تهدف خطة "الرباعية" إلى توحيد "فتح" واستنهاضها، وتحقيق المصالحة الوطنية، وتحريك عملية السلام على أساس المبادرة العربية، إضافة إلى دعم الشعب الفلسطيني وإسناده في الداخل والشتات. ويبدأ ذلك بعودة المفصولين من "فتح" والسلطة، ومعالجة الملفات القضائية، وعودة محمد دحلان إلى عضوية مركزية "فتح"، ووضع الخطط والبرامج لتفعيل المنظمة.
وتقول الخطة: أنه في حال رفض أحد أطراف حركة فتح تحقيق المصالحة فلا يعني ذلك التخلي عن تقديم الدعم للحركة، وإنما يصبح من الواجب البحث عن آليات دعمها بعيدًا عن الطرف المعرقل للمصالحة. وفي حال عدم توصل الفصائل الفلسطينية إلى اتفاق ترتضيه كل الأطراف يصبح من واجبنا دعوة الجامعة العربية للتدخل بهدف فرض اتفاق يضع مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته فوق مصالح الأحزاب والفصائل المتناحرة.
أما أخطر ما جاء في الخطة، تأكيدها على أنه في حال لم يقم الفلسطينيون بما عليهم واستمروا في الانقسام على أنفسهم، فستضطر بعض الدول العربية لدراسة بدائلها الخاصة في التعاطي مع ملف الصراع العربي - الإسرائيلي.
ويأتي تحرك "الرباعية" في سياق "تأهيل" الجانب الفلسطيني للانخراط في تسوية للقضية الفلسطينية ضمن التسويات التي يمكن فرضها لمعالجة أو إطفاء الأزمات المشتعلة في المنطقة.
وجاء نشر الخطة كعلامة غضب وتحذير ردًا على قبول الرئيس و"فتح" لعودة المفصولين باستثناء دحلان، ثم المراوغة والرفض من خلال مقابلة جبريل الرجوب مع قناة "أون تي في" المصرية، وأيضًا من خلال تشكيل لجنة لبحث التظلمات كل واحد على حدة.
ما حرك الرباعية العربية هو الحيلولة دون المزيد من التدهور داخل "فتح"، وتآكل الشرعيات الفلسطينية، والعمل على تحقيق المصالحة الوطنية؛ من أجل استئناف ما سمي "عملية السلام"، والأهم تحضير الوضع الفلسطيني لخلافة "أبو مازن"، لا سيما أن غيابًا مفاجئًا له بالموت أو المرض أو الاستقالة من دون تهيئة الوضع للمرحلة الانتقالية، في ظل الانقسام وغياب وتغييب مؤسسات المنظمة؛ يمكن أن يدفع الوضع الفلسطيني نحو الفوضى والانهيار، ويصبح الحال أشبه بالصومال أو ليبيا، وهذا آخر ما تحتاجه المنطقة، نظرًا لمكانة القضية الفلسطينية ذات التأثير الكبير بالرغم من التدهور الذي أصابها في السنوات الأخيرة.
يظهر في خلفية التحرك الخشية من استفادة "حماس" (التي تعتبر امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين التي تحاربها الدول راعية الخطة) من مأزق السلطة والمنظمة والصراع على خلافة الرئيس داخل "فتح"، خصوصًا في ضوء حصول المؤسسات المدنية والأمنية التي تهيمن عليها في قطاع غزة على الشرعية بعد قرار إجراء الانتخابات المحلية بإشراف سلطة "حماس" الأمنية والإدارية والقضائية، وكذلك استفادتها من تزايد نفوذ كل من قطر وتركيا وإيران.
إن النظام السياسي الفلسطيني برئاسة "أبو مازن" يتحمل المسؤولية عما وصلنا إليه من وضع كارثي وفقًا لمسؤوليات وإمكانات وصلاحيات كل شخص وفصيل، لا سيما بعد وصول الإستراتيجيات المعتمدة إلى طريق مسدود، والاستمرار في الالتزامات المجحفة المترتبة على "اتفاق أوسلو" دون اعتماد إستراتيجيات جديدة، ودون معالجة الانقسام، ولا تجديد وتغيير وإعادة بناء مؤسسات المنظمة لتضم مختلف الأطياف، أو على الأقل إصلاحها بمكوناتها الحالية.
ويتحمل هذا النظام، وتحديدًا الرئيس، المسؤولية عن تغليب السياسة الانتظارية والبقاء في الحكم على أي شيء آخر، وعن تغييب الشعب و"فتح" والمنظمة عن القرار في ظل الإمعان في الحكم الفردي بعيدًا عن المؤسسة والمساءلة والمحاسبة والمراقبة والشفافية، إضافة إلى رفض وضع ترتيبات الخلافة من خلال عدم عقد مؤتمر "فتح" السابع، وعدم عقد المجلس الوطني الحالي أو بتشكيلة جديدة، وعدم إجراء انتخابات عامة، شرط أن يكون إجراؤها بعد توافق وطني يكون قادرًا على توظيفها في سياق خدمة الكفاح الوطني لإنهاء الاحتلال وإنجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية.
لقد فتح هذا الوضع السيئ كل الأبواب لشتى أنواع التدخلات العربية، والإقليمية، والإسرائيلية (وهي الأخطر)، والدولية، التي باتت تهدد الكيان الوطني ووحدانية التمثيل والقرار الفلسطيني المستقل، لدرجة أصبحت عودة دحلان عند "الرباعية العربية" هي العصا السحرية لفتح كل الأقفال الفتحاوية والوطنية، بينما غابت أو تراجعت، إلى حد كبير، القضايا ذات الأولوية عن أجندة العمل اليومي للرئيس والقيادة الفلسطينية.
إن التدخلات العربية الحميدة لإنجاز المصالحة الفتحاوية وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية مهمة جدًا وضرورية، شرط أن تصب في مساعدة الفلسطينيين على إعادة الاعتبار لقضيتهم ومؤسساتهم الوطنية الجامعة ووحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، لا أن تملي عليهم ما يرتأيه العرب أو بعضهم من طريق لتحقيق المصلحة الوطنية.
وحتى يكون التدخل العربي مساعدًا ولا يؤدي إلى تأجيج الخلافات والصراعات الفتحاوية والوطنية بدلًا من حلها، كما يحدث في الأسابيع الأخيرة، لا بد من الانطلاق من الإجابة عن سؤال: لماذا نريد المصالحة الفتحاوية والوحدة الوطنية؟
هل من أجل تكريس الوضع القائم وما انتهينا إليه منذ توقيع "اتفاق أوسلو" وحتى الآن من وضع كارثي، أم من أجل المزيد من الهبوط بالسقف الفلسطيني والعربي ليتلاءم مع الوقائع والمتغيرات الجديدة، الإسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية، التي لم تصب إجمالًا في مصلحة القضية الفلسطينية بالرغم من بعض الإنجازات التي يجب البناء عليها لا إهدارها؟ أم من أجل شق مسار جديد ينطلق من أنه لا يمكن إحياء ما يسمى "عملية السلام" التي ماتت منذ زمن وإكرام الميت دفنه، وبالتالي ينبغي التركيز على جمع أوراق القوة والضغط الفلسطينية والعربية والدولية لتغيير موازين القوى القادرة على شق مسيرة سياسية جديدة مختلفة جوهريًا باتجاه تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وإحباط "التسويات" التصفوية، وليس من خلال الانخراط في أي تسوية تجري محاولة فرضها لا تستجيب حتى للحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية؟
إن التركيز على إحياء المسيرة السياسية في ظل المعطيات الحالية، والدفع لإحياء المفاوضات الثنائية عبر قمم فلسطينية إسرائيلية، يشكّل خدمة صافية لحكومة نتنياهو، وسيضيع المزيد من الوقت، وربما يشجع على التطبيع العربي مع إسرائيل من البوابة الفلسطينية، ويغطي على ضياع المزيد من الأرض والحقوق، ويمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى حل تصفوي للقضية الفلسطينية.
إن المدخل للمصالحة الفتحاوية والوطنية ليس عبر إذكاء مخاوف الرئيس من خلال الخشية من تكرار سيناريو تغيير قيادة ياسر عرفات، وإيجاد قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة، عبر التركيز على عودة دحلان لكي يكون خليفة "أبو مازن" أو لاعبًا مهمًا في تحديد الخلافة، وإنما يكون ببلورة رؤية تبقي القضية الفلسطينية بوصفها قضية جامعة بعيدًا عن المحاور العربية والإقليمية والدولية، لكي تحصل على أوسع دعم ممكن، وفي سياقها يمكن النظر في عودة المفصولين، ومن ضمنهم دحلان.
وتنطلق هذه الرؤية من تحديد أين تقف القضية الفلسطينية الآن، وإلى أين تريد الوصول، وكيف تصل إلى ما تريد؟. وتشتق منها إستراتيجية وطنية تجسد القواسم المشتركة، يتم على أساسها إصلاح النظام السياسي بمختلف مكوناته، بما فيها الفصائل، التي تعتبر بحاجة ماسة للتجديد، وليس "فتح" وحدها، إضافة إلى توفير الظروف لقيام فصائل وحركات جديدة.
كما تفتح هذه الإستراتيجية الجديدة الطريق لعقد مجلس وطني توحيدي بمشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي على أسس وطنية وديمقراطية توافقية ومشاركة سياسية حقيقية، يعيد للمنظمة مجدها، وللقضية الفلسطينية ألقها، وللشعب وحدته، بما يكفل وضع جميع طاقاته وكفاءاته وفصائله وأفراده في مجرى الكفاح لتحقيق الحقوق، وتحسين شروط حياة الفلسطيني أينما يكون إلى حين إنجاز الحرية والعودة والاستقلال الوطني، على طريق تحقيق الحل التاريخي الذي يلبي حقوق الفلسطينيين ومصالحهم في جميع أماكن تواجدهم.