في عيد المساخر في سنة 1994 اهتزت البلاد بسبب المذبحة التي نفذها باروخ غولدشتاين في الحرم الابراهيمي. ردود الفعل التي جاءت من اوساط الشعب كانت تعبر عن الحزن والزعزعة. فقط رجال اليمين الهذياني تحدثوا عن باروخ وكأنه رجل. اتصل معي اسحق رابين، رئيس الحكومة في حينه، اثناء المذبحة وطلب مني الذهاب الى مدينة الناصرة العربية للتحدث مع المعلمين والطلاب. وقد كان واضحا لي أنه أراد أن أنقل رسالة بأن حكومته تصمم على تحقيق السلام وهي تؤمن بالمساواة في الحقوق.
لو تخيلنا أن مذبحة كهذه حدثت الآن في الخليل "مدينة الآباء". فلا شك عندي أن حكومة اسرائيل كانت ستندد بها. والمجتمع الدولي كان سيهتز. وكان سيتم وضع اسرائيل في قفص الاتهام حيث تجد صعوبة في الدفاع عن نفسها اكثر مما كان في سنة 1994، حيث كانت في حينه حكومة اختارت السلام ولم تدر ظهرها له مثلما تفعل الحكومة في الوقت الحالي.
لكن الفرق الحقيقي كان سيظهر في ساحة الجمهور. الشبكات الاجتماعية كانت ستضج وكانت ستقام لجنة جماهيرية لتخليد ذكرى وارث القاتل. وضابط الامن في الخليل كان سيقول إن القتلى ينتمون للعدو وأن غولدشتاين أنقذنا منهم. الحاخامات الذين صمتوا بصعوبة في 1994، كانوا سيطلقون ألسنتهم ويفخرون بالبطل الذي ضحى بنفسه من اجل الشعب. ورويدا رويدا كانت الفطريات الموجودة في الكنيست ستقول: "ربما أنه اخطأ بهذا العمل، لكن دوافعه كانت وطنية".
المستوطنون في الخليل ليسوا بحاجة الى اقامة نصب تذكاري للقاتل، سواء بشكل سري أو بالخداع. فبعد اسبوع كان رئيس الحكومة سيقول: "رغم أن القاتل كان مخطئا، لكن يجب علينا تذكر أننا في حالة حرب. ولا يمكن التعدي على دولتنا".
لقد مرت 22 سنة منذ المذبحة في الحرم الابراهيمي ويبدو أن القيم والمواقف قد تغيرت بشكل كبير. ويقولون إن آرثور فنكلشتاين، المستشار لليمين، قال إن السؤال الذي يعكس مواقف الجمهور بالشكل الامثل هو "هل تكره العرب". العداء للعرب هو السلاح غير السري لليمين الذي يجعله يصل الى الحكم رغم جميع نواقصه. ويكفي أن يصف اليمين من يعارضونه بأنهم يحبون العرب. بنيامين نتنياهو لا يقول عبثا. فمرتين تحدث عن عرب اسرائيل – مرة عندما حذر ناخبيه من تدفق العرب الى صناديق الاقتراع ومرة عندما تحدث الى المواطنين العرب من موقع العملية في شارع ديزنغوف.
إن السهولة التي يتعاملون بها مع الاضرار بالعرب لا يمكن فهمها. الدفاع المطلق تقريبا عن الجندي اليئور أزاريا ينبع من حقيقة أن هناك كثيرين يعتقدون أن العربي يستحق الموت، لا سيما اذا كان ارهابيا تم تجريده من سلاحه، ورغم أنه لا يشكل أي خطر. يمكن أن يكون أزاريا قد فكر بهذه الطريقة. فالجوقة التي تحيط به تجعلني أشعر أننا تدهورنا الى هاوية كراهية الآخر في العشرين سنة الأخيرة، الامر الذي يرافقه بكاء من يزعم أنه ضحية.
هذا المتغير بخصوص النظرة الى العرب ليس ملكا لليمين المتشدد فقط. فمتى قام يئير لبيد بزيارة قرية عربية؟ ومتى أقام حزب العمل هناك جلسة لمركزه؟ إن هذا لا يحدث لأن التدهور الاخلاقي معدي وليست هناك وصفة لكيفية وقفه.