قال رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية محمد بركة، في نهاية الأسبوع، إن إسرائيل تتحرك في اربعة محاور، من أجل إزالة القضية الفلسطينية من صدارة اهتمامات المنطقة والعالم، في سعي أوسع لإنهاء القضية الفلسطينية ككل، لتستمر في السيطرة على كامل فلسطين التاريخية. وجاء هذا في كلمة بركة في ندوة عقدت في إطار المؤتمر السنوي للمبادرة المسيحية الفلسطينية، كايروس فلسطين، "وقفة حق"، الذي عقد في مدينة بيت لحم، تحت عنوان: "الايمان – الصمود - المقاومة المبدعة"، بمشاركة عدد من الشخصيات الفلسطينية السياسية والدينية، وحضور وفود أجنبية.
الدولة والدولتان
وقال بركة، في الندوة الحوارية التي عالجت الأوضاع القائمة والتي ادارها الأستاذ رفعت قسيس، بمشاركة الصحفي التقدمي غدعون ليفي، والناشطة والباحثة السيدة ديانا بطو، كنت أتمنى أن يكون الظرف السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ملائم لإقامة دولة واحدة ذات نظام ديمقراطي، تجمع كل الناس بكل انتماءاتهم، في اطار مجتمع حضاري واحد. إلا أننا لسنا في هذه الظروف، بفعل المشروع الصهيوني، الذي أراد ونفذ الاستئثار بفلسطين، وأقدم على تهجير غالبية الشعب الفلسطيني من وطنه. ومباشرة بعد عدوان 1967، شرع في الاستيطان لاستهداف ما تبقى من أرض فلسطين. ولم يعد لدينا بعد 1948 و1967، سوى الاستناد الى حل الدولتين.
وتابع بركة قائلا، إن حل الدولتين لا يعني السعي لإقامة دولتين، لأن دولة قائمة وموجودة وتتمدد كالأخطبوط، انما المطلوب هو اقامة دولة فلسطينية. لإنهاء الظلم ولو نسبيا، الذي لحق بالشعب الفلسطيني، يجب أن تقوم دولة فلسطينية، ذات سيادة كاملة تمثل حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني كسائر الشعوب، ليستطيع أن يبني شخصيته الوطنية، وليستعيد بناء حضارته وترميم روايته وصياغة مجتمعه، على أسس المساواة والتقدم، كباقي الشعوب.
وقال بركة، إن البديل لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، ليس الدولة الواحدة التي وضعنا مواصفاتها قبل قليل، بل استمرار الوضع القائم، بمعنى استمرار سيطرة إسرائيل على كامل فلسطين التاريخية، وحينها، على سبيل المثال لا يكون مكان للنضال ضد الاستيطان في إطار النضال من أجل حق تقرير المصير، بل يتحول الى نضال على أساس عقاري، وحقوق ملكية في احسن الأحوال ويتحول النضال الوطني الفلسطيني الى نضال مطلبي حقوقي من دولة عنصرية تعرف نفسها كدولة يهودية او كدولة الشعب اليهودي.
شريكة في المنطقة
وقال بركة، إن إسرائيل تسعى الى اعادة ترتيب الأوراق من خلال أربعة محاور: الأول إعادة تقسيم المنطقة، بشكل تصبح فيه إسرائيل شريكا شرعيا للرجعيات العربية الشريكة لأميركا في المنطقة. وهذا الأمر يتطلب إزاحة القضية الفلسطينية عن رأس جدول الأعمال، لأنه طالما بقيت الصدارة للقضية الفلسطينية، فإن الأنظمة العربية لا تستطيع التعامل مع إسرائيل كشريك. ولذا فإن إسرائيل تريد تقسيم المنطقة بموجب ما طرحه السفير والمستشار الأميركي والأسبق مارتن انديك في العام 2002، على اساس طائفي سني شيعي. وفي حال نشبت مواجهة بين إيران ودول عربية، فإن إسرائيل ستتحول الى "شريك طبيعي" في تلك المواجهة.
لذا، فإن كل الحروب الدائرة في المنطقة، في سورية والعراق واليمن وليبيا، وغيرها، ونشوء حركات ومجموعات بإرادة وتمويل أنظمة عربية موالية لأميركا، وبإرادة أميركية، كل هذا جاء من أجل تحويل مركز الصراع من القضية الفلسطينية الى صراعات عربية وطائفية مذهبية داخلية. وعلى أساس هذه الأجندة قامت الحركات الارهابية مثل الداعشية وغيرها، ومهمة الانسانية أن تجتثها.
تديين الصراع
وقال بركة، أما المحور الثاني الذي تريده إسرائيل، هو تحويل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الى صراع ديني. بمعنى ألا يكون الحديث عن تقرير المصير للشعب الفلسطيني، إنما أخذ الموضوع الى شكل من الصراع، بين إسرائيل والاسلام. وإسرائيل تريد الاستفادة من ظاهرة الاسلاموفوبيا، وهم يعتقدون أن هذه بضاعة رابحة لترويجها في الغرب. وأحد معالم هذا، هو ما يجري في القدس، فالاحتلال الإسرائيلي لا يريد التعامل مع المدينة على أساس أنها مدينة واقعة تحت الاحتلال، وإنما كمدينة متنازع عليها دينيا.
وتابع قائلا، ولكننا نعرف أن لا صراع ديني حول القدس ولا يوجد حرب بين العقائد الإسلامية واليهودية والمسيحية ، بل هو صراع على السيادة، لأن السيادة هي التي تضمن حرية العبادة. فهناك من يريد استغلال العقيدة الدينية لمآرب سياسية. وحينما تمارس إسرائيل استفزازاتها ضد الحرم القدسي الشريف، بمعنى حرية الوصول والعبادة، وهذا ايضا يجري أيضا تجاه كنيسة القيامة، فإن من ضمن الأهداف هو تحويل الجدل.
وفي هذا السياق، هناك حركات داخل الشعب الفلسطيني تساهم في هذا الاتجاه، بمعنى تديين الصراع، وأنا كان لي محادثات مع أكثر من جهة، وقلت لهم إنهم يرتكبون خطأ فاحا في خطابهم ونهجهم، لأن قضية القدس هي قضية السيادة، كما أسلفنا.
"يهودية الدولة"
واضاف بركة قائلا، إن المحور الثالث، هو ما يسمى يهودية الدولة، وهذا واحد من أخطر الشعارات في هذه المرحلة. وهذا شعار لم يخترعه بنيامين نتنياهو، وإنما حكومة إيهود أولمرت وتسيبي ليفني في العام 2007، حينما اشترطوا على القيادة الفلسطينية الاعتراف بيهودية الدولة، كشرط للشروع في المفاوضات. وهذا الاعتراف يعني الاعتراف بالطابع الاثني العنصري لدولة إسرائيل، الى جانب الإقرار بالصهيونية ,فكرا وممارسة, ونسف شرعيتنا في وطننا، وشرعية عودة اللاجئين الفلسطينيين الى وطنهم، والاقرار ب"حق" اسرائيل باستقدام كل يهود العالم الى بلادنا.
محو الخط الأخضر
أما المحور الرابع، فهو محو الخط الأخضر، بمخططات الاستيطان المتسارعة، من أجل استحالة قيام الدولة الفلسطينية، وهذا تطبيق لمخطط اريئيل شارون حينما كان وزيرا للأمن، الذي وضع مخططات استيطانية تشوش بالأساس خطوط الرابع من حزيران 1967 والتي سميت آنذاك بمشروع الكواكب (المستوطنات) السبعة من موديعين على طول الخط الأخضر حتى ام الفحم.
وخلص بركة الى القول، إن الواقع الذي تحاول إسرائيل فرضه على فلسطين وعلى الفلسطينيين يحتم وجود مخطط متكامل للخروج من الوضع القائم، يشمل المقاومة الشعبية الجماهيرية الواسعة والجدية، وعلى تعويم نشاط معادي للاحتلال في الشارع الإسرائيلي، وهذا دورنا نحن، واستمرار العمل على المستوى الدبلوماسي الدولي بما فيها السائلة في المحاكم الدولية، وقد حققت فلسطين نجاحات بارزة في السنوات الأخيرة، واستنهاض حركات التضامن مع العالم ورؤية اهمية حركة المقاطعة العالمية كشكل من اشكال مقاومة الاحتلال غير العنيفة والتي يمكن ان تحظى بتفهم دولي ويمكن ان تتطور على غرار حركة المقاطعة لنظام الابرتهايد في جنوب افريقيا.
كما توقف بركة عند السؤال الجوهري حول الوسائل التي تقود الى عدم جعل الاحتلال مربحا لإسرائيل.