الاشهر الحرم هي الأشهر التي حرم الله عز وجل فيها القتال وارتكاب الحرمات وذكر هذا في كتابه العزيز وذلك في قوله تعالى" إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ".
ما هي الاشهر الحرم؟
وكما وضحت الآية الشريفة فالاشهر الحرم أربعة أشهر وهم: ذو القعدة، وذو الحجة، رجب ومحرم، وقال الله عز وجل عن هذه الشهور وفضلها أيضًا ما جاء في صورة التوبة ويفيد أن فعل الأمور الحسنة في تلك الشهور يكون ثوابه مضاعف وكذلك جزاء ارتكاب أي عمل مخالف لتعاليم الاسلام فإن عقابه مضاعف: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ".
وقد تم تفسير هذه الآية من قبل أكثر من عالم فمثلًا القرطبي وضح أن ظلم النفس في الآية الذي نهى الله عنه يأتي من ارتكاب المعاصي في هذه الشهور الأربعة، حيث وضح أن الله عز وجل عندما يعظم أمر معينًا يكون له حرمة واحدة ولكن عندما يظم من أكثر من اتجاه فإن عقابه يصبح على قدر عزمته ويزيد، فمن يقوم بإطاعة الله عز وجل في أي شهر من تلك الأشهر يضاعف له ثوابه ووضح القرطبي أمر هام وهو أنه من اطاع الله في شهر حرام في البلد الحرام بالتأكيد يكون ثوابه أكبر ممن أطاعه في الشهر الحرام في بلد حلال وكلاهما أكبر ممن اطاع الله في الشهر الحلال في البلد الحلال.
ولم يكن الكريم هو مصدر التشريع الأول الذي تحدث عن هذه الأشهر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إنَّ الزمانَ قد استدار كهيئتِه يومَ خلق اللهُ السّمواتِ والأرضَ، السّنةُ اثنا عشرَ شهرًا، منها أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثةٌ مُتوالياتٌ ذو القعدةِ، وذو الحجّةِ، والمحرّمِ، ورجبُ مضرَ الذي بين جمادى وشعبانَ ".
وتفسير هذا الحديث هو أن الرسول أكد حرمانية الشهور بقوله: "الذي بين جمادي وشعبان" وذلك لأن رجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان، وذلك لأنّ ربيعة كانوا يحرّمون شهر رمضان ويسمّونه رجبًا، وكانت مضر تحرّم رجبًا نفسه.
السر وراء تسمية الاشهر الحرم بهذا الاسم
أرجع الكثير من العلماء ومفسري القرآن الكريم والسنة النبوية أن السر وراء تسمية الاشهر الحرم بهذا الاسم يرجع إلى كثرة وزيادة الحرمات فيها وعواقبها كما أن الله حرم الكثير من المعاصي فيها وبالأخص القتل، فقد نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عن القتل في الأشهر الحرام إلا في حالتين اثنان فقط وهما:
إما بغرض الدفاع عن المسلمين إذا قام واعتدى عليهم مجموعة من الكفار فبالطبع لن يتركوا أنفسهم للموت وعليهم مجابهة ذلك العدوان، وهذا القتال أباحه جميع العلماء في الاشهر الحرم، أما الحالة الثانية هو القتال بغرض الهجوم على مجموعة من الكفار وهذا ما أجازه أهل العلم أيضًا مستدلين فيه على ما قاله الله عز وجل في سورة التوبة بالآية الخامسة :" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم " كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم غزا الطائف في أحد الاشهر الحرم.
ويرى الكثيرون أن هناك حكمة من تحريم الله للأشهر الحرم، فتلك الأشهر كانت معظمة جدًا في عهد سيدنا ابراهيم وسيدنا اسماعيل عليهما السلام، حتى أن العرب من أنفسهم كانوا يظمونها بعد مماتهما، ويقول صاحب التفسير المنير عن الاشهر الحرم بهذا الصدد: "وكان القتال محرّمًا في هذه الأشهر الأربعة على لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام، واستمرّ العرب على ذلك، ثمّ نسخت حرمتها"، ولا يعد صاحب التفسير المنير هو المتحدث الوحيد عن الحكمة من تحريم الاشهر الحرم، ولكن ابن كثير اورد الحكمة من ذلك في تفسيره فقد قال عن هذا: "وإنّما كانت الأشهر المحرّمة أربعةً: ثلاثة سرد، وواحد فرد، لأجل مناسك الحجّ والعمرة، فحرّم قبل شهر الحجّ شهر وهو ذو القعدة، لأنّهم يقعدون فيه عن القتال، وحرّم شهر ذي الحجّة لأنّهم يوقعون فيه الحجّ، ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرّم بعده شهر آخر وهو المحرّم، ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرّم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب، فيزوره ثمّ يعود إلى وطنه آمناً".
صفات ومعاني الاشهر الحرم
لكل شهر من الاشهر الحرم معنى يفيده الاسم، فمثلًا: شهر ذو القعدة سمي بهذا الاسم، لأن العرب قديمًا كانوا يكفون فيه عن القتال كونه من الأشهر المحرم فيها ذلك، أما شهر ذو الحجة سمي بهذا الاسم كونهم عرفوا الحج وأقاموا شعائره به، بينما شهر محرم تم تسميته كون العرب وحتى من قبل الاسلام وفي عهد سيدنا ابراهيم وبعده كانوا يحرمون فيه القتال، والشهر الأخير وهو شهر رجب كون رجب تعني المعظم أو صاحب الجلالة والهيبة فكانوا يكفون فيه عن ارتكاب المحرمات وأولها القتال.
وكما لكل شهر معنى ونصيب من اسمه فجميعها تتفق في صفات وخصائص واحدة الا وهي:
يوجد بها الكثير من العبادات التي لا يمكن القيام بها في أش شهر آخر من شهور السنة مثل: الليالي العشر وهي عشرة ليالي من شهر ذي الحجة اقسم الله عز وجل بفضلها في كتابه الكريم، والحج وهو فرض من فرائض الاسلام التي يتم قضاؤها في شهر ذي الحجة فقط، ويوم عرفة الذي يعد صيامه بغفران عام مضى وعام مقبل وهو من العشر أيام المقسوم بهم في شهر ذي الحجة.
كما أن المحرمات في الاشهر الحرم ليس فقط القتال ولكن الظلم أيضًا وهذا من قوله تعالى" فلا تظلموا فيهن أنفسكم".