إبراهيم عبدالله صرصور
مع ازدياد المذابح ضد الشعب السوري والتي يذهب ضحيتها المئات يوميا بين قتيل وجريح ، أصبحت الحاجة ملحة إلى تحرك عربي إسلامي سريع لوقف نزيف الشعب السوري ، وللجم الوحش البعثي من الاستمرار في اغتيال السوريين بلا رحمة.
هذه التدخل فوق ما سيحققه من أمن ما زال يفتقده الشعب السوري منذ ستة اعوام تقريبا على ثورته التي قدم فيها أكثر نصف مليون شهيد، ومئات الاف الجرحى، وملايين المشردين، وعشرات الاف المعتقلين، إضافة الى الدمار الشامل الذي لحق بكل الرقعة السورية، فإنه سيمنع فوق ذلك التدخل الأجنبي الذي ما أراد الخير لأمة العرب والإسلام منذ قرون طويلة ، وسيشكل نقلة نوعية في استراتيجيات الدفاع العربي - الاسلامي المشترك، والخطوة الأولى على طريق إقامة نظام عسكري عربي – إسلامي جماعي يوازي ( الناتو ) في تنظيمه وصلاحياته وفعاليته في حماية الأمن القومي العربي من أعداء الداخل ومنها الأنظمة المجرمة التي لا تحترم شعوبها ، وأعداء الخارج.
مرت ست سنوات على الثورة السورية ، وما زال النظام البعثي الوحشي في سوريا برئاسة ( بشار الأسد ) وعصابته المجرمة تفتك بالشعب، وتذيقه ألوان العذاب والتنكيل والدمار التي تذكرنا بصور مماثلة تجسد وحشية وبشاعة الحربين العالميتين والحروب العدوانية الإسرائيلية على الآمنين في لبنان وغزة والضفة.
إن ما تتناقله وسائل الإعلام في كل ساعة حية على الهواء، من صور القتل والتعذيب والتنكيل والتدمير التي يمارسها النظام المجرم في سوريا ، مما يعتبر جرائم ضد الإنسانية بكل المعايير ، لهو أكبر دليل على أن نظام البعث بزعامة ( مافيا ) الأسد لا علاقة له بالعروبة ولا بالإسلام ولا بالقومية ولا بالإنسانية ، وأن كل ما يدعيه من أكاذيب ( الصمود ) و ( والتصدي ) ما هو إلا كذبة كبرى لا تنطلي إلا على الأغبياء ممن يناصرون النظام بحجة الممانعة المزيفة ، وهم الذين يعرفون قبل غيرهم أن نظام البعث السوري منذ تسلمه السلطة في سوريا في ستينات القرن الماضي ، وبالذات منذ تسلم غير المرحوم ( حافظ الأسد ) الحكم في سنة 1970 وحتى اليوم ، أثبت أنه الأكثر حرصا على دوره ككلب حراسة أمين ومخلص لحدوده مع إسرائيل ، حتى بلغت بقياداته الوقاحة أن يصرحوا لصحافة العالم ومنها الإسرائيلية والأمريكية ، أن أمنهم متحقق ببقاء النظام السوري والعكس صحيح ، في اعتراف واضح يعزز ما ذهب إليه كبار المحللين والسياسيين الإسرائيليين والأمريكيين من أن سقوط النظام السوري سيؤدي إلى نتائج كارثية على استقرار المنطقة لما يتمتع به من حرص على هدوء الجبهة بينه وبين إسرائيل ، وحرصه على عدم الصدام مع ( أحبته ) الإسرائيليين حتى في أكثر المنعطفات خطورة ومنها الاجتياحات الإسرائيلية التي لا حصر لها للبنان ، والتي وقفت حيالها سوريا متفرجة لا تحرك ساكنا ، بل لعبت في أحيان كثيرة دور المدمر للقوى الوطنية وما ( مخيم تل الزعتر ) الفلسطيني منا ببعيد ، وما مذابح ( صبرا وشاتيلا ) التي ارتكبت تحت سمع وبصر الجيش السوري التي تربى على عقيدة البعث دون ان يرف له جفن منا ببعيدة ... والأمثلة كثيرة لا يجهلها إلا أعمى البصر والبصيرة.
لقد خسرت سوريا الجولان في العام 1967 في ظل حكم البعث ، وخسرتها في العام 1973 تحت حكم بعث عائلة الأسد ، وظلت الحدود من حينها وإلى اليوم بينها وبين إسرائيل من أكثر الجبهات هدوءا ، حيث لم يسمح نظام الممانعة بإطلاق طلقة واحدة في اتجاه إسرائيل . في الوقت ذاته ظل صامتا صمت أهل القبور حيال عمليات قصف إسرائيلية اقتربت من قصور الأسد الرئاسية ، مدمرة الكثير من المؤسسات والمرافق السورية القومية. لم يحرك نظام البعث الأسدي الجبان ساكنا حيال هذه الاعتداءات ، وخرج علينا الناطقون باسمه ببياناتهم المستنسخة التي تنم عن الحقارة والهوان والذل والتي أصبحت العلامة الفارقة لنظام البعث السوري.
لقد عاش النظام البعثي حياة العبيد الأذلاء في مواجهة إسرائيل ، فلما طالب الشعب السوري بحقوقه المدنية والسياسية ، صب على رأسه ألوان العذاب وفتح عليه نار مدافعه ومدرعاته وطائراته، ورمى القرى والمدن بالصواريخ الفتاكة والقذائف المحرمة دوليا ، وأفلت على الشعب لسوري الأعزل وحوشه الآدمية من الشبيحة وقطعان المرتزقة من الجيش الطائفي وعصابات ايران المجرمة ، يمزقون أجساد الرجال والنساء والأطفال والشباب والشيوخ ، ويهتكون الأعراض ، ويستبيحون المساجد والمقدسات ، ويعلنون كفرهم البواح جهارا نهارا على مرأى ومسمع من كل العالم. وزاد على ذلك اباحة الجسد السوري لحما مقدسا وترابا وطنيا لروسيا تُجَرِّبُ عليه اشد أنواع أسلحتها فتكا ، فقتلت ودمرت وابادت على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، وما تزال..
المجتمع الدولي متآمر على سوريا ومتواطئ مع نظام بشار المجرم ، سواء كان ذلك بشكل مباشر كروسيا والصين وايران ومن معها ، او بشكل غير مباشر كأمريكا وحلفائها في المنطقة كالسعودية، وذلك من خلال السماح لقطعان الوحوش من اغتيال الشعب السوري وقتل أحلامه في الحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية، دونما تدخل عسكري مباشر كما يفعل من يؤيدون بشار ، أو من غير ان يزودوا الشعب السوري وفصائله المجاهدة بالسلاح النوعي القادر على حسم المعركة ضد النظام وتوفير المزيد من الدم النازف.
هذا المجتمع الدولي لم ينس ان يلعب دورا تآمريا مساندا لبشار من نوع آخر بعدما اقتنع بأن الثورة السورية الشعبية ان استمرت سوريةً محضة ، خالصة من كل شائبةِ تطرفٍ دينيٍ او غيره ، تحمل اجندة تغيير سياسي يهدف الى بناء سوريا جديدة ديموقراطية، حرة، قوية ومقاومة ، فسيسقط نظام البعث وسينتصر الشعب السوري بكل فئاته وطوائفه، وسيصب ذلك في مصلحة الربيع العربي الذي خططوا لإفشاله وتدميره.
هدف هذا التآمري الدولي الأول هو تشويه صورة الثورة السورية الطاهرة من خلال الزج بتنظيمات متطرفة إرهابية لا تقل إرهابا وقسوة عن نظام بشار الأسد وحلفائه، فصنع المجتمع الدولي (داعش) وامثالها من التنظيمات، زج بها في المعركة، زودها بكل السلاح الممكن وغير الاستراتيجي الكفيل باستمرار نزيف الدم مع الإبقاء على توازن القوى في صالح النظام وحلفائه، وسمح لها بالتمدد غير المفهوم في مساحات شاسعة في سوريا والعراق ، وَمَكَّنَ لها من السيطرة على مدن وحواضر كبرى في البلدين ، بالرغم من انهم قوم لا يتعدون بعض عشرات آلاف من المقاتلين. اما الهدف الثاني من صناعة داعش فسياسي محض ، حيث أراد المجتمع الدولي ان يعطي نظام بشار الأسد المبرر القوي للخروج من مازقه بتقديم نفسه الى العالم كبديل عن داعش ، وبذلك يضمن استمرار موقف المجتمع الداعم للشعب السوري قولا لمصلحة نظام تدعمه عسكريا فعلا وقولا دول كبرى تملك ترسانة عسكرية قادرة على إفناء شعوب بأكملها.
في هذا السياق نستطيع ان نفهم موقف الولايات المتحدة الامريكية في عهد أوباما ومعه الغرب وحلفاؤها العرب وعلى رأسهم السعودية ، الذين اعتبرهم شركاء في إبادة الشعب السوري من خلال تبنيهم لدور المشاهد والمستنكر وربما المزود بسلاح لا يسمن ولا يغني من جوع . وفي السياق ذاته نستطيع ان نفهم موقف إدارة ترامب الرئيس الأمريكي الحالي ، والذي اعلن منذ اليوم الأول ان اولويته ليست إسقاط النظام في سوريا ، وإنما حرب داعش.
فكيف لنا إذا ان نفسر الضربة المحدودة التي وجهها نظام ترامب الى احد المطارات السورية ، وهي الخطوة التي لم يجرؤ أوباما على مثلها ؟ انها ببساطة " لعبة الأمم " التي وصف تفاصيلها ( مايلز كوبلاند ) في كتابه الشهير الذي يحمل نفس الاسم .. فضربة ترامب جاءت لرفع العتب ردا على مذبحة الكيماوي في ( خان شيخون ) من جهة ، و "هزة رسن" لنظام الأسد من جهة أخرى ، الا يخرج عن اللعبة المتفق عليها دوليا : الإبقاء على نظام الأسد حتى لو اباد شعبه ، شرط ان تكون الإبادة بالأسلحة التقليدية ، دون اللجوء الى الاسلحة غير التقليدية (الكيماوي كنموذج).
دليل ذلك ، هو التنسيق المسبق بين روسيا وايران وامريكا وإسرائيل والسعودية كلا او على حدة، حول الضربة الصاروخية الامريكية المحدودة ، وطبعا بموافقة الأسد الذي لا خيار امامه الا ان يقبل بما يمليه عليه الكبار ما دام الهدف بقاؤه على رأس السلطة في سوريا المدمرة . جاءت بعدها موجة الاستنكارات والتهديدات الروسية – الإيرانية – السورية من ناحية، والمدائح السعودية ومن معها من ناحية أخرى ، لإكمال المشهد المأساوي ، ولإغلاق صفحة جديدة سوداء ، لتُفتح صفحات جديدة ليستمر نزيف الدم السوري ، بدليل استمرار القصف الروسي – السوري – الإيراني على المدنيين في مختلف نواحي سوريا ساعات قليلة بعد الضربة الامريكية.
لم تعد اللعبة تخفى على أحد ، ومن يقبل بها إما ان يكون غبيا او متآمرا ، وكلاهما مُرّ ..
من ينتظر تدخلا من دول الغرب لإنقاذ الشعب السوري فهو واهم ، ومن يحاول التلويح بالتدخل الأجنبي ليبرر استمرار المذابح فهو كذاب ، ومن يعطي دعمه غير المحدود للمجازر بحجة البقاء على روح وقلعة ( المقاومة ) فهو دجال .. فمن قال أنه من أجل أن تكون مقاوما ، لا بأس في أن تنحر شعبك من الوريد إلى الوريد ، هذا على افتراض أن النظام مقاوم فعلا ، وهذا ما لا ينطبق على نظام البعث المجرم . إن دعوى من هذا القبيل لا يمكن أن يقبل بها طفل فكيف بالعقلاء من أبناء الأمة وبناتها ..
نظام البعث نظام مجرم وعميل ، وقف سدا منيعا في وجه القوى الإسلامية والقومية والوطنية الحية ، سامهم سوء العذاب وما مدينة حماة عنا بعيد ، وما السجون الذي فتك النظام فيها بآلاف المناضلين من كل الاطياف اليمينية واليسارية، إلا شاهدا على إجرامية هذا النظام وكذب دعواه. لهذا كله ، لا يمكن أن يتحرك الغرب لتغيير النظام بإرادته ، لأنه يرى فيه الحارس الأمين لمصالح إسرائيل وأمنها في المنطقة ....
لم يعد هنالك بُدٌّ بعد أن بلغ السيل الزبى ، وفاض الدم الحرام حتى غطى وجه سوريا ، من خطوة هامة وجريئة يجب ألا تقل عن تدخل عسكري عربي – تركي يوقف شلال الدم ، ويحمي المدنيين ويضمن الأماكن والممرات الآمنة في كل أنحاء سوريا ، تمهيدا لتغيير سلمي للنظام ، وتحول حقيقي نحو الديمقراطية بعد تفكيك نظام البعث الوحشي . هذا التحرك فوق ما سيشكله من حماية فورية للشعب السوري ، سيشكل بداية تحول نحو نظام دفاع عربي – إسلامي مشترك يحمي الأمن القومي ويفض النزاعات الداخلية ويحمي الحقوق بروح الثورات العربية ، ويؤسس لنظام دفاعي يضع حدا لغطرسة أعداء الأمة والطامعين فيها في الداخل والخارج .
التدخل العسكري العربي – الإسلامي تحت قيادة تحالف عربي – إسلامي مشتركة ، لا محالة سيقوم عاجلا او آجلا .. استبعد ان تقوم الحكومات العربية والإسلامية القائمة حاليا بهذه الخطوة ، لكن فُرَص اقامته ستظل قائمة بفعل الواقع المرير الذي تعيشه امتنا من المحيط الى المحيط ، وبفعل الإهانة التي تتجرعها الانظمة العربية يوميا ، والتي قد تخرجها يوما ان لم يكن دفاعا عن دماء العرب والمسلمين التي تسفك في كل مكان ، فلربما دفاعا عن كرامتها التي داستها احذية (الكبار!!!).