تابع راديو الشمس

’المعلم العربي‘ في يوم المعلم العالمي

’المعلم العربي‘ في يوم المعلم العالمي
يُصادف اليوم الخامس من تشرين أول – اوكتوبر "يوم المعلم العالمي". ولقد خُصص هذا اليوم للفت النظر إلى الدور الذي يقوم به المعلم في التربية والتنشئة والتعليم في المدرسة كإطار منظم لتحقيق هذه الغايات، وفي أطر تربوية وتعليمية أخرى كالكشاف والنوادي الرياضية وفعاليات أخرى. وإلى ضرورة العمل على تحسين مكانة المعلم بكونه حامل رسالة إنسانية قبل ان تكون مهنية او علمية.

فبالرغم من التطور الهائل الذي يشهده العالم في منظومة المعلومات والكثافة الكمية لهذه المعلومات التي تصل إلى الطالب، فإن دور المعلم لا يزال معمول به وقائم إلى يومنا هذا. لقد دخلت المعلومة إلى بيت كل عائلة، ولم تعد أمرا إضافيا، او سلعة كمالية. إذ باستطاعة كل طالب ان يصل إلى المعلومة بواسطة الأجهزة الذكية المحمولة على أنواعها المختلفة، وبالتالي اصبح الطالب في عصرنا يعرف في مواضيع كثيرة ينافس فيها المعلم في بعض الأحيان. لكن المعلم أيضا تقدم وتطور في كثير من البلدان في العالم بفعل هذه التكنولوجيا المعلوماتية الهائلة التي وجد نفسه مرغما(وأنا أشدد على ذلك) على التعامل معها.

وبما أن التعليم المدرسي هو أساس النجاح المستقبلي لكل الطلاب الراغبين في تحقيق احلامهم، فمن الضروري أن يكون للمعلم دور جديد او متجدد في عصر متغير بشكل دائم ومستمر. ولأن المجتمعات كافة ترغب في رفع مستواها التعليمي وبالتالي التوظيفي سارعت إلى تبني أنماط من التفكير الموجه لمهن ووظائف محددة، غايتها في نهاية الأمر توفير مصدر رزق للأبناء ومكانة اجتماعية لائقة. وهذا امر مشروع. ففي حالة مجتمعنا العربي في إسرائيل يتم توجيه الطلاب لدراسة الطب لكونه يوفر وظيفة محترمة ومكانة مرموقة في المجتمع وذات دخل مرتفع. وأيضا يتم توجيه الأبناء إلى دراسة علوم الحاسوب وهندسات متنوعة سواء في جامعات البلاد او خارجها.. ومن خلال معرفتي وتجربتي، فإن الأهالي يرفضون توجيه أبنائهم إلى تعلم مهنة التعليم، وخصوصا انهم لا يتعاملون مع هذه المهنة بالنسبة للشباب. قد يوافقون ويقبلون ان تتوجه الفتاة إلى التعليم من منطلق أن المهنة "مريحة". لكنها، في واقع الأمر وحقيقته ليست كذلك مطلقا. ولتحديد الأمر بالارتكاز على الحقائق الرقمية والنسبية فإن الاحصائيات الأخيرة تُشير إلى أن 2% فقط من خريجي الثواني عشر في مدارسنا العربية يرغبون في دراسة التربية وصولا إلى التعليم المدرسي.

وهنا نتساءل: أي معلم سيُعلم أبنائنا في المستقبل؟ اين خيرة الخريجين الذين من الواجب ان يساهموا في التعليم المدرسي؟ هذا العزوف عن مهنة التعليم مرده إلى عدة أسباب، ومنها: تراجع مكانة المعلم محليا وعالميا، وهذا أمر ملحوظ في عدد من الدول. وتدني الرواتب التي يحصل عليها المعلم. وتراجع في مواكبة تحسين ظروف المعلم سواء تعليميا او مكانيا، وأعني في مكان العمل. وفرض أنظمة ومشاريع اصلاح بالقوة دون الأخذ بعين الاعتبار مبنى وظيفة المعلم وطبيعة عمله الإنساني والبنائي. فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، فإن مشروع الإصلاح الذي تتبناه وزارة التعليم في إسرائيل للمرحلة الثانوية والمسمى "قوة للتغيير"(عوز لتمورا) جعل من المعلم اسير جدران المدرسة طيلة ساعات النهار، مع فراغات (حصص فراغ) كثيرة جدا. وجعله هذا الإصلاح أسير نظام عمل سيء جدًّا، بحيث يرى نفسه عاملاً في ورشة أو منشأة عمل يقودها مدير تحول إلى مدير الورشة، يهتم بأمور تنظيمية تُقيّد المعلم في عمله وتفرض عليه المنظومة شروطا صارمة، أساسها "إن تعمل، تنال الراتب"، و "إن تتقاعس أو تتأخر يُخصم من راتبك". وعليه أن يتعامل مع الشأن التربوي والتعليمي فقط خلال ساعات دوامه، دون أن تكون له أي اتصالات مع طلابه واهاليهم بعد دوامه. لدرجة أن بعض المنظرين لهذا الإصلاح طلبوا من المعلمين ألّا يستجيبوا مع طلبات الأهالي أو الطلاب بعد دوامهم، ما دفع بعدد من المعلمين إلى رفض الرّد على أي اتصال هاتفي مع طلابهم الذين هم بأمس الحاجة إلى من يسمعهم بعد الدوام ويعمل على مساندتهم في أزماتهم التعليمية والنفسية والاجتماعية وتلبية احتياجاتهم خارج الاطار التعليمي الرسمي مكانا وزمنا. إنّه إصلاح مبني على قاعدة " العصا والجزرة".

ساهم الإصلاح الجديد في تقييد المعلم، وتقييد مدير المدرسة بسلسلة من الأنظمة والقوانين التي تتناسب مع قطاعات عمل أخرى. بمعنى آخر، أنّ الإصلاح الجديد هو عبارة عن تنظيم العلاقة بين المعلم وبين المشغل وفق أسس القواعد الاقتصادية العامة دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصية هذه المهنة.، ولهذا لا وجود أو حضور لأي نظام تربوي في هذا الإصلاح. ومن بين القيود الأخرى، مكوث المعلم من السابعة والنصف صباحًا وحتى الثالثة والنصف عصرًا، سواء علّم أم لم يعلّم... هذا القيد هو الذي يفرض أجواء من الإحباط وخيبة الأمل لدى معلمين كثيرين، وأعني بذلك شرائح واسعة في صفوفهم..

من ناحية أخرى، ومقارنة مع بلدان أخرى في أوروبا وتحديدًا في شمالها، أعني اسكندنافيا فإنّ مكانة المعلم راقية وراتبه المالي في مستوى عال، وظروف عمله ممتازة، تتيح له أن يفكر وأن يتعامل مع طلابه بإنسانية، وليس باعتبارهم أدوات وآلات، كما هو الحال في بلادنا.

يضاف إلى كل ذلك تدني مستوى المناهج التعليمية في مجتمعنا العربي مقارنة مع ما هو قائم في المجتمع الإسرائيلي. وتترجم هذه المناهج من خلال كتب التدريس التي هي في حاجة ملحة إلى دخول العصر المتطور والمتقدم.

إنّ الصمت الذي يلف جمهور المعلمين في عدم التعبير عن رأيهم وموقفهم هو دلالة قاطعة على حالة الإحباط والخيبات وفقدان الأمل من أنّ يحصل تغيير. لهذا، يتوجب على قيادات سياسية وتربوية واجتماعية في مجتمعنا أخذ أمر التعليم على محمل الجدية، وتخصيص جلسات بحثية في السلطات المحلية وفي الأحزاب السياسية وفي الجمعيات الأهلية لمناقشة ما آلت إليه حالة المعلم، وما هو مستقبل التعليم في مدارسنا العربية وسط التغييرات الجارية.
في هذا اليوم، "يوم المعلم العالمي" نقرع ناقوس الخطر المرتبط بمكانة ودور المعلم، ومستقبل المعلمين، نعني هنا السؤال المركزي الذي يقض مضجعنا يوميًا: مَنْ سيعلم أبنائنا في المستقبل وسط عزوف جارف عن الالتحاق بهذه المهنة؟ وفي هذا اليوم أقول للمعلم والمعلمة "أنت صاحب أسمى وأرقى رسالة في المجتمع" كل عام والمعلم والمعلمة بخير.

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول