قصة سيدنا يوسف وتآمر إخوته عليه ورغبتهم في قتله، ثم بيعه في لعزيز مصر ومحنته مع امرأة العزيز ومعاناته في السجن، ثم تبدل أحواله وتقلده المناصب ولقائه بأبيه وإخوته.
قصة سيدنا يوسف كان سيدنا يوسف –عليه السلام- أحد أبناء سيدنا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام جميعا، حيث بلغ عدد إخوته اثنا عشر ولدًا من الذكور ومنهم بنيامين، واشتهر يوسف عليه السلام بحسن الخلق ووسامة المظهر وجمال الوجه، إلا أنه حظي بمكانة كبيرة وحب خاص منذ صغره من قبل والده يعقوب عليه السلام؛ والذي جعل باقي إخوته ناقمين وغاضبين عليه ويحملون له في قلوبهم من الحقد والغل أطنانًا.
قصة سيدنا يوسف .. عندما بلغ سيدنا يوسف من العمر سبعة عشر عاما؛ رأى في المنام أن هناك أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له، وعندما روى يوسف هذه الرؤيا لوالده يعقوب فرح فرحة عارمة وأمره ألا يقصها على أحد من اخوته، كما بشره أبيه بأنه سيتم ما بدأه أبيه وأجداده فهو حامل للرسالة، قال تعالى: { إِذ قالَ يوسُفُ لِأَبيهِ يا أَبَتِ إِنّي رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَبًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ رَأَيتُهُم لي ساجِدينَ ﴿٤﴾ قالَ يا بُنَيَّ لا تَقصُص رُؤياكَ عَلى إِخوَتِكَ فَيَكيدوا لَكَ كَيدًا إِنَّ الشَّيطانَ لِلإِنسانِ عَدُوٌّ مُبينٌ ﴿٥﴾ وَكَذلِكَ يَجتَبيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأويلِ الأَحاديثِ وَيُتِمُّ نِعمَتَهُ عَلَيكَ وَعَلى آلِ يَعقوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيكَ مِن قَبلُ إِبراهيمَ وَإِسحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَليمٌ حَكيمٌ} [يوسف، 4: 6].
قصة سيدنا يوسف .. دائما ما كان يُعامل يوسف بطريقة جافة من قِبل إخوته، كما كانوا يحملون له كثير من الغل والحقد نظرا لحب أبيهم الشديد له والذي جعله المفضل بينهم جميعا، كل هذا جعل اخوته يتآمرون فيما بينهم على قتل يوسف في منطقة مهجورة في الصحراء إلا أن أحدهم اقترح أن يلقوه في البئر؛ لعل أن يجده أحد المارة وهو في طريقه، وجاء ذلك واضحا في قوله تعالى: { لَقَد كانَ في يوسُفَ وَإِخوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلينَ ﴿٧﴾ إِذ قالوا لَيوسُفُ وَأَخوهُ أَحَبُّ إِلى أَبينا مِنّا وَنَحنُ عُصبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفي ضَلالٍ مُبينٍ ﴿٨﴾اقتُلوا يوسُفَ أَوِ اطرَحوهُ أَرضًا يَخلُ لَكُم وَجهُ أَبيكُم وَتَكونوا مِن بَعدِهِ قَومًا صالِحينَ ﴿٩﴾ قالَ قائِلٌ مِنهُم لا تَقتُلوا يوسُفَ وَأَلقوهُ في غَيابَتِ الجُبِّ يَلتَقِطهُ بَعضُ السَّيّارَةِ إِن كُنتُم فاعِلينَ} [يوسف، 7: 10].
فسألوا أبيهم يعقوب أن يرسله معهم في رحلة رعي الأغنام للترويح عن نفسه، إلا أن يعقوب كان قلقا عليه منهم فشعر بكثير من الخوف والريبة وقال أنه يخشى أن يصيبه مكروه أو يأكله الذئب وهم في غفلة عنه، إلا أنهم استنكروا أن يحدث ذلك وعددهم كبير إلى هذا الحد، مثلما جاء في سورة يوسف حين قال تعالى: { أَرسِلهُ مَعَنا غَدًا يَرتَع وَيَلعَب وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ ﴿١٢﴾ قالَ إِنّي لَيَحزُنُني أَن تَذهَبوا بِهِ وَأَخافُ أَن يَأكُلَهُ الذِّئبُ وَأَنتُم عَنهُ غافِلونَ ﴿١٣﴾ قالوا لَئِن أَكَلَهُ الذِّئبُ وَنَحنُ عُصبَةٌ إِنّا إِذًا لَخاسِرونَ} [يوسف، 12: 14].
وبعد إتمام ما اتفقوا سرا عليه؛ عادوا في المساء يبكون إلى أبيهم ومعهم قميص يوسف تلطخه الدماء مدعين أنه قد أكله الذئب، شعر يعقوب بأنهم قد تآمروا على يوسف إلا أنه صبر واحتسب برغم الألم والحزن الذي شعر بهم.. تابع قصة سيدنا يوسف .
بعدها جاءت سيارة ومرت بالبئر فأرسلوا واردهم لإحضار دلو من الماء، وعندما وجده يوسف التقطه فاستبشر به الرجل كثيرا واعتبره عبدًا أو بضاعة يبيعها عند وصولهم مصر، وحينها كانوا من الزاهدين فقاموا ببيعه بثمن قليل جدا حيث اشتراه أحدهم في مصر وأهداه لزوجته وأمرها بحسن معاملته لعله ينفعهم فيما بعد أو يتخذوه ولدًا، بعدها حظي يوسف بمكانة كبيرة وتقلد العديد من المناصب بعد أن وهبه الله الكثير من العلم والحكمة، إلا أن امرأة العزيز راودته عن نفسه فأبى وقال { مَعاذَ اللَّـهِ إِنَّهُ رَبّي أَحسَنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظّالِمونَ} [يوسف: 23].
قصة سيدنا يوسف ..
وبعد كثير من المحاولات التي باءت بالفشل حيث كان يوسف من عباد الله المخلصين اللذين أبوا أن يعصوا الله ويقوموا بالفحشاء؛ جاء العزيز فادعت زوجته أن يوسف هو من أراد بهما السوء، وأسرعت قائلة {ما جَزاءُ مَن أَرادَ بِأَهلِكَ سوءًا إِلّا أَن يُسجَنَ أَو عَذابٌ أَليمٌ}، دخل حينها يوسف السجن فعوضه الله بكثير من الحكمة وعلم تأويل الرؤى والتنبؤ بأحداث المستقبل، واعتبر يوسف محنة السجن وصعابه أهون بكثير مما مر به من قبل مع امرأة العزيز، واتجه يوسف في محنته داخل السجن لدعوة المسجونين لعبادة الله الواحد الأحد وعدم الشرك به، وقام حينها بمساعدة المرضى ونصح الفتيان ومواساة الضعفاء، فلقي استحسان وحب الجميع، وطلب منهم اثنان من الفتيان المسجونين تأويل رؤياهم، أحدهم كان يعمل ساقي عند الملك والآخر كان خبازا، فرأى الساقي أنه يعصر خمرا في كأس الملك والخباز رأى أن الطير تأكل من خبز فوق رأسه، فأوّل يوسف رؤياهم وبشر الساقي بأنه سوف يخرج من السجن وأن الملك سيعيده ساقيا له مرة أخرى، وقال للخباز أنه سيصلب والطير ستأكل من رأسه.
وقد قصَّ القرآن الكريم تلك الرؤى في قوله تعالى: { وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنّي أَراني أَعصِرُ خَمرًا وَقالَ الآخَرُ إِنّي أَراني أَحمِلُ فَوقَ رَأسي خُبزًا تَأكُلُ الطَّيرُ مِنهُ نَبِّئنا بِتَأويلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ المُحسِنينَ ﴿٣٦﴾ قالَ لا يَأتيكُما طَعامٌ تُرزَقانِهِ إِلّا نَبَّأتُكُما بِتَأويلِهِ قَبلَ أَن يَأتِيَكُما ذلِكُما مِمّا عَلَّمَني رَبّي إِنّي تَرَكتُ مِلَّةَ قَومٍ لا يُؤمِنونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُم كافِرونَ ﴿٣٧﴾ وَاتَّبَعتُ مِلَّةَ آبائي إِبراهيمَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ ما كانَ لَنا أَن نُشرِكَ بِاللَّـهِ مِن شَيءٍ ذلِكَ مِن فَضلِ اللَّـهِ عَلَينا وَعَلَى النّاسِ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَشكُرونَ ﴿٣٨﴾ يا صاحِبَيِ السِّجنِ أَأَربابٌ مُتَفَرِّقونَ خَيرٌ أَمِ اللَّـهُ الواحِدُ القَهّارُ ﴿٣٩﴾ما تَعبُدونَ مِن دونِهِ إِلّا أَسماءً سَمَّيتُموها أَنتُم وَآباؤُكُم ما أَنزَلَ اللَّـهُ بِها مِن سُلطانٍ إِنِ الحُكمُ إِلّا لِلَّـهِ أَمَرَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ ﴿٤٠﴾ يا صاحِبَيِ السِّجنِ أَمّا أَحَدُكُما فَيَسقي رَبَّهُ خَمرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصلَبُ فَتَأكُلُ الطَّيرُ مِن رَأسِهِ قُضِيَ الأَمرُ الَّذي فيهِ تَستَفتِيانِ ﴿٤١﴾}.