تابع راديو الشمس

الكاهن سمعان نصار..وجمال عبد الناصر!

الكاهن سمعان نصار..وجمال عبد الناصر!
شرفة على الزمن الرمادي
  • ·      وانتشرت النار في الهشيم النصراوي

الزمان: 28-9-1970

المكان: مدينة البشارة

وفي مثل هذا اليوم..حدث ما حدث!

**

المدرسة الثانوية البلدية..في الحارة الشرقية من مدينة البشارة..قلعة ثقافية خرّجت أجيالًا تلوَ أجيال..وفدوا إليها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب في وطن الآباء والأجداد!

يقع الخبر وقوع الصاعقة..

فتنتشر النار في الهشيم!

 تمتد نيران تسونامية  إلى الصفوف..فينهض الطلاب منذهلين وغير مصدقين..

يتركون مقاعدهم على عَجل ويخرجون إلى فضاء مجنون..فلا يعرفون ماذا يفعلون وإلى أين يتّجهون!

يخرجون من الصفوف ويتدافعون ويتدفّقون نهرًا بشريًّا حائرًا..ولا يصدّقون الخبر!

يصبّون في ساحة المدرسة..فيتبعهم المعلمون والمربّون والموظفون..

البحّارة وقباطنتهم  بحر بشري تتلاطمه الأمواج المضطربة. الهلع يتسرب ويتخندق في أعماق النخاع!

والأعصاب تتقلّى على سطوح من الصفيح الساخن!

 

  • ·      طوى الجزيرة حتى جاءني نبأ

لا  أحد يصدّق..مستحيل..إنه من سابع المستحيلات!

العملاق الأسمر..خط أحمر!

أبو خالد حيّ لا يموت!

أبو خالد خالد أبدًا ولا يجرؤ الموت على الاقتراب من حدوده!

لقد وقع علينا الخبر وقوع الصاعقة..نحن لا نصدق..قد يكون إشاعة..وقد يكون دعابة سوداء خرجت من معطف بعض المحترفين في فبركة الإشاعات..وقد يكون حُلمًا وكابوسًا..أما أن يكون الخبر حقيقة..فذلك لعمري معجزة..عصيّة على التصديق!

لا صوت يعلو على صوت المعجزة!

وأصابنا ما أصاب المتنبي عند رحيل خولة أخت سيف الدولة الحمداني:

طوى الجزيرة حتى جاءني نبأ   فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

 

  • ·      يزحف البحر البشري نحو كنيسة البشارة

وبشكل عفوي..ينهض البحر ويبدأ بالزحف..ويشقّ طريقه ليبتلع الشارع الرئيسي على مهله.. ميممًا وجهه شطر عين العذراء..

وعلى ضفاف الشارع اليتيم..يغلق العباد حوانيتهم ومحلاتهم التجارية..وينضمّون إلى هدير البحر وأمواجه المتلاطمة..ومع كل خطوة.. يزداد البحر  اتساعًا..ليصبح محيطًا بلا شواطئ!

ويصبّ العباد في ساحة رحبة تجلس عليها تلّة مرتفعة أمام كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس.

ويخيّم الحزن العميق على المحيط البشري. الوجوه واجمة.. والعيون "عيون"  جارية..وبعضها يتدفق دموعًا حمراء حرّى. في الصدور براكين تتململ. وفي الحلوق ألف غصّة وغصّة.

على التلة الصغيرة المحاذية لمدرسة "أبو جميل"..وعلى مقربة من مقهى جرجورة..يعتلي الكاهن الوطني "أبونا" سمعان نصار شامخًا..وخاطبًا في المحيط البشري مترامي الأطراف..

المحيط بكامل جهوزيته قلبًا وعقلًا ووجدانًا..وآذانًا مُصغية..لسماع خطبة الكاهن النصراوي.

 

  • ·      صوت بلال الحبشي..من حنجرة الكاهن الوطني

وينطلق صوت بلال الحبشي..مؤذن الرسول..من حنجرة الكاهن الوطني..الأب سمعان نصار.

الله أكبر..الله أكبر..الله أكبر!

يعيدها مثنى وثلاثَ ورُباع!

الله أكبر..الله أكبر..الله أكبر!

تتدفق الدماء الساخنة في عروق البحر..ويقفّ شعر البدن..

وتتفتح الشرفات لتطلّ على مشهد لم تشهد المدينة له مثيلًا!

يقف الرجل على رأس التلة..ويروح يلقي خطبة وطنية تهزّ المشاعر وتكهرب الوجدان..يعدّد فيها مآثر العملاق الأسمر..ويصور آثار الصاعقة التي زعزعت نفوس العباد وزلزلت المشاعر وأشرفت على الطعنة النجلاء التي غرسها  سيف الغياب المفاجئ والمستحيل في الخاصرة العربية!

إنها معجزة!

 

  • ·      وتسقط أسطورة النرجس على ساحة الشهادة

نحن في زمن المعجزات!

ولا يلبث السؤال الساذج أن يفرض نفسه على خشبة المسرح!

"هل يغيب العمالقة"؟

وسرعان ما ينهض المستحيل من عالم اللامعقول..وينتصب واقفًا  يتحدى قوانين الغياب!

مستحيل!

تسقط أسطورة النرجس على ساحة الشهادة..وينهض المعنى شامخًا..ويمتلئ الغياب حضورًا مهيبًا يحتضن الدنيا العربية.

فالعملاق الأسمر باق في وجداننا تاريخ إباء وكبرياء ..نورثه للأجيال الصاعدة إلى  المستقبل  الأجمل.

إنها صفحة زاهرة عاطرة تعبق بالشذا الفوّاح..موسومة بماء الذهب..ووسام معلق على صدر التاريخ البشري!

سقى الله أيامك أيها العملاق الأسمر!

الدنيا بعدك يا حبيبنا..ما عادت دنيا!

**

من كتاب ("جداريات نصراوية"- شرفات على الزمن الجميل)..الذي صدر مؤخرًا)

 

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول