تماماً كالرؤية الإسرائيلية او التي تسعى ‘إسرائيل’ لديمومتها فيما يخدم مصالحها، أطل مدير الاستخبارات الأميركية جون برينان وبالتزامن مع الإعلان عن اتفاق روسي – أميركي لوقف إطلاق النار ليشرح ‘نبوءاته’ التي لم تكن مطلقاً على قاعدة قراءة الطالع و‘التبصير’ في الفنجان، يدرك الرجل تماماً ماذا يقول، ما جادت به قريحته لجهة أن التقسيم ينتظر سورية والعراق ولا أمل بإقامة حكومة مركزية تستطيع أن تدير الأمور بعدالة في البلدين، وإن تم تشكيل هذه الحكومة فإنه سيكون هناك مناطق حكم ذاتي، والأهم أن عملية تحرير الرقة من ‘داعش’ ستكون صعبة جداً وإن التنظيم سيستمر طويلاً، وهو ما يشكل تضارباً مع ما أعلنه البنتاغون في السابق لجهة أنهم يقتربون جداً من الرقة وتحريرها، كل ذلك يشي عن أن المرواغة واللف والدوران سيستمر بقاؤها كاستراتيجية في الفكر الأميركي، بدوره عاد الحديث على لسان كيري عن النيات الحسنة التي ستكون المحددة لصفة التحول في الاتفاق الحاصل، وأن بلاده ستتعاون مع الجيش الروسي إن صمدت الهدنة أسبوعاً، وأن عملية إقناع الأطراف المتنازعة لوقف إطلاق النار يحتاج لأسبوع، فيما شكك لافروف بنجاح الاتفاق مئة بالمئة.
عودة الحميمية والوفاق بين الرأسين التركية – السعودية وعودة الجبير لترديد أسطوانته فيما يتعلق بمصير الاسد، وتوصيفه له ‘بالمغناطيس’ الذي يجذب الارهاب ويجب ازاحته للقضاء على هذا الإرهاب، وأن بلاده تدعم تركيا في كل إجراءاتها لما سماه الدفاع عن نفسها، فيما تقاسم التركي ذات الرؤية وكذلك ما ألمح له أردوغان عن خطط وإجراءات لن يفصح عنها وهو الذي كان يجد في السلوك السعودي إبان الانقلاب طعناً في الظهر, ربما يشي كل ذلك أيضاً، عن طعنات ستتكاثر على العين الأميركية تفتت الاتفاق الذي قيل عنه.
‘ قادسية الجنوب ’، الاسم الذي أطلقته فصائل أحرار الشام وفتح الشام ( النصرة) سابقاً على اسم معركتها في الجنوب ضد الجيش العربي السوري، هو مؤشر آخر ومقوض ربما لأي حديث أو صمود مرتقب لهدنة ووقف لإطلاق النار، مجرد الاسم، هو كاف لاستيلاد الجزم بأن توقيت الإعلان هو ترجمة لما قاله الجبير من أنقرة بأن إيران هي العقبة الرئيسة نتيجة سياساتها التدخلية في الشؤون العربية، والعودة البدهية للذاكرة ليوميات حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق المدعوم من دول الخليج حينها إذ أطلق عليها العراق ‘ قادسية صدام ’ فيما سماها الجانب الإيراني ‘الدفاع المقدس’، لإدراك مستوى النار المحتدمة اليوم بين الجانبين التي وصلت ألسنتها لمستوى الاتهامات المتبادلة التي أطلقها الطرفان بين المجوس وأبناء اللات والعزة والشجرة الملعونة.
سرور واشنطن اليوم لا يوصف بوصول المشهد السوري لمرحلة بات يرخي فيها بظلال تشبه إلى حد كبير يوميات أفغانستان وكيف صاغ الأميركي حينها الورقة القاعدية لهزيمة الاتحاد السوفياتي، فيما أدرك الروسي أن ظروف المشهد السوري تختلف عن ظروف الماضي، لذا دخل الميدان السوري وهو يدرك يقيناً صعوبة وطول المعركة التي يخوضها وتالياً يصعب تراجعه عما هو ماضٍ نحوه إلى النهاية.
السبعة أيام التي تحدث عنها كيري ستكون الفيصل والمحك الذي توضع عليه جدية واشنطن في طرحها وإذا ما ستتعاون فعلاً مع الجيش الروسي، وإذا ما كانت فتح الشام هي ضمن دائرة هذا التعاون أم لا ، ولا نعرف إن كانت البيتزا الأميركية والفودكا الروسية التي قدمها لافروف للصحفيين عقب الاجتماع مع كيري، ستكون عربون لاتفاق جدي ينهي سنوات عجاف أقل ما توصف بالكارثية؟ أم لا مفاعيل للخبز والملح بين خصمين تاريخيين.
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا.