مناهج البحث العلمي تعتبر من أهم الأمو، في حياة البشرية والإنسانية عمومًا، وفي صالح الدول والمجتمعات ونهضتها وتطورها بشكلٍ خاصٍ، وتولي الدول المتقدمة أهمية قصوى بمناهج البحث العلمي، بكافة فروعها وتخصصاتها، وهي في ذلك تضع لها بندًا مخصصًا وله اعتباره وتقديره في موازنتها العامة للعام المالي، اعترافًا منها بأهميته، على طريق نهضتها ونموها وتقدمها ورفعة شأنها.
تعريف مناهج البحث العلمي
وإذا أردنا تقديمَ تعريفٍ مبسطٍ لمناهج البحث العلمي تعريفًا دقيقًا، في سطورٍ بسيطة، فيمكننا القول أنها مجموعة من الأساليب والتقنيات التي يتم تصميمها بشكلٍ خاصٍ، بهدف فحص ورصد جملة من الظواهر والمعارف التي يتم استشكافها حديثًا، مع إخضاعها للتصحيح والتكميل على المستوى المعلوماتي، ويكون هذا عبر إحدى الطرق المختلفة لمناهج البحث العلمي المعروفة، والتي من بينها الرصد أو التجريب أو مناهج البحث العلمي المستندة إلى القابلية للقياس.
وعليه، فإنها تخضع جميعًا وبشكلٍ عامٍ إلى مبادئ الاستنتاج والاستدلال القائم على العلم والمعرفة اليقينية الدقيقة, كما يمكن تعريف مناهج البحث العلمي أيضًا، على كونها تلك الأساليب والطرق التي يتم استخدامها بغرض الكشف عن الحقائق والنظريات المختلفة، والأحداث والوقائع التي تصاحب المؤلفات العلمية المتنوعة.
كما أنها تكمن في كونها معرفة ناتجة عن عددٍ من الملاحظات والدراسات والتجارب التي يتم تطبيقها بشكلٍ عملي بهدف اكتشاف الحقيقة، والتوصل إليها بشكلٍ قاطعٍ وحاسمٍ.
فئات وأنواع مناهج البحث العلمي المختلفة
بعد تلك التقدمة المبسطة والتعريفية لـ " مناهج البحث العلمي "، فبالتالي من المؤكد أن هناك أنماط أو فئات أو أنواع مختلفة لـ " مناهج البحث العلمي "، وهي تتشعب وتنقسم في ثمانية أنواع يمكن سردها من خلال السطور التالية.
1. المنهج الاستدلالي أو الاستنباطي
وهو يشير إجمالًا إلى ذلك المنهج أو الإطار من البحث العلمي، المُعتمد بالأساس على العقل بشكلٍ كلي، بهدف الربط ما بين المقدمات الأولي للبحث ووصولًا إلى النتائج المُرتبطة بها، بهدف الكشف عن العلل والأسباب التي تقف وراء الحدث أو الظاهرة المعينة، وفقًا لقواعد العقل والمنطق، والمبنية على أسس من التأمل الذهني، على أن تكون بداياته في العموميات أو الكليات، ثم ينتهي بالتفصيلات البسيطة أو الجزئيات.
2. المنهج الاستقرائي
ويعد هذا النوع من مناهج البحث العلمي على النقيض تمامًا من نطاق النوع الأول، من حيث الطريقة أو الأسلوب الذي يعتمد عليه، فهو يبدأ من الجزئيات والتفصيلات البسيطة، ثم ينطلق على نحوٍ تدريجي إلى القوانين والقواعد العامة والكلية، فهو يعتمد في المقام الأول على إجراء التجارب وتضمين الملاحظات، مع التحكم الكامل في المتغيرات المحيطة بتلك التجارب.
3. المنهج الاستردادي
وهذا المنهج تحديدًا من مناهج البحث العلمي، يعتمد بالأساس ويستند إلى آلية تقوم على عملية استرجاع جميع ما كانت عليه الحقائق وما اتفق عليه في الزمن الماضي، ويسعى ذلك المنهج إلى تحري الدقة الكاملة والموضوعية مع المصداقية في مجريات الأحداث المختلفة، وعليه يكون تحليل القوى والمشاكل التي شكلها الحاضر وعملت على صياغته بما هو عليه الآن.
4. المنهج الوصفي
ويعتبر هذا المنهج حلقة وصفة مهمة بين جملة من أنواع مناهج البحث العلمي الأخرى، فهو يتمثل على وجه التحديد في مهمة محددة، تقوم على تحيل الظواهر والمشكلات المختلفة، وفق طريقةٍ وأسلوبٍ وصفي، وهو كما ذكرنا وثيق الصلة بأنواع أخرى من مناهج البحث العلمي، مثل المنهج المسحي، الذي سنتطرق إليه في السطور المقبلة، وكذلك منهج دراسة الحالة.
5. المنهج التجريبي
أما المنهج التجريبي، فهو من اسمه يعتمد بشكلٍ أساسي، على التجارب الفعلية المباشرة للوصول إلى نتائج أكثر دقة، وعليه فهو يعد من أكثر مناهج البحث العلمي فعالية، فهو يُعرف بوصفه أسلوب أو وسيلة منهجية مميزة، يتم استخدامها بغرض استقطاب البيانات والحصول عليها، بغرض الوصول إلى نتائج أكثر منطقية وعملية وصولًا إلى المعرفة، ويستخدم المنهج العملي في مقابل الوصول لتلك النتائج، اعتماد أسلوب الرصد المباشر أو الملاحظة العلمية الفورية، سوءًا أكان هذا بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر، هذا، ومن الوارد والمُحتمل أن ينشأ عن ذلك المنهج التجريبي فرضيات هامة، قد تتطلب للتحقق منها وجود براهين وتأكيدا، تستند بالأساس على ما يتوفر لها من أدلة.
6. المنهج التاريخي
لا يقل المنهج التاريخي في الأهمية عن مناهج البحث العلمي السابقة، فهو وسيلة من وسائل البحث تقوم بالأساس على الأدلة، ثم تتم عملية تقويم هذه الأدلة بغرض استرجاع الماضي، ثم يجري تفنيدها وتأليفها، على أن تأخذ تلك الأدلة طريقها لمرحلة الاستعراض الكامل لكافة الحقائق الصحيحة، من حيث التأليف والمدلول من ورائها، ليمكن بعدها الحصول على نتائج جديدة تعتمد بالأساس على تقديم الأدلة العلمية الواضحة والصريحة في ذاتها، وبالتالي يمكن من خلال ذلك الأسلوب من أساليب مناهج البحث العلمي، تسجيل ورصد وعمل وصف شامل ودقيق لكافة الوقائع والأحداث القديمة والماضية، والقيام بدراستها ووضع تفسير منطقي ومقبول لها وتحليلها بأسس عملية ومنهجية دقيقة ومستوفية لجميع الشروط في هذا الإطار.
7. المنهج المسحي
وهذا النمط من أنماط مناهج البحث العلمي ، رغم بساطته، إلا أنه من الأهمية، بحيث لا يمكن تغافله أو الاستغناء عنه، فهو أسلوب منسق ومنظم للغاية، وهو يعتمد في أساسه على القيام بعمل تحليل للوضع الراهن لأي منشأة من المنشآت، وتفسيره بشكلٍ دقيق وتصويرها، وهو يهتم بالأحداث التي تقع أثناء إجراء عمليات البحث، وينقسم ذلك النوع من مناهج البحث العلمي، إلى شقين، الشق الأول هو المنهج المسحي الوصفي أو التحليلي، والشق الثاني هو المنهج المسحي الكشفي أو الاستطلاعي.
8. المنهج الفلسفي
وهذا هو آخر مناهج البحث العلمي، وهو يعتمد على استخلاص النتائج، وبالتالي هو يأتي في المرحلة الأخيرة إذا أردنا ترتيب مراحل البحث العلمي، فهو يقوم على إدراك المقاصد التي تقف وراء الأبحاث المختلفة، وهو يعتمد على وضع تصور شامل ومفهوم ومنطقي للمفاهيم الأساسية للآيات القرآنية مثلًا، والتي تتعلق بجميع مظاهر الوجود وخالقها المبدع سبحانه جل في علاه، إلا أن هذا المنهج من مناهج البحث العلمي، يختلف عن سابقيه، في تقيده بالمنهج الفلسفي في القرآن الكريم بشكلٍ تامٍ، ولا يُفهم عنه وجود تعارض بينه وبين الأصول الثابتة في المنهج الأصولي لتفسير آيات القرآن الكريم والقواعد الخاصة به.
في ختام حديثنا عن مناهج البحث العلمي نؤكد على اختلاف أنواعها وطرقها وأساليبها، فإنها تكاد تتوحد في مقاصدها وأهداف، والتي لابد وأن تكون أسلوبًا للحياة في جميع الشؤون والمجالات، دون إفراطٍ أو تفريط، وعليه تقوم الدول وتبني أهداف نهضتها، بالوضع في الحسبان لكل الاحتمالات المنطقية المتوقعة وتلك التي ليست في الحسبان.