"نتنياهو تحول إلى شخص خطير"، هذا ما قاله شخص مطلع على عملية اتخاذ القرارات في النخبة. لقد تحول إلى شخص خطير لأن جهاز الكوابح والتوازن الذي يجعله مستقر قد انهار. الحزب الذي انتخبه لم يعد حزبا. فهو عدد من التغريدات في الفيس بوك التي تتنافس فيما بينها حول من الاكثر تطرفا والاكثر هستيرية في اوساط جمهور اليمين، والمعارضة اختفت. فهي هامة اليوم بنفس أهمية الاحزاب التي تعارض أردوغان في البرلمان التركي، وجهاز تنفيذ القانون أصبح ضعيفا، حيث تحت العناوين الكبيرة عن الفحص والتحقيق يختفي خوف كبير من الحكم ومن الشارع.
ما تبقى هو اطاران كابحان وهما هيئة الاركان العامة للجيش الإسرائيلي ووسائل الاعلام الحرة. وليس صدفة أنهما يتعرضان الآن للهجوم. وهذا لا يعني أن الجيش الإسرائيلي هو كامل، أو أننا نحن الصحفيون صدّيقين. ولكن هذا هو الذي تبقى.
عندما يخشى نتنياهو من معارضة الجهاز العسكري فهو يقوم ببساطة بتجاوزه، مثلما تصرف في قضية الغواصات وسفن سلاح البحرية. والسؤال المقلق هو كيف سيتصرف عشية لقائه مع الرئيس ترامب في شهر شباط. الاتفاق مع إيران سيكون هو الموضوع المركزي في اللقاء. فقد أوضح لابسو الزي في البنتاغون لنظرائهم في هيئة الاركان العامة لدينا أنهم يعارضون الغاء الاتفاق. والإسرائيليون وافقوا على ذلك. الإيرانيون ليسوا اغبياء. فاذا تراجعت الولايات المتحدة عن الاتفاق فإن إيران ستقوم بتطوير السلاح النووي بشكل سريع. والسؤال المفتوح هو ما الذي ستفعله أميركا ترامب في حينه وما الذي ستفعله إسرائيل.
الجنرالات في الطرفين يفضلون بذل الجهود من أجل كبح محاولات إيران في جبهات أخرى والاستعداد لفترة انتهاء صلاحية الاتفاق. في هذا الموضوع هناك تقارب كبير الآن بين الاجهزة الامنية في الولايات المتحدة والاجهزة الامنية في إسرائيل. الأحرف الاولى آي. تي. إن التي تعني بالعبرية شبكة الارهاب الإيرانية، تغير مضمونها. واليوم تفسر في البنتاغون بشكل أوسع أنها "شبكة التهديدات الإيرانية". وزير الدفاع الأميركي الجديد الجنرال جيمس ماتيس، هو العدو الأكبر لإيران والصديق الأكبر لإسرائيل. وهو لا يؤيد الغاء الاتفاق.
هل سيحث نتنياهو ترامب على الغاء الاتفاق مع إيران؟ لقد كان نتنياهو حذرا في ولاياته السابقة. فقد كان يتمترس وراء معارضة قادة الاجهزة الامنية. أما نتنياهو الجديد، الملك الواحد والوحيد، فمن الصعب معرفته.
مواجهة في الأفق
الواقع في سورية مختلف عما يظهر في الآونة الأخيرة في وسائل الاعلام. والتطور الأكثر أهمية هو زيادة قوة نظام الاسد، كما قال أحد المسؤولين. فهو يسيطر الآن على اغلبية المدى الكبرى، دمشق وحماة وحمص وحلب. وعندما سيقرر ارسال قوة عسكرية كبيرة إلى درعا، قرب هضبة الجولان، فإن الوضع في المنطقة سيتغير. الامر الذي يعني اقتراب إيران وحزب الله، الذي سيعرضنا للخطر.
إن نجاح الاسد يعمل على تغيير طبيعة العلاقة بينه وبين روسيا. فحتى الآن كان منضبطا جدا، وهو مدين ببقائه لروسيا بسبب قصف سلاح الجو الروسي ووسائل القتال الكثيرة التي تزوده بها. فروسيا تقوم عمليا بتشغيل قطار بحري من البحر الاسود إلى سورية، والاسد يشكل الآن جيشا جديدا يكون خاضعا لأمرة الضباط الروس. (وهو أيضا مدين ببقائه ليس فقط لروسيا. فاتفاق نقل السلاح الكيميائي الذي تبنته روسيا وقرار اوباما الاكتفاء بهذا الاتفاق وعدم قصف قوات نظام الاسد، منع انهيار النظام).
إن المواجهة بين بوتين والاسد تلوح في الأفق. فبوتين يسعى إلى اتفاق يعمل على انهاء الحرب الاهلية. لأن الاتفاق سيظهر أنه هو اللاعب الأكثر اهمية في المنطقة ويسمح له باخراج القوات الروسية من سورية بشكل سريع مع الشعور بالانتصار. ويفهم الاسد أن الاتفاق سيُقسم سورية، حتى لو لم يكن ذلك بشكل رسمي، بل بشكل عملي. وهو يقول: لقد قمت بدفع الثمن الباهظ، فلماذا أوافق على تقسيم الدولة. وفي الوقت الحالي إيران تقف من ورائه.
اذا كانت التقارير الاجنبية صادقة، فإن إسرائيل ترقص بشكل معقد أمام روسيا. فهي تمتنع عن قصف قافلات السلاح المتوجهة إلى الشرق، إلى سورية، برعاية الأم روسيا، لكنها تستهدفها حين تتوجه نحو الغرب، إلى حزب الله. إن السلاح هو نفس السلاح والصناديق هي نفس الصناديق. وهذا الترتيب الرائع لن يستمر إلى الأبد.
بيت الفستق
إن الصراع من أجل مقاطعة إيران كان الحملة الدعائية الاكبر والاكثر نجاعة التي قامت بها الحكومات الإسرائيلية. وهي لم تمنع فقط الصفقات المباشرة بين حكومات العالم وإيران، ولم تطرد إيران فقط من الجهاز المالي الدولي، بل أيضا عملت على افشال صفقات كانت الشركات الإيرانية شريكة فيها بشكل غير مباشر. وبتأثير من إسرائيل امتنعت صناديق التقاعد الأميركية عن الاستثمار في الشركات التي كانت لها صلة، بشكل غير مباشر، مع إيران.
لكن عندما تصل الامور الينا وإلى مصالحنا، فنحن أكثر تسامحا. فما هو مسموح لجوبتير محظور على الثور، قال الرومان. حيث العالم هو الثور ونحن جوبتير. على مدى سنين زعمت الادارة الأميركية أن الفستق الذي يأكله الإسرائيليون مصدره إيران. وهو يصل إلى إسرائيل بعد أن يتم تبييضه في تركيا. هذا الزعم كان صحيحا بشكل جزئي. الأميركيون اشتكوا ونحن واصلنا أكل الفستق.
الامر نفسه ينطبق على الغواصات التي اشتراها سلاح البحرية من المانيا. وحسب تقارير في الصحيفة فإن شركة حكومية إيرانية تملك 5 في المئة من أسهم شركة بناء الغواصات. وزارة الأمن الإسرائيلية تعرف ذلك منذ العام 2004، لكنها لم تكلف نفسها عناء الابلاغ عن ذلك. فقد كان الثمن جيدا والغواصات ضرورية. فليقاطع الآخرون إيران.
"لا تكون صدّيقا كبيرا"، جاء في سفر التوراة. للأسف أن هذا الفستق ليس معلقا على حائط قاعة جلسات الحكومة في القدس.
عمونة دائما وإلى الأبد
عندما تم طرح موضوع إخلاء بؤرة عمونة للمرة الاولى على برنامج العمل اليومي، اقترحت تركها وترك سكانها. فبقدر الاخلاء سيكون حجم التعويض، قال لي مصدر حكومي، الضرر السياسي والاقتصادي والامني الذي يكمن في الاخلاء أكبر بكثير من الفائدة من اخلاء تل لن يعود لاصحابه في جميع الأحوال. واذا كان الجهاز القضائي ينفعل إلى هذا الحد عند الاعتداء على ممتلكات فلسطيني، فليقم بمحاكمة بنحاس فالرشتاين الذي قام باسكان عمونة، رغم معرفته أن الارض تعود للآخرين. وليدفع عشرات، بل مئات، السياسيين والموظفين الذين قرروا تمويل المستوطنة، الثمن.
إن معظم اراضي عوفرا هي اراضي خاصة ومسجلة في الطابو. ووعود نتنياهو بنقل البؤرة إلى منطقة قريبة تبعد عشرات الامتار، ليس لها أي أساس واقعي. كان يمكن الزام المستوطنين في عوفرا على استيعاب العائلات الاربعين في اوساطهم بدل السكن في بيوت تلتصق بالارض، ليعيشوا في بيوت متعددة الطبقات. فيمكننا حب البلاد بشكل عمودي أيضا، وليس بشكل أفقي. ولكن من الذي يتجرأ على الطلب من هؤلاء القديسين، ملح البلاد، شيئا في مجال العقارات؟