اذني قد لا تسمع، وعيني قد لا ترى، وجسدي قد لا يتحرك، ولكن اعاقتي ليست موتي من الحياةِ قلبي يسمعُ، ينظرُ وينبضُ فرحًا او حُزنًا .
على الرغم من اننا في القرنِ الواحدِ والعشرين قرنُ التطورِ، الحداثةِ والتقدمِ في عالم التكنلوجيا، عالم الطب وعالم العلوم. القرن الذي تعددت فيه التقنيات، الثقافات والاجتماعيات والسياسياتِ وانقلبت رأسًا على عقب، حيث نرفض ان نعيش وفقَ انظمةٍ دكتاتورية بل ونطالبُ بالديموقراطيةِ: حقوقنا في المساوةِ، العدلِ، التحرر، التعبير عن الآراء، الحريةِ وحماية الجسدِ، النفس، الفكر والمكانات الاجتماعية، السياسيةِ والطبقيةِ. نشكو الذُلَ والعنصريةَ بسببِ الديانةِ، القوميةِ والعرقية. نطالبُ بكلِ هذا ولا نمعنُ النظر بعمقٍ في كل ما نطالب به; نحنُ حتى الان غيرَ مدركينَ عما نتكلم عنه وبما نطالبُ بهِ، حتى اننا غير مدركينَ لما تعنيهِ الديموقراطيةُ بل ولممارستنا الفعلية بما اشبه بالديكتاتوريةٍ تجاه فئاتٍ معينة. الديموقراطية ليست فقط ضمان حقوقنا كون قوميتنا عربيةٌ او يهوديةٌ او غيرها، او كون ديانتنا هي اسلامية او مسيحية او غيرها، او كوننا تتبع لهذا العرق او ذاك. انما ايضًا في ضمان حقوق كُل فردٍ مظلومٍ في مجتمعٍ ظالمٍ يدعي انه مظلوم سياسيًا، اجتماعيًا واقتصاديًا في الوقتِ الذي يظلم افراده بنفسه انسانيًا واخلاقيًا. اننا ننشغلُ دومًا في تحقيقِ غايتنا الاقتصاديةِ، الثقافية، السياسيةِ والاجتماعيةِ وننسى في تحقيق الغايةِ الانسانيةِ التي خلقنا بفضلها ولأجلها. لا يجب ان نتكلم عن المساواة والعدلِ في ظل عدم مسواتنا وعدم عدلنا لأفراد ذوي الاحتياجات الخاصةِ; قد يكونوا هكذا نتيجةً لسببٍ بيولوجي ووراثي او لسبب بيئي: قد يكون لديهم خللٌ في التطور نتيجةً لخللٍ في الدماغ الذي يؤثر على نمط سلوك الفرد، على احدى المستويات التالية او بعضها سويةً: خلل جسماني، ذهني ادراكي، حسي، عصبي، نفسيٌ او خللٌ في النطقِ والسمعِ. ذلك يعني بأنهم لم يختاروا قدرهم هذا فلا يوجد أي مبرر لنا كي لا نساويهم ونعدلهم كغيرهم، او ان نحترمهم ونتقبلهم بيننا كغيرهم من الافراد.
ذوي الاحتياجات الخاصة ليسوا كما يدعونهم بعضنا ب " معوقين ومعاقين" او " مجانين ومختلين": نفسيًا، جسديًا او عقليًا، انما هم كغيرهم من الافراد لكن لهم احتياجاتٌ خاصةٌ التي تميزهم ولهذا السبب أطلق عليهم "ذوو" الاحتياجات الخاصة. وفقًا لمنظمةِ الصحةِ العالميةِ تم تصنيف مميزات الافراد ذوي الاحتياجات الخاصة لثلاثة أصناف:
1. العَجز: هو عبارة عن ضرر تكويني او وظائفي في المجال الفيسيولوجي، النفسي او الاناتومي.
2. المحدودية: هي عبارة عن كل محدودية او عدم القدرة على العمل في مجال النشاط الجسماني للإنسان المعرف كطبيعي، فسيولوجي او نفسي اجتماعي.
3. الإعاقة: المحدودية من النشاط او عدم القدرة على النشاط نتيجةً لضعفٍ او نقصٍ في قدرة الفردِ وفقًا للسنٍ، الجيل، المجتمع والثقافة.
قبل سنواتٍ عديدة عُرفوا الافراد ذوي الاحتياجات الخاصة وفقَ الميزات الثلاثةِ التي ذكرت أعلاه، لكن قبل ما يقارب ال 15 عشرَ عامًا اضافت منظمة الضمان الاجتماعي ميزات جديدة حيثُ تعتبرُ هي الان من اهم الميزات الملزمة لتعريف الأفراد كأفراد ذوي احتياجاتٍ خاصةٍ; افلا وهي نشاط الافراد وقدراتهم: الحركية، الادراكية، الاتصالية والاجتماعية، وايضًا المدة الزمنية لكونه محدودًا.
المساواة والعدل في الديموقراطية يعني ان نعدلَ ونساوي بين الافراد ذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ كغيرهم من الافراد; من خلال اعطائهم فرصًا للانخراط وللاندماج في الحياةِ الاجتماعيةِ، الثقافيةِ، السياسيةِ والعمليةِ. الحرية، التحرر والتعبير عن الآراء في الديموقراطية تعني ان نفسحَ مجالًا للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة ان يعيشوا كما يحلو لهم دون التسبب في معاناتهم نتيجة استهزائنا واستهتارنا المستمر بهم وبقدراتهم، دون وضع عوائق لا مبرر لوجودها كالعوائق الاجتماعية او العوائق الجسدية من خلال تجسيدِ افكارٍ مسبقةٍ التي بنيناها نحن ك " معوقين ومعاقين " او " مختلين ومجانين ". وجود عجز معين، محدودية معينة او إعاقة معينة لدى شخصٍ في قدرة ما لا يعني بان جميع قدراته الباقية عاجزة، محدودة او بها إعاقة. لقد أُثبت ذلك على مر العصور حيث ان هنالك شخصيات شهدها التاريخ بأجملهِ شخصياتٌ ذوي احتياجاتٍ خاصةٍ والتي امست مشهورة عالميًا وتصدرت التاريخ على الرغم من وجود خللٍ في قدرةٍ ما من احدى قدارتهن (من التي ذكرت اعلاه). حيث لم تتوقف عن تحقيق أحلامها وطموحها بل ثابرت، واجهت وصممت ان تحقق ما ترغب وتطمح به، منهم:
- أبو علاء المعري: شاعرٌ، فيلسوفٌ ومفكرٌ حر، يتمتع بذكاء عظيم وفهمٍ أعظم، فقد بصرهُ في الرابعة عشر من عمره، لكن هذا لم يمنعه من اكمال مسيرتهِ الفلسفيةِ والشعريةِ بل استمرَ بحزمٍ وإصرارٍ، لزم منزلهُ بهدفِ تأليفِ وكتابةِ الشعرَ والفلسفةَ، علم اجيالًا عديدة.
- بيتهوفين: موسيقي من أعظم عباقرةِ الموسيقى على مرِ العصورِ والقرونِ اكتشفتْ موهبتهُ في جيلٍ صغيرٍ; لقد كان ملحنًا وموسيقيًٌا يعزفُ على العديدِ من الآلاتِ الموسيقيةِ لكنه اشتهر بعزفهِ المميز، العظيم والفريد من نوعه على البيانو. اشتهر بيتهوفين بمقطوعاته ومعزوفاته الكلاسيكية التي مالت غالبها للرومانسيةِ بشكلٍ عالميٍ. في عقدهِ الأخير بدأ سَمعه يتدهورُ رويدًا رويدًا حتى أصبح اصمًا، لكن ومع ذلك لم يضعف ولم يستسلم واستمرَ بتأليفِ مقطوعاتٍ موسيقيةٍ حتى مماتهِ، حتى ان أشهر مقطوعاته الفها بعد ان أصبح اصمًا.
- اعجوبةُ العصورِ هيلين كيلر: لقد كانت محاضرةٌ وناشطةٌ امريكيةٌ في الحزبِ الاشتراكي وامرأة خيرية، بالإضافة الى انها امرأة شعبية التي اكتسبت شعبيتها في صباها من خلال مسرحيتها " صانع المعجزات". لقد أصيبت بالصمم والبكم منذ صغرها ورغم ذلك تعلمت الكتابةَ والنطقَ; تعلمت أربعة لغاتٍ: الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية واللاتينية ودخلت الجامعة وتخرجت وبعدها بدأت بكتابةِ وتأليفِ كتبٍ، قصصٍ ومقالاتٍ ادبيةٍ.
- فرانكلين روزفلت: لقد كان سياسيًا بارعًا في الداخل والخارج وكان رئيس امريكي - الرئيس الثاني والثلاثون للولاية المتحدة الامريكية، تخرج من جامعة كولمبيا وكان عضوًا في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك حيث أسندت اليه مهمة وكيل وزارة البحرية للولايات الامريكية وأصيب في تلك المهمة بشللٍ. ورغم ذلك لم يستسلم لطموحه وضل مصمما لتحقيق غاياته وترشح للرئاسة وفاز بها عام 1932 بالإضافة الي ترشيحه 4 مرات متتالية للرئاسة وفوزه بها – الرئيس الأمريكي الوحيد الذي استمرت رئاسته طيلة هذه المدة، وقد مارس روزفلت علاجا طويلا منظما لساقيه جعله يسير بحمالات من الصلب.
جميع تلك الشخصيات التي ذكرت أعلاه هي شخصيات تركت خلفها تاريخًا لا ينسى، لكلِ شخصيةٍ إثرٌ تاريخي مميز في مجالٍ او عدة مجالاتٍ متعددة، حيث ان العجزَ، المحدودية والإعاقة لم تقف كعثراتٍ امام أي احدٍ منهم، بل العكس تمامًا أحبوا الحياةَ أكثر، تعلقوا بطموحاتهم وغاياتهم أكثر، حتى انهم ثابروا وأصروا الوصول لأمجد وأسمى المراتبِ الاجتماعيةِ، السياسيةِ والفنيةِ دون الوقوع تحت تأثير المجتمع الذي يحاول دومًا ان يحط من قدراتهم لكونهم ذوي احتياجاتٍ خاصةٍ. لكل منهم ولغيرهم من الشخصيات ذوي الاحتياجات الخاصة الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى قصةُ نجاح مختلفةٍ عن قصة نجاح الاخر لكنها امتلكت ذات الوسائل التي أدت لقصة نجاح كل منهم افلا وهي: الايمان والثقة بالنفس دون أي علاقةٍ لمحدوديتهم، اعاقتهم وعجزهم، الاستمرار في المثابرة، الإصرار والتحدي رغم العثرات التي تحاول ايقافهم هنا وهناك. لذا لا يجب ان نحد ونحط من معنويات وطموحات افراد كونهم ذوي احتياجات خاصةٍ، لا يجب ان نقصيهم ونهمشهم ونخرجهم خارج دائرة انتمائنا أيا كانت لكونهم هكذا، فلعل ميزاتهم هذه التي نحكمُ عليها كميزات تُلقف من شانهم يوازيها العديدُ من المواهبِ، الطاقات ِوالقدرات الكامنة والمخبئة في ظل ظلمنا عدم مساواتنا وعدلنا لهم واقصائهم خارجًا من خلال عدم تقبلهم واحترامهم كالأخرين واعطائهم الفرص. اخيرًا وليس اخرًا يجب انشاء جيل قادم واعٍ ومدرك لهؤلاء الافراد كأفراد ذوي احتياجات خاصة وليس " معوقين ومعاقين " او " مختلين ومجانين " عن طريق تربية اولادنا تربية سليمة في تقبل واحترام ذوي الاحتياجات الخاصة; احترامهم وتقبلهم يعني عدم الاستهتار بهم او استغلالهم كونهم هكذا. والاهتمام بتثقيف الجيل القادم من خلال المناهج التعليمية والغير تعليمية بزيادة التوعية حول موضوع " ذوي الاحتياجات الخاصة". من الجدير باننتذكر ان وراء كل استهتارٍ، اقصاءٍ وسخريةٍ بشخص ذي احتياجات خاصةٍ، صوتٌ يرددُ قائلًا: " اعاقتي ليست موتي من الحياة " و " لا تقل أنى معاقٌ، مد لي كف الاخوة ستراني في السباق اعبرُ الشوطَ بقوة".
بقلم: صفاء علي بدارنة – سخنين (طالبة عمل اجتماعي في جامعة تل ابيب)