ العربي السليم من التشويش والدسائس حتى ينشأ هذا الجيل على هذه الاخلاق ويتشرب العزة من تاريخ أمته بدلاً من أن يتشرب أخلاق الشارع التي لم نجني منها سوى القتل المستشري في أوساط مجتمعنا والنواح على ضياع هويتنا الأخلاقية.